تعزيز صمود الأسرة أقل تكلفة يمكن دفعها اليوم

تعزيز صمود الأسرة أقل تكلفة يمكن دفعها اليوم

المغرب اليوم -

تعزيز صمود الأسرة أقل تكلفة يمكن دفعها اليوم

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

قبل عقدين تقريباً كانت طريقة الدول في معالجة الفئات التي تعاني من هشاشة، وبخاصة الأطفال وكبار السن، هي الاحتكام إلى الإيواء المؤسساتي وتخصيص الموارد البشرية والاعتمادات اللازمة بذلك. ولكن في واقع اليوم وبحكم التحولات التي عرفتها المجتمعات والعالم ككل والعلاقات الاجتماعية، فإن النتائج بدأت تظهر فشل خيار الإيواء المؤسساتي، وبخاصة فيما يتعلق بالأطفال. ويظهر هذا الفشل في نقاط عدة، لعل أهمها ضعف التحصيل الدراسي للأغلبية منهم، إضافة إلى عدم التوفق بالصورة اللازمة في تجاوز مشاكل نفسيّة، وبخاصة في مرحلة المراهقة التي تعرف هزات قوية، وهي المرحلة التي ضربت مجهودات الإدماج وحدّت من إيجابياتها.

والملاحظ أن مشكلة تأطير والنجاح في استيعاب المراهقين الفاقدين للسند بصدد التوسع؛ لأن حقوق الطفل في تنامٍ ومشاكل المراهقين نفسها في تعقد متواصل ومتزايد، وهناك صعوبات حقيقية في مجابهة مراهقين في وضعيات صعبة. ولا يخفى على أحد أن هذه المشكلة تعرفها الأسرة في كل أنحاء العالم اليوم، فما بالنا بأطفال يتمتعون بالإيواء المؤسساتي للدولة بسبب فقدهم للسند.
لذلك؛ فإنه هناك ما يشبه الإجماع اليوم على أن لا شيء أكثر قيمة نفسية ووجدانية من أن يكون الطفل في وسطه الطبيعي باستثناء الحالات التي تمثل فيها الأسرة مصدر تهديد للطفل وأمنه النفسي والجسدي. وفي هذا الإطار نلحظ أن التمشي الجديد يقوم على دعم الطفل مادياً وهو في وسطه الطبيعي أو داخل أسرته أو في عائلات الاستقبال.
غير أن الآلية المثلى والتي تحمي الطفل من أن يكون فاقداً للسند أو مفرطاً فيه بسبب عدم القدرة على تربيته والعناية به هي آلية التمكين الاقتصادي للأسر. ذلك أن التركيز على معالجة مشاكل الأسرة يعني عملياً تفادي ظواهر أطفال الشوارع، وتفادي العنف ضد الأطفال والإهمال والتقصير البيّن للأطفال. ولا ننسى أن في حماية الأطفال حماية للمستقبل وللأجيال.
لذلك؛ فإن الاتجاه الغالب اليوم هو حوكمة معالجة مشاكل الرأسمال البشري بالتركيز على الأسرة باعتبارها نواة المجتمع ومن دون تماسكها نجد امرأة تعاني وأطفالاً مهملين، وبخاصة أن السبب الاقتصادي يقف وراء غالبية المشكلات العاصفة بالأسر.
طبعاً، قد يتساءل البعض أن التمكين الاقتصادي يتطلب اعتمادات وميزانيات ضخمة. ولكن مثل هذا التفكير يدل على فهم خاطئ للواقع وضعف في ضبط التقديرات المالية وتحديد التكلفة. فتكلفة العنف باهظة جداً وتكلفة طفل مهمل ورغم تدخل الدولة فقد ظل متأزماً تكلفة أكثر مما يمكن أن نتوقعه. والتكلفة ندفعها في الهجرة غير النظامية وفي استقطاب شبكات الإرهاب لهم، وفي إهدار الذكاء والجهد. بل إنه حتى لو قمنا باحتساب ما يتم دفعه من اعتمادات في مراكز إيواء الفئات الفاقدة للسند كالأطفال وكبار السن سنجد أنها اعتمادات ضخمة تشمل إحداث المؤسسات وتهيئتها وتجهيزها والإعاشة وهي تكلفة أكبر بكثير من الاعتمادات التي يمكن أن تخصص صراحة لتمكين الأسر الفقيرة أو المحدودة الدخل، ومن ثمة فإننا نكون بصدد حماية الأسرة والمرأة والطفل والمجتمع ككل.
المنطق يقول إنه لا حل غير التمكين الاقتصادي للأسر، وإلا فإن الدول لا تستطيع في القريب العاجل مواصلة نفس منهجية التدخل الاجتماعي، والحال أن الوقاية خير من العلاج الذي أصبح غير مضمون بالمرّة، بدليل مظاهر الإخفاق الشتّى التي باتت تعرفها منهجية الإيواء والتعهد بالطفولة الفاقدة للسند.
وحتى في صورة أن المنهجية لا بأس بها والإيواء المؤسساتي ناجع، فأي دولة هي قادرة اليوم على إيواء آلاف الأطفال المشردين والفاقدين للسند؟ ومن هي الدولة أيضاً التي تستطيع أن تنتدب إطارات مختصة في التعهد والإحاطة للآلاف من الأطفال؟
إن التعداد السكاني الذي هو في تزايد بحكم ارتفاع مأمول الحياة يجعل من توفير ما ذكرته مستحيلاً، ومهما ستبذل الدول من جهود ستظل مقصرة. لذلك؛ فإن المنطق يحتم تغليب مبدأ شد أزر الأسرة ودعمها وتمكين الأسر المحتاجة إلى مورد رزق. وهنا، من المهم أن يتم وضع استراتيجية معمقة مفكر فيها جيداً حول كيفية تعزيز صمود الأسرة اليوم في عالم مليء بالمشكلات وقابل للتأزم في لحظة غير متوقعة.
إن الرهان على تعزيز صمود الأسرة يعني بلغة المال التخفيض من نفقات التوتر والعنف والطلاق والإهمال والانحراف والجريمة. وهو أمر يتطلب قدرة على الحساب مختلفة ومغايرة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعزيز صمود الأسرة أقل تكلفة يمكن دفعها اليوم تعزيز صمود الأسرة أقل تكلفة يمكن دفعها اليوم



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 13:22 2024 الخميس ,11 إبريل / نيسان

إنتر ميلان يحدد سعر بديل مبابي

GMT 14:40 2024 الخميس ,11 إبريل / نيسان

نيمار يفلت من غرامة قدرها 3 ملايين دولار

GMT 11:01 2024 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أبرز عيوب مولودة برج العذراء

GMT 00:36 2024 السبت ,06 إبريل / نيسان

يوفنتوس يكشف عنصرية جماهير لاتسيو ضد ماكيني

GMT 16:58 2024 السبت ,10 شباط / فبراير

هواوي تعلن عن سماعات لاسلكية متطورة

GMT 17:46 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

موديلات أحذية يمكن ارتداءها مع الجوارب الضيقة

GMT 13:02 2022 الأحد ,26 حزيران / يونيو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:59 2021 السبت ,31 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 20:39 2021 السبت ,25 أيلول / سبتمبر

فيلم لنبيل عيوش في مهرجان حيفا الإسرائيلي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib