التنشئة على الجمال

التنشئة على الجمال

المغرب اليوم -

التنشئة على الجمال

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

 

تجعلُ المهرجاناتُ للصيف مذاقاً عذباً وتفتح أفقاً واسعاً مضموناً لتحقيق الاستمتاع بالعطلة، وبفصل الصيف الذي رغم ارتفاع الحرارة فيه، فإنَّه يظلُّ فصلاً مميَّزاً لما يسمح به من شيءٍ من الحرية في تنظيم الوقت وفي قضاء الليل، إضافة إلى أنَّه فصلُ الارتماء في أحضان الطبيعة وبحارها.

والصيف ليس سباحةً، والاستيقاظ على غير العادة وإقامة الأفراح والمسرات الخاصة... بل أيضاً هو فصل المهرجانات والعروض الفنية والموسيقى والسهر في رحاب الفن والإبداع.

وإن كانتِ المهرجاناتُ تندرج ضمنَ الترفيهِ وذات صلة بالسياحة، إلا أنَّه من المهم التذكر دائماً أنَّ المهرجاناتِ ذاتَ وظيفةٍ ثقافيةٍ ورسالة من أجلِ الانفتاح على الثقافات واكتشاف الذات الفنية والثقافية وذواتِ الآخر المتعددة أيضاً.

وكما أنَّ المهرجاناتِ الكبرى الصيفيةَ الناجحةَ معروفةٌ بتنوع عروضها وفقراتِها من أجلِ تلبيةِ الحاجيات الجمالية لأكثرَ ما يمكن من جماهير، فإنَّ الأمر ذاته فيما يخصُّ الفئةَ العمريةَ للجمهور. المهرجانات الكبرى تفكّر في الكبارِ والصغار. وتبرمج لكلّ فئةٍ عمرية ما تحتاجه وما يناسبها. وبقدر ما يبحث الكبارُ عمَّا يعجُّ به مخيالُهم الفني الثقافي من رموزٍ فنيةٍ وأذواق وأنماطٍ بعينها حيث اختيارُ العرض نفسِه هو استجابة لحنين الذاكرة وطريقتها في الاستمتاع بالفن، فإنَّ أمرَ عروضِ الأطفال مختلفٌ وأكثرُ حساسيةً وتعقيداً: عندما يفكر مهرجانٌ كبيرٌ في عروضٍ مميزة وضخمة للأطفال، فإنَّه يكون بصدد تشكيل ذوقِهم وخيالهم، ويؤسس لوجدانهم.

وفي الحقيقة نلاحظ في حيواتِنا الثقافية تعاطياً ثانوياً مع الطفولة، ومبدأ حقها في الترفيه وتنشئتهم على قيم الانفتاح والجمال والمحبة، والحوار والإنسانية. ولسنا نبالغ إذا قلنا إن المهرجانات قادرة على تأمين نصيب وافر من هذه التنشئة. فالجمال تنشئة وتربية ومن يتربَّ على الجمال والثقافة والانفتاح فلن تستطيع القوى الظلامية اختراقه مهما كان مأزوماً. هكذا نحصن الناشئة من العنف والتعصب. ذلك أن مرحلة الطفولة هي المرحلة التي يتشكل فيها الإنسان مخيالاً وتمثلات.

ما قادنا إلى طرح هذه النقطة دون سواها في مقالتنا هذه، هو ذلك الأثر الجميل الذي لمسناه في سهرَتي مهرجان قرطاج الدولي بتونس، حيث تم تخصيص سهرتين للأطفال، وتم عرض العمل الفني العالمي «سندريلا: السيرك على الجليد»، حيث امتلأ ركح مسرح قرطاج الأثري بالأطفال وأوليائهم، إضافة إلى حضور كبير للأطفال من مكفولي الدولة، فكانت سهرة بمثابة الحلم لجميع الأطفال وبسهولة تامة، تلحظ الفرحة في عيون الأطفال عندما يشعرون بأن مؤسسات الدولة ومهرجاناً دولياً يفكر فيهم كجمهورٍ نوعي يستحق العناء والبذل والعطاء.

العرض كان جميلاً: لوحات تتضمَّن قصصاً من الثقافات يشارك فيه من جنسيات مختلفة ورقص على الجليد كأبهى ما يكون الشيء الذي ينمي الذوق الجمالي والخيال وقصة سندريلا وملكة الحلم... نعم الجمال ينقي الداخل ويرقق الذوق، ويجعل ابتسامة هادئة مطمئنة راسخة تعلو كل وجه يشاهده.

طبعاً مثل هذه العروض تصنف تقنياً بكونها ثقيلة وتستوجب استنفاراً كبيراً لوجيستياً، بدليل أن مهرجان قرطاج منح العرض يومين كاملين كي يتم الإعداد وتوظيف الركح وفق مقتضيات العرض، ولكن النتيجة كانت رائعة: منظر الأطفال وهم يدخلون المسرح وهم يغادرونه يمثل في حد ذاته صورة أمل مضمونة التدفق والثبات.

طبعاً الاستثمار الفني في عروض ثقيلة وتواكب تطلعات الأطفال وتكون قادرة على إبهارهم وجذبهم وهي مكلفة، وتخصيص حيز واسع في البرمجة لهم هو لا شك مكلف، ولكن الوقاية خير من العلاج. الاستثمار في الجمال والتنشئة عليه، وخلق ممارسات ثقافية مبكرة لدى الأطفال ستفيد كل المجتمعات وتجعلها في مأمن من مخالب أرباب العنف والإرهاب.

من جهة أخرى فإن عدم إيلاء ترفيه الأطفال حقه من ميزانياتنا واهتمامنا وبرامجنا سندفع تكلفته باهظةً في مستقبل السنوات، إضافة إلى أن ذلك سيدفعهم للإدمان على شبكات التواصل الاجتماعي ولقمة سائغة لمضامينها.

ونحن نناضل من أجل توفير حقوق الأطفال في التعليم والصحة من المهم أن نناضل أيضاً من أجل حق الطفل في الترفيه لأن الترفيه آلية من آليات نقل مضامين إيجابية وقيم الجمال، إضافة إلى أن الترفيه يجعل الطفل في حالة انشراح وامتلاء بالجمال وأكثر قدرة وصلابة على التحمل مستقبلاً.

الترفيه يصنع لنا ذاكرة الفرح، وهي ذاكرة نغترف منها للتذكر عندما نتقدم في السن، ونقف وجهاً لوجه أمام الحياة وتقلباتها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التنشئة على الجمال التنشئة على الجمال



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 15:14 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

لافروف يتهم أوروبا بعرقلة جهود السلام في أوكرانيا
المغرب اليوم - لافروف يتهم أوروبا بعرقلة جهود السلام في أوكرانيا

GMT 11:21 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

هاني سلامة يعود إلى السينما بعمل جديد بعد غياب 14 عاما
المغرب اليوم - هاني سلامة يعود إلى السينما بعمل جديد بعد غياب 14 عاما

GMT 15:54 2024 الجمعة ,09 شباط / فبراير

هجوم صاروخي على مطار المزة في دمشق

GMT 13:17 2017 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

زهير مراد يفضّل الأوف وايت والزهري لفساتين الزفاف

GMT 08:18 2015 السبت ,13 حزيران / يونيو

شاطئ طنجة يلفظ حوت ضخم مصاب بالرصاص

GMT 14:10 2020 الجمعة ,20 آذار/ مارس

رصد 4 إصابات جديدة بفيروس كورونا في سبتة

GMT 04:59 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

المصري حسن حسني يكشف عن أمنيته في العام الجديد

GMT 03:25 2018 السبت ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتكار طائرة من طراز فريد على هيئة جناح فندقي

GMT 02:54 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الفالح يعلن أن السعودية تخطِّط لزيادة إنتاجها النفطي

GMT 19:16 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أحمد سعد يطرح أحدث أغانيه "أنا الأصلي" على محطات الراديو

GMT 09:43 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

اتحاد طنجة يتعاقد مع هداف الدوري الكاميروني

GMT 13:15 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

Mercedes AMG تكشف رسميًا عن G63 2019

GMT 02:55 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

​مدينة سلا تشهد جريمة مُروّعة تنتهي بمقتل لص وإصابة آخر

GMT 05:29 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

دونالد ترامب يبحث استخدام "نغمة متوازنة" مع بيونغ يانغ
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib