السن الأنسب لممارسة الدنيا واختبار الحياة

السن الأنسب لممارسة الدنيا واختبار الحياة

المغرب اليوم -

السن الأنسب لممارسة الدنيا واختبار الحياة

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

 يمكن أن نحدد معنى هذه الكلمة المتعددة المدلولات؟ أهو «مجرد كلمة» كما وصفه عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو، أم أنّه السن الأنسب «لممارسة الدنيا واختبار الحياة»، حسب تعبير جان جاك روسو؟ وهل تكفي المقاربة البيولوجية والأخرى البيولوجية النفسية لتعريف الشباب تعريفاً دقيقاً وشاملاً، أم أن البيولوجي والنفسي ليسا أكثر من معطى وخطوة أولى جزئية في عملية التعريف الصعبة والمركبة؟
هناك شبه إجماع على أن مقاربة المسألة الشبابية صعبة، وليست يسيرة، كما قد تبدو لنا. يمكن القول تاريخياً ومعرفياً إنه بدأ الاهتمام بفئة الشباب مع ظهور الحركات الاحتجاجية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديداً ثورة الطلاب في مايو (أيار) 1968 بفرنسا، وتنامي الاحتجاجات ضدّ قيم المجتمع الرأسمالي، التي انطلقت من أعماق المدارس الفرنسية والأميركية، لتنتقل عدواها إلى مختلف بقاع العالم، في تأكيد بالغ لأهمية الشباب في صنع التغيير، ما جعل هذه الحركات الاحتجاجية الشبابية تساهم في الزجّ بالمسألة الشبابية في مقر دوائر النقاش العلمي.
لقد هيّمنت في السنوات الأولى من التفكير في فئة الشباب المقاربة العمرية، وأيضاً المقاربة البيولوجية النفسية؛ بالنسبة إلى المقاربة البيولوجية، فهي تركّز على معطى المقاييس العمرية، وتحصر الشباب في الفترة الانتقالية، ما بين مرحلة الطفولة وسن الرشد، إلا أن هذه المقاربة لم تشفِ الغليل المعرفي، ولاقت مؤاخذات كثيرة، من أهمها أن تعاملها مع الظاهرة الشبابية من الوجهة العمرية ينطوي على كثير من اختزال مجحف.
وفي هذا السياق، يبين موريس دوبيس أن الشباب يعني الجانب الاجتماعي للمراهقة، ويتجلى في مفهوم الجيل الذي يتكون وفق 3 عناصر على الأقل؛ أولها أنه (أي مفهوم الجيل) يشمل أفراداً لديهم وضعية متجانسة، وأيضاً يحملون نفس المقاصد الأساسية، ويتقاسمون الأفق ذاته، إضافة إلى كونهم قد ولدوا في فترة متقاربة.
من جهتها، أقرّت مارغريت ميد، أحد أبرز وجوه المقاربة الأنثروبولوجية، التي أجرت دراسات حول مجتمعات «الساموا» وقبائل «مانوس»، بحداثة ظاهرة المراهقة في المجتمعات المعاصرة؛ حيث إن مؤسسة الأسرة في هذه المجتمعات البدائية تمتص مرحلتي الطفولة والمراهقة، فلم تعرف تلك «الاضطرابات» التي تعاني منها المراهقة في حضارتنا، مؤكدة في أبحاثها أن المراهقة في «ساموا» ليست فترة أزمة وتوتر، بل هي على النقيض من ذلك تطور هادئ وعبور تلقائي إلى سن الشباب والنضج.
وأمام الانتقادات السريعة التي عرفتها المقاربة الثقافية ذات الاهتمام بتطور القيم والسلوك وتراكم المؤاخذات التي وجّهت ضد محدوديّة الطرح البيولوجي والنفسي لمفهوم الشباب، ظهرت طروحات أخرى، اهتمامُها الأول تعميقُ التفسير الاجتماعي لمسألة الشباب الذي دافع عنه بورديو صاحب الجملة الشهيرة «الشباب مجرد كلمة قد لا تعني شيئاً». ويمكن القول إن بورديو أسقط المقاييس العمرية، معتبراً أن «الحدود بين الأعمار أو الشرائح العمرية حدود اعتباطية، فنحن لا نعرف أين ينتهي الشباب لتبدأ الشيخوخة، مثلما لا نستطيع أن نعرف متى يبدأ الثراء، ما يعني أن الحدود بين الشباب والشيخوخة هي بالنسبة إلى كل المجتمعات رهان صراع». ويصف بورديو العلاقة الاجتماعيّة والبيولوجيّة بين السنَّين بالمعقدة جداً، مشدّداً في مقالته تلك على أهمية سؤال السلطة وكيفية توزيعها «منطقياً بين الشباب والشيوخ بالاحتكام إلى تصنيفات تقوم على العمر والجنس والانتماء الطبقي». وهي نقطة مهمة جداً، وسنرى نجاعتها في تمكيننا من فهم مشكلات الشباب في مجتمعاتنا لو حاولنا تطبيقها، إذ إن السلطة والقرار والمواقع الأماميّة هي ليست في حوزة الشباب العربي بقدر ما هي في قبضة الأكبر سناً. وهو تفصيل مهم، لأنه يفيد بأن الشباب خارج دائرة توزيع السلطة، ومن ثم فإن مشاركتهم في صياغة الواقع وترتيب أولوياته متواضعة.
لقد لاقت الفكرة القائلة إن السوسيولوجيا تتعامل مع البعدين البيولوجي والنفسي كمعطى، الأذن الصاغية من طرف مجموعة مهمة من المفكرين الذين عملوا على تعميقها أكثر. فمفهوم الشباب أو اقتراح استبدال مفهوم «العبور إلى سن الرشد» به، تتأتّى صعوبتهما من الحقل الدلالي المتشابك لطبيعة الظاهرة الشبابية التي تربط جسوراً مع المؤسسة المجتمعية باختلاف أنواعها وأدوارها وسلطتها، وتحتكم في روابطها إلى نوع من التفاعل، يتراوح بين العفوي والمنظّم.
وظّف جون كلود شومبوردان مفهوم «الدخول إلى رزنامات الحياة»، مركزاً على معطى الاختلاف في التكوين التاريخي والاجتماعي لسلسلة الخاصيّات التي تميز مراحل العمر. وتقوم مقاربة الشباب بوصفه «مرحلة في الحياة» وحلقة ضمن حلقات «دورة الحياة» من منظور ديموغرافي على تحليل رزنامات العبور إلى حياة سن الرشد من جهة، وتتعمق في فهم الشباب كمرحلة تحضيرية، يتمرن فيها على أدوار سن الرشد وكيفية اكتساب وضعيات اجتماعية جديدة من جهة أخرى، وذلك من دون إغفال الطّابع المركّب للمعطيات التي تنقلنا إلى سنّ الرشد، وأهمها معطى التنشئة.
لقد آثرنا الوقوف عند معنى الشباب، لأن تصورنا لدوره ولموقعه في الفعل الاجتماعي اليوم في الفضاء الثقافي والسياسي العربي يبدأ من تعديل المعنى المحتاج إلى وعي مخصوص.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السن الأنسب لممارسة الدنيا واختبار الحياة السن الأنسب لممارسة الدنيا واختبار الحياة



GMT 14:47 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

سعيٌ للتهويد في عيد الفصح اليهودي

GMT 20:01 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

معايير عمل البلدية

GMT 19:56 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

أبوظبي ـ المغرب اليوم

GMT 00:30 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

يورجن كلوب يكشف تفاصيل مٌشادته مع محمد صلاح

GMT 15:07 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

فائدة غير متوقعة لـ"3 قطع شكولاتة شهريا"

GMT 18:02 2019 الجمعة ,22 آذار/ مارس

برشلونة يفتح الباب أمام رحيل كوتينيو
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib