تجديد العلوم الشرعية

تجديد العلوم الشرعية

المغرب اليوم -

تجديد العلوم الشرعية

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

 

العلوم الشرعية في التراث الإسلامي منتجٌ بشريٌ دعت له الحاجة والضرورة وقامت به عقولٌ فذةٌ أسست لكل فرعٍ منه وقعّدت قواعده وأصلت أصوله، ثم تعاقبت عليه العقول حتى استوى «علماً» قائماً بذاته، ومن ذلك «علم الفقه» و«علم أصول الفقه» و«علم التفسير» و«علم القواعد الفقهية» و«علوم الحديث» و«علوم اللغة» بوصفها أساساً تبنى عليه المعاني والأفكار والمفاهيم.
التأكيد على بشرية هذه العلوم هو أساس لبناء فكرة تجديدها، ذلك أن علاقتها الطويلة بـ «المقدّس» وعملها عليه جعل البعض يخلط بينهما ويظن قدسية هذه العلوم وأنها والإسلام شيءٌ واحدٌ، وحدث في القرن الأخير من الزمان أن تمّ تسيس بعض هذه العلوم وتوظيفها في غير ما أسست له خدمةً لأجندة جماعاتٍ وأحزابٍ سياسية وإن تسمّت بالإسلام، إلا أنها لا علاقة له به دينياً، وإنما استخدمته لخدمة أغراضها الحزبية.
«علم أصول الفقه» على سبيل المثال، علمٌ بشريٌ، أسسه أحد فقهاء المسلمين وهو محمد بن إدريس الشافعي في كتابه «الرسالة» في رسالة أرسلها إلى عبدالرحمن بن مهدي، وكان هدفه وضع «قانون» أو «نظام» كليٍ لتلقي «النصوص» وفهمها وتأويلها، وهو علمٌ تعاقبت عليه عقولٌ فذةٌ وتطوراته وتشعباته وخلافاته كعلمٍ معروفة لدى كل مختصٍ، وفي تجديده وإعادة بنائه فتحٌ لمجالات رحبةٍ تستجيب لتطور حياة البشر وحاجاتهم وتطلعاتهم بعيداً عن استجرار الماضي ضمن سياقٍ إنسانيٍ وحضاري بالغ الاختلاف، وظروفٍ زمانيةٍ ومكانيةٍ شديدة التغير.
كتب ابن خلدون: «واعلم أن هذا الفن من الفنون المستحدثة في الملة وكان السلف في غنية عنه، بما أن استفادة المعاني من الألفاظ لا يحتاج فيها إلى أزيد مما عندهم من الملكة اللسانية، وأما القوانين التي يحتاج إليها في استفادة الأحكام خصوصاً، فمنهم من أخذ معظمها... فلما انقرض السلف وذهب الصدر الأول وانقلبت العلوم كلها صناعة، احتاج الفقهاء والمجتهدون إلى تحصيل هذه القوانين والقواعد لاستفادة الأحكام من الأدلة، فكتبوها فناً قائماً برأسه سموه أصول الفقه».
«علوم الحديث» مثالٌ آخر، وهي علومٌ طورها الفقهاء في عقودٍ من الزمن متطاولة، وهي تبين عن عقولٍ فذةٍ سعت لمزيد ضبطٍ وإتقانٍ، وهي فروع متعددة لا تعرف مثلها في حجمها واتساعها أممٌ أخرى، ومنها «علم الحديث» و«علم الرجال» و«علم الإسناد» و«علم العلل» ومن مباحثها المفيدة المهملة «نقد المتن» وهو أن جمع الحديث مرّ بتضخمٍ كبيرٍ ومئات الآلاف من الأحاديث الصحيحة والضعيفة والمكذوبة، فكان «نقد المتن» الشاذ والمعنى المخالف للعقل مهمةً جلّى، ولكن هذا المبحث وأمثاله اندثر في مقابل «تقديس» هذه العلوم.
حاجة البشرية في الزمن المعاصر إلى «التسامح» و«التعايش» و«السلام» و«المحبة» و«التنمية» في مقابل أضدادها التي سادت في مراحل تاريخية مختلفة، هي حاجة ملحةٌ، وهي واضحةٌ في النصّ المقدّس، ولكنها غير مخدومة في العلوم الشرعية، ويمكن التأسيس لها ضمن هذه العلوم، كل علمٍ في سياقه الطبيعي، فعلم الحديث يستخرج النصوص التي تعزز هذه المعاني، وعلم الفقه يفصّل أحكامها، وعلم أصول الفقه يبني أسسها ويفرّع عليها، وهكذا في بقية العلوم، وهذه مهماتٌ كبرى تساعد على تأصيلٍ جديدٍ يفتح آفاقاً للمجتمعات في علومٍ تكون نافعةً للواقع والمستقبل بدلاً من الاكتفاء بالاجترار والتكرار.
أخيراً، فتاريخ «الفرق» في التراث مليء حدّ التخمة بالتنظير للتشدد والتطرف والتعصب، وتكفير المذاهب والطوائف لبعضها أشهر من أن يذكر، وكل هؤلاء بنوا مواقفهم على بعض «العلوم الشرعية» وأي متطلعٍ لمستقبل أفضل للأجيال الحالية والقادمة يعلم حق العلم أن تطوير هذه العلوم مفتاحٌ لكل خيرٍ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجديد العلوم الشرعية تجديد العلوم الشرعية



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 12:01 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

دراسة تؤكد أن انتظام مواعيد النوم يخفض ضغط الدم ويحمي القلب
المغرب اليوم - دراسة تؤكد أن انتظام مواعيد النوم يخفض ضغط الدم ويحمي القلب

GMT 13:02 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

منة شلبي تقود موسم 2026 بعملين ضخمين
المغرب اليوم - منة شلبي تقود موسم 2026 بعملين ضخمين

GMT 08:27 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تتحدى من يشكك فيك وتذهب بعيداً في إنجازاتك

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 18:36 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع أسعار النحاس الى 279.25 دولار للرطل الإثنين

GMT 13:24 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

المصمم إيلي صعب يطلق عطر جديد للشعر

GMT 07:16 2016 الأربعاء ,02 آذار/ مارس

الكشف عن علاج ضد فطريات البرمائيات القاتلة

GMT 04:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند تستحوذ على اهتمام المشاهير

GMT 14:39 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

اتحاد طنجة يحسم مصير المدرب عبد الرحيم طاليب

GMT 10:06 2018 الأحد ,16 أيلول / سبتمبر

شركة "غينيسيس" تخطط لإنتاج سيارة الكروس أوفر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib