من جنوب لبنان إلى القلمون انقلاب المشهد

من جنوب لبنان إلى القلمون انقلاب المشهد

المغرب اليوم -

من جنوب لبنان إلى القلمون انقلاب المشهد

مصطفى فحص


فشل الحرب الاستباقية التي يشنها حزب الله منذ أربع سنوات على الثورة في سوريا، من أجل إعادة تمكين نظام الأسد، وفشله أيضا في استرجاع مناطق استراتيجية في درعا وحلب وإدلب، واكتفاؤه أخيرا بحماية العاصمة دمشق ومحيطها، على وقع الانعطافات العسكرية الكبيرة لصالح المعارضة السورية في مناطق مختلفة من سوريا، دفعته إلى الاستعجال في تأمين الممرات الحساسة، التي تربط دمشق ببيروت ودمشق بحمص ثم بمناطق الساحل، وفرضت عليه التدخل بقوة في جرود القلمون الشاسعة، المتصلة بمناطق لبنانية مأهولة، لوقف تحركات المعارضة السورية التي وصل مقاتلوها أكثر من مرة إلى تخومها، وهددوا سكانها.
فقد طالب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير، الدولة اللبنانية ومؤسساتها العسكرية، بتحمل مسؤولياتها تجاه حماية سكان تلك المناطق، واتهم فصائل المعارضة السورية باحتلال ما يقارب 200 كلم من جرود بلدة عرسال اللبنانية، التي يسكنها 50 ألف لبناني و100 ألف نازح سوري، معظمهم من قرى وبلدات القصير والقلمون ويبرود، الذين هجرهم الحزب خلال السنتين الماضيتين، بعد احتلاله مناطقهم، وعدم سماحه لهم بالعودة إليها.
بدا نصر الله في كلامه الأخير واضحا وصريحا، فقد دعا الدولة اللبنانية إلى التدخل، من أجل وقف الإمداد اللوجستي والعسكري الذي تتلقاه فصائل المعارضة من لبنان عبر بلدة عرسال، المؤيدة للثورة السورية ولتيار المستقبل بزعامة الحريري، وإلى التدخل من أجل تحرير جردها البالغة مساحته 200 كلم، من يد من وصفهم بالتكفيريين الذين يهددون سكان القرى والبلدات الحدودية اللبنانية مع سوريا، إلا أن التلميح الأخطر في كلامه كان في كشفه نوايا حزب الله بالتوغل في عمق القلمون، من أجل إقامة حزام أمني داخل الأراضي السورية، يحمي هذه البلدات من الهجمات المسلحة والقصف الصاروخي الذي تتعرض له - حسب زعمه.
يظهر أن حزب الله بات أسير مواقفه فهو من ناحية، ليس بوسعه البقاء مكتوف اليدين أمام تمدد المعارضة الواضح، بينما التحولات الأخيرة نقلته من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع، وهذه المرة الدفاع عن مناطق لبنانية أغلب سكانها من مؤيديه، فأصبح عسكريا، مضطرا لتثبيت مواقع متقدمة في عمق القلمون من أجل استبعاد هذا التحدي، مما أوقعه في الفخ الذي وقع فيه الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، والذي وقع فيه الجيش السوفياتي في أفغانستان. فتقدمه من أجل السيطرة والتحكم الناري في هذه المناطق الشاسعة ذات التضاريس الصعبة، يحوله إلى قوة أشبه بجيش نظامي، تتحصن على التلال وتحتاج من يغطيها ويحمي طرق إمدادها، وهذا يجعلها هدفا سهلا للمقاتلين غير النظاميين الذين يتحركون بسهولة في المناطق الوعرة، تماما مثلما كان رجال المقاومة اللبنانية يتحركون في وديان الجنوب، وكما كان يتنقل «المجاهدون الأفغان» في الجبال.
وعلى الصعيد المحلي، يبدو أنه من المستحيل أن يحصل حزب الله على إجماع كافة اللبنانيين ومساندتهم، في معركة يروج أنها دفاعية، مع من يصر على وصفهم بالجماعات التكفيرية ويختزل بهم ثورة الشعب السوري، يشابه الإجماع اللبناني العام الذي حصلت عليه فصائل المقاومة الوطنية اللبنانية ضد العدو الإسرائيلي، ذلك لأن نصف الشعب اللبناني على الأقل، يطالب الحزب بالانسحاب من سوريا، ويعتبر أنه تورط بالوحل السوري نتيجة لتقديراته الخاطئة، وأن حماية الحدود مسؤولية الدولة وجيشها، وأن زج الجيش في معركة محتملة ضد بلدة عرسال، في لحظة انقسام مذهبي عمودي كفيلة بتفجير الاستقرار الهش، والقضاء على ما تبقى من هيكل الدولة.
عشية معركة يبرود في 21 فبراير (شباط) 2014، ناشد رجل الدين اللبناني الراحل السيد هاني فحص حزب الله، تجنب «النهايات غير السعيدة لخياراته، إلى أن تورط الحزب وورطنا في سوريا، ونحن معنيون بحل ورطته لأنها ورطتنا، لأننا شركاء في الخسارة والمصير، شئنا أو أبينا، وشاء حزب الله أو أبى».
فعليا، ورط حزب الله شيعة لبنان والبقاع خصوصا بحرب استنزاف وعداء مستفحل مع جيرانهم السوريين، قد تتطلب عشرات السنين لدمل جراحها، إضافة إلى ما سوف يخلفه هذا التورط على مستقبل الشيعة في المنطقة، مهما كانت نتائج النزاع السوري.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من جنوب لبنان إلى القلمون انقلاب المشهد من جنوب لبنان إلى القلمون انقلاب المشهد



GMT 16:11 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

شفافية في المعلومات والأرقام يا حكومة

GMT 16:09 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 16:07 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

قوات الاستقرار في غزة

GMT 16:06 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الحالة الكروية

GMT 16:03 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 16:00 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 15:58 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 15:55 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 16:10 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
المغرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:17 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

"تارا عماد" تخوض تجربة الغناء لأول مرة دراميا
المغرب اليوم -

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 13:03 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجدي السبت 26-9-2020

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:35 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

المغرب الفاسي ينتصر وديًا على وداد صفرو

GMT 08:22 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

النفط يتدفق مجددًا بخط مأرب في اليمن

GMT 14:32 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

البولندية سواتيك تبلغ نهائي بطولة فرنسا المفتوحة للتنس

GMT 12:34 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الوداد يحاصر مدرب الفريق بالأسئلة بعد صدمة الديربي

GMT 06:31 2019 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هذه توقعات "الأرصاد الجوية" لطقس المملكة المغربية الأحد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib