هوة الالتباس

هوة الالتباس

المغرب اليوم -

هوة الالتباس

بقلم - لمرابط مبارك

لا أميل بتاتا إلى الطريقة التي يمارس بها حميد المهدوي الصحافة، ولا أتفق معه في كثير من آرائه ولا مواقفه، ولا تصوره لهذه الحرفة التي دخلتها بما يشبه الصدقة، وإن كنت لا أجد بدا من الإقرار بشرعيته الكاملة في ممارستها وفق ما يراه مادام أصحاب المهنة لم يفلحوا في تكريس قواعد واضحة ومعايير متينة لممارستها طيلة كل هذه العقود.

ولكن أجد نفسي متضامنا معه بكل تلقائية، ليس من باب “التضامن المهني” الذي يجري في عروقه كثير من النفاق، ولا من باب تلك الشجاعة “الفولتيرية” (الموت من أجل الدفاع عن حق الآخر في التعبير عن رأيه)، ولا حتى من باب القيام بأضعف الإيمان، بل أجدني متضامنا معه خوفا من أن تبتلعني أنا أيضا، وأنت وأنت، هوة الالتباس التي تتقن السلطات في هذه البلاد بثها في ثنايا كثير من النصوص القانونية التي تؤطر حياة الكائن المغربي.

حين أخذت أنتبه إلى ما حولي، في المرحلة الثانوية بالخصوص، كنت أسمع كثيرا عن تلك التعابير الفضفاضة التي كانت تلف الكثير من النصوص القانونية وتجعلها تحول جسد القانون، الذي يجب أن يكون متسقا ودقيقا في تقاسيمه وصلبا متينا في كل أعضائه، إلى شيء مترهل فيه الكثير من الانثناءات والثنايا التي يختبئ فيها التأويل.

ولما كبرتُ أكثر اكتشفت أن للسلطة تقنية أخرى تتمثل في تعدد القوانين حول الموضوع الواحد. وحالة المهدوي نموذج مدرسي، إذ تمت محاكمته بناء على الفصل الرابع من ظهير التجمعات العمومية الذي ينص على عقوبة “السجن لمدة تتراوح بين خمسة عشر يوما وستة أشهر وغرامة، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط” في حق “الأشخاص الذين يساهمون في تنظيم مظاهرة غير مسموح لها أو وقع منعها”، والحال أن قانون الصحافة يتضمن في فصله الـ72 ما يخص ضمنيا هذه النازلة، ولكنه لا يتضمن العقوبة الحبسية ويكتفي بالغرامة (ما بين 20 ألفا إلى 200 ألف درهم). ولكن القضاء فضل متابعة المهدوي بالنص الأول لأنه يتضمن عقوبة حبسية وتذرع بكون الرجل لم يكن يمارس مهامه الصحافية أثناء قيامه بما اتهم به!

وهناك تقنية ثالثة تتمثل في تهريب عدد من العقوبات من قانون إلى قانون آخر. وهذا بالضبط ما حدث في قانون الصحافة الجديد، إذ أُخلي فعلا من العقوبات الحبسية إلا أن هذه ظلت معلقة فوق رقاب الصحافيين مثل سيف “ديموقليس”، بخيط القانون الجنائي.

هكذا يصبح الصحافي خاضعا ضمنيا لقانونين، وبما أن سلطة التأويل تمسك بها يد السلطات، فهي التي تحدد في نهاية المطاف متى يكون مزاولا لمهامه ليكون تحت طائلة قانون الصحافة، ومتى يصير مغربيا “عاديا” مثل كل المغاربة، وبالتالي خاضعا لبنود وفصول القانون الجنائي.

هذه هي هوة الالتباس السحيقة التي “أسقط” فيها المهدوي وأحسني، أسوة بأقراني ممتهني هذه الحرفة، مهددا بالسقوط فيها في أي وقت. ولعل هذا ما يجعلني أكرر دائما دعائي الأثير “الله يعفو علينا من هاد الحرفة”.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هوة الالتباس هوة الالتباس



GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

GMT 11:41 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

فرنسا العظمى «سابقاً»

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

أبوظبي ـ المغرب اليوم

GMT 13:42 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في "كان"
المغرب اليوم - نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في

GMT 06:51 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس

GMT 18:02 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

النوم الجيد يطيل حياة الإنسان ويضيف سنوات لعمره

GMT 11:39 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

أمن مدينة الجديدة يشارك في حملة التبرع بالدم

GMT 03:23 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

حل غير متوقع لمنع الطيور من النقر على النافذة

GMT 23:32 2016 الجمعة ,12 آب / أغسطس

ماهي فوائد السبانخ

GMT 20:35 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

كيف تساعد ابنك على اكتشاف موهبته؟
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib