خطة حقوق الإنسان السياق ضد النص

خطة حقوق الإنسان: السياق ضد النص

المغرب اليوم -

خطة حقوق الإنسان السياق ضد النص

بقلم - حسن طارق

بعيدا عن تقديرات المزاج السياسي سريع التقلب، يمكن التفكير في قراءة خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، من خلال شبكة موضوعية  من المؤشرات، تنطلق من مسلسل التحضير والصياغة، عبر مساءلة حدود الإشراك والتداول والاستشارة والانفتاح، ثم طبيعة المضمون، عبر بحث البناء العام للخطة ودرجة انسجام الأهداف مع الوسائل والتدابير المعلنة، ثم مسار التنفيذ عبر تتبع آليات الإشراف والتقييم.

وقبل ذلك، لا بد من الوقوف على ما يجعل منها فعلا، تحمل اسمها كخطة وطنية، وليس مجرد سياسة عمومية أو برنامج حكومي. وهو ما يعني الضبط الواضح للتمفصل الدقيق بين مستوى الأهداف الاستراتيجية، ومستوى الإجراءات التنفيذية

تطمح الخطة إلى أن تقدم نفسها كمرجعية لتأسيس وإعادة تأسيس السياسات العمومية بناء على مقاربة منطلقة من حقوق الإنسان، وهي بذلك تثمن البعد الحقوقي داخل فلسفة الفعل العمومي، لكنها في الواقع لا تصل إلى مبتغى هذا الطموح دائما، إذ في بعض المحاور الفرعية قد نصادف تدابير أو اقتراحات جديدة ومبتكرة، لكنها ليست بالضرورة منطلقة من مقاربة حقوقية.

بين هذا الطموح وهذا الواقع، تبدو الخطة في بعض لحظاتها القوية كإعادة صياغة للفعل العمومي انطلاقا من مقاربة حقوق الإنسان، وتتحول في لحظات أخرى إلى مجرد إعادة تركيب لبرامج حكومية موجودة.

من الواضح أن إكراه الطبيعة العرضانية قد شكل هاجسا لواضعي الخطة ذات الامتدادات الأفقية، وهو خلق بالضرورة حالات من التقاطع مع خطط واستراتيجيات وبرامج عمومية أخرى، لذلك تصبح الخطة خلال بعض محاورها مجرد إحالة على توجهات استراتيجيات سابقة (التربية والتعليم/مكافحة الفساد)، أو تتحول في حالات أخرى، إلى مجرد منبر للدعوة إلى تأسيس استراتيجيات قطاعية جديدة (البيئة والسكن)، أو حتى للدعوة إلى صياغة خطة عمل وطنية جديدة في مجال من المجالات (المقاولة وحقوق الإنسان).

تحمل الخطة نقاط قوتها، كنص مرجعي للفعل العمومي، عندما تحتل بشكل جيد مكانتها بين السقف المعياري الوطني ممثلا في الدستور، أو خلاصات الممارسة الاتفاقية، وبين الحاجة إلى تفعيل هذه التوجهات العامة، مقترحة مسالك تشريعية أو تدبيرية أو مؤسساتية، كما هو الحال مثلا في المحاور الفرعية المتعلقة بالحكامة الأمنية، ومكافحة الإفلات من العقاب، وحريات الاجتماع والتجمع والتظاهر السلمي.

أكثر من ذلك، فإنها تبدو رائدة عندما تنفتح على باب الثقافة، من خلال محور غني بالاقتراحات حول الحقوق الثقافية.

تطرح مصادقة المجلس الحكومي على الخطة، السؤال عما إن كان من المطلوب عرضها أمام أنظار المجلس الوزاري لاندراج العديد من مضامينها ضمن دائرة السياسة العامة للدولة، وهو ما من شأنه تعزيز مستوى الالتزام السياسي بمحاورها ذات الطبيعة الأمنية مثلا.

وفي الأفق نفسه، تبدو الحاجة ماسة إلى البحث عن إمكانيات فعلية لانخراط البرلمان والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، في تفعيل الخطة باعتبارها استحقاقا وطنيا.

يحضر في هندسة الخطة البعد الأفقي، من خلال هاجس التقائية السياسات والبرامج ذات الصلة بقضايا حقوق الإنسان، لكن في المقابل تغيب المقاربة فوق القطاعية التي قد تسمح بتدبير القيادة السياسية لمحاور الخطة وبالسهر على تتبعها، تماما مثلما تغيب المقاربة الترابية المدمجة لبنيات الديمقراطية المحلية والجهوية.

على عكس وقوف الكثير من المتابعات النقدية للخطة على هيمنة المرجعية الهوياتية في صياغتها، لا يبدو من خلال العودة إلى النص أن هذا الدفع يقوم على أساس حقيقي، ذلك أن الخطة تعلن انطلاقها من المرجعيات الأساسية للبلاد، كما هي واضحة في الدستور، والأكثر من ذلك، أنها في صلب متنها تبدو منخرطة بوضوح في منطق المرجعية الدولية وقيمها الكونية.

طبعا، تختار الخطة في النهاية عدم الحسم في أربع قضايا خلافية (ليست بالمناسبة جميعها موضوع توتر مجتمعي كما جاء في الوثيقة) تهم: الإعدام، المحكمة الجنائية الدولية، علاقات الشغل، مدونة الأسرة، لكن هذه الاستثناءات غير كافية للانتصار لفكرة هيمنة خطاب الخصوصية والهوية.

خطة العمل الوطنية من أجل الديمقراطية، تبقى عموما إحدى لحظات التقاط الدولة للخبرة الحقوقية المكرسة وللذكاء المدني والمجتمعي، ولعلها بذلك تستحق موضوعيا قراءة “محايدة” و”بريئة”، تقف على إمكانياتها وحدودها في أفق تملكها ضمن دينامية الترافع الاجتماعي والنضال الحقوقي، وهو أمر ليس بالسهل منهجيا وسياسيا، بالنظر إلى أزمة السياق الموسوم بالتراجع ومناخ تبديد الثقة.

وهذا ما يعني أن أكبر خصم لهذه الخطة الطموحة ليس سوى سياقها المأزوم!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطة حقوق الإنسان السياق ضد النص خطة حقوق الإنسان السياق ضد النص



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت - المغرب اليوم
المغرب اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 02:31 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

دراسة جديدة تكشف العلاقة بين الحب والسمنة
المغرب اليوم - دراسة جديدة تكشف العلاقة بين الحب والسمنة

GMT 02:15 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين عبدالعزيز تفكر بالزواج مجددًا بعد طلاقها
المغرب اليوم - ياسمين عبدالعزيز تفكر بالزواج مجددًا بعد طلاقها

GMT 06:16 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الذهب في المغرب اليوم الإثنين 03 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

GMT 21:44 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات في حياتك خلال هذا الشهر

GMT 16:06 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 18:33 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 20:18 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

وفاة خالة الشقيقتين المغربيتين صفاء وهناء

GMT 14:36 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

الرئيس اللبناني ميشال عون يلتقي وفدًا أميركيًا

GMT 12:29 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

مجلس الحكومة يعيد تنظيم مسرح محمد الخامس

GMT 05:01 2019 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

دافنشي كان يكتب بيديه الاثنتين بكفاءة

GMT 23:51 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

رامز جلال يسخر من غادة عبد الرازق والأخيرة تتوعد له

GMT 12:50 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

22لاعبًا في لائحة فارس النخيل استعدادًا إلى مواجهة الوداد

GMT 07:54 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

ملك إسبانيا يخفض راتبه بنسبة 7.1%

GMT 04:51 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

مصر تتصدر العرب فى الحرب على الفتنة.. المصنعة!

GMT 15:08 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هيمنة المتشددين على المجتمع الطلابي في جامعة وستمنستر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib