محنة الشعوب العربية

محنة الشعوب العربية

المغرب اليوم -

محنة الشعوب العربية

آمال موسى
بقلم : آمال موسى

الانفجار المُروع الذي أحرق بيروت لم يكن في بيروت فحسب؛ بل في جل العالم العربي، حتى لو بدا في الظاهر عكس ذلك. فالحريق في معناه الرمزي لا يخلو من معاناة، إذ الاشتعال ذروة الانفعال والألم.
مشهد بيروت وهي تشتعل، ويُغطيها بكل قسوة الدخان، وارتفاع عدد الموتى والجرحى... كل هذه العناصر كانت تكتب حزناً عربياً جديداً وإضافياً. لعل ما بات أكثر وضوحاً بعد حريق بيروت والأسباب التي سمعناها وتزيدنا احتقاناً على احتقان، هو أن الشعوب العربية فعلاً في محنة.
فما هي محنتنا التي أصبحت واضحة للجميع؟
عندما نتأمل أوضاع الشعوب في بلداننا العربية بشكل عام، نجد أن الأغلبية تعاني من نخب سياسية ما زالت تتعامل مع الحكم بذهنية الغنيمة، ولم نتطور في استيعاب مفهوم الحكم الصالح وشروطه، وفهم استحقاقات المواطنة بشكل معمق. فالشعب لا يمثل بالنسبة لغالبية النخب السياسية الحاكمة أكثر من قاعدة شعبية وخزان انتخابي تستعمله في وقت الانتخابات، ثم تتجرد من وعودها والتزاماتها.
فهل يعقل في مدينة صغيرة تعج بالسكان والمؤسسات والمقاهي والفنادق والمطاعم والحياة والجمال والثقافة... أن تُوضع فيها مواد يكفيها حريق صغير كي تنفجر وتحصل كارثة إنسانية واقتصادية؟
هنا نحن أمام جهل، وأمام شعور ضعيف جداً بالمسؤولية؛ لأن الإحساس بالمسؤولية إذا وُجد يقودنا إلى أن نعرف لنتحمل المسؤولية جيداً.
فمناصب السلطة امتياز تلمع له عيون الساسة في بلداننا، وقلما نجد من يخاف المنصب ويخشى الفشل، ويعلم أن هناك أرواحاً بشرية وأحلاماً وقلوباً هو مسؤول عنها، وأي خطأ تكلفته من الذنوب ثقيلة جداً.
لذلك فإن الشعوب العربية تعاني من سنوات طويلة: لم تنفع الثورات ولا الصبر على البطالة والفقر. وهذا الفشل الذي نراه سببه ضعف السياسة في جل بلداننا، وغياب الإرادة الصادقة لخدمة الشعوب والتقدم.
عندما نُدقق في بعض المؤشرات، نجد أن العالم العربي يزخر بعناصر قوة؛ مثل انخفاض نسبة الأمية، ووجود كفاءات في كل الاختصاصات، إضافة إلى تحسن وضعية المرأة، وكما نلاحظ فهي في أغلبيتها مؤشرات من نتاج المدرسة في البلدان العربية. وفي المقابل نجد نخباً سياسية ترسم سياسات اقتصادية وتنموية خاطئة، مع انتشار الفساد بمعانيه المختلفة، وميزانيات الدولة المتصرف فيها بروح الغنيمة وانتهاز الفرص. بمعنى آخر يمكن استنتاج أن أزمة الشعوب العربية في جزء كبير منها متأتية من النخب السياسية التي تحكمها.
كما أن تأخر الممارسة الديمقراطية جعل شعوبنا تعاني أيضاً من إخفاقاتها في المرحلة الأولى من ممارستها. ولعل تونس أكبر مثال على ذلك؛ حيث عرفت انتخابات شفافة ثلاث مرات، ومع ذلك فإن التوترات والصراعات الآيديولوجية وضعف الساسة وعقليتهم الضيقة، جعلت تونس تتراجع في كل المجالات، وعاجزة عن تسديد ديونها الخارجية، ونسبة البطالة في ارتفاع متزايد، وبدل أن تنخفض نسبة البطالة التي شكلت السبب المباشر للثورة في تونس، ها هي الأوضاع بعد عقد كامل تزداد سوءاً.
بيت القصيد من كل هذا الكلام، أن الشعوب العربية عرفت في الخمسينات والستينات نخباً سياسية جادة، تركت إرثاً في الحقول الاجتماعية مثل التعليم والصحة، ولكن هذه النخب التي قادتها زعامات أهملت الشق السياسي، ومع الأسف النخب التي جاءت بعدها أهملت كل شيء، والأشياء الناجحة هي جزئية وليست بنيوية تعمل على تطوير كل البناء الاجتماعي.
لم نفهم بعد أن التنمية شاملة أو لا تكون. كل أبعاد التنمية تشتغل بعضها مع بعض، بدءاً من تنمية الإنسان إلى تنمية الاقتصاد إلى تنمية الحريات والحقوق. ما زلنا نتعامل مع البناء الاجتماعي بسياسة الأجزاء المنفصلة بعضها عن بعض، وهذا خطأ فادح ومنهجي عميق أثبتته التجارب والدراسات.
يمكننا القول إن السياسة سبب رئيسي من أسباب محنة الشعوب. والذي يزيد في تعميق المحنة أنه علاوة على ضعف الأداء السياسي، هناك ظاهرة ضعف الولاء للوطن وللشعب عند بعض الأحزاب الكبيرة التي تمثل قوة سياسية في كثير من الحقول السياسية العربية. وهنا نتساءل استنكارياً: كيف يمكن لحزب انتخبه جزء من شعبه أن يلبي أجندات دول من خارج البلد؟ فما يحصل في أكثر من بلد هو أن بعض الشعوب العربية تجد نفسها محور تجاذبات إقليمية غير عابئة بالإنسان وبالشعب وباستقراره.
من جهة أخرى، نشير إلى دور الإعلام العربي في هذه المحنة؛ حيث إن زواج الإعلام والاقتصاد والمال في أكثر من بلد عربي حوَّل بعض بلداننا إلى سوق، ومستقبل الشعوب رهين الصفقات والمصالح. وإذ نذكر الإعلام فلأنه قادر بالنقد والموضوعية أن يمارس رقابة وضغطاً على الماسكين بالسلطتين السياسية والمالية.
يبدو لي أن قوانين العمل السياسي في بلداننا تحتاج إلى مراجعة وصرامة، تجعل من السياسة حكراً على من تتوفر فيه شروط دقيقة، إضافة إلى ضرورة تشريع قوانين تمنع الزواج بين المال والإعلام والسياسة؛ خصوصاً أن تجارب هذا الزواج كانت فاشلة، وضحيتها دائماً في المقام الأول الشعوب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محنة الشعوب العربية محنة الشعوب العربية



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 20:18 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

بنسعيد يبحث ملف الزليج المغربي بجنيف
المغرب اليوم - بنسعيد يبحث ملف الزليج المغربي بجنيف

GMT 18:14 2020 السبت ,11 تموز / يوليو

مخرج فيلم"ماد ماكس" يحطم قلب تشارليز ثيرون

GMT 04:24 2020 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

مقطع ويسلان بمكناس .. منعرج الموت يتربص بأرواح السائقين

GMT 08:29 2018 الخميس ,01 شباط / فبراير

عطر كارفن المصنوع من زهر البرتقال لطيف للرجال

GMT 18:55 2023 الثلاثاء ,28 شباط / فبراير

أجدد صيحات الأحذية من أسبوع الموضة في ميلانو

GMT 22:19 2023 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

مقاييس الأمطارالمسجلة خلال 24 ساعة في المغرب

GMT 18:01 2022 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"لامبورغيني" تفتتح صالة مؤقّتة في الدوحة حتى منتصف ديسمبر

GMT 03:55 2022 الثلاثاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ليكسوس العرائش يفوز خارج ميدانه على الفتح الرياضي بـ (88-65)

GMT 09:06 2021 الأربعاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي الرجاء الرياضي يمنح المدرب لسعد الشابي هدية بعد إقالته
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib