في حديث اللبنانيين عن التغيير والسلاح السذاجة ليست البديل الوحيد عن الحماقة

في حديث اللبنانيين عن التغيير والسلاح: السذاجة ليست البديل الوحيد عن الحماقة

المغرب اليوم -

في حديث اللبنانيين عن التغيير والسلاح السذاجة ليست البديل الوحيد عن الحماقة

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

من يتذكّر العقود التي سبقت حرب السنتين، 1975 – 1976، في لبنان؟
القوى التي كانت تقول حينذاك بتغيير سياسي واجتماعي لم تكنْ قليلة العدد، ولا كانت ضئيلة الشعبيّة، بغضّ النظر عن نوع التغيير الذي كانت تدعو إليه. القوى تلك تجاوزت قوقعة الطائفة الواحدة والمنطقة الواحدة. هكذا كانت حال «الحزب الشيوعي اللبنانيّ» و«الحزب السوري القومي الاجتماعيّ» اللذين وُجدَا، ولو بتفاوت، في سائر الطوائف والمناطق. أيضاً، قبيل الحرب الأهليّة، نشأت جماعات تدعو إلى تجاوز الطائفيّة ونظامها وتخاطب أفراداً وجماعات متعدّدي الطوائف. «الحزب الديمقراطيّ» و«حركة الوعي» مثلاً يندرجان في هذه الخانة. حتّى حزب مسيحي جدّاً كـ«حزب الكتائب اللبنانيّة» نما في داخله من سُمّوا «تيّار الشباب» أو «يسار الكتائب» ممن دعوا، هم أيضاً، إلى تجاوز الطائفيّة وإصلاح النظام بالتنمية. النزعة التنمويّة للشهابيّة لم تكن بعيدة عن تلك التصوّرات، وهي خلّفت رموزاً استمرّوا يقولون بها ويرون فيها السلاح الذي يقضي على الطائفيّة ويحقّق الإصلاح. نوادٍ كثيرة في المدن والأرياف، ومثقّفون ونشاطات ثقافيّة عدّة، وبعض الوجوه الاجتماعيّة، كانوا جميعاً في هذا الوارد.
لبنان ما قبل حرب السنتين، الذي لا نكفّ عن جَلده، ربّما كان بعض جَلده مستحقّاً، إلاّ أنّه اتّسع لهذا كلّه.
ما الذي حصل بعد 1975 - 1976؟ اختفى بعض تلك الظواهر فيما تقلّص بعضها الآخر. العائدون إلى طوائفهم ومناطقهم الأصليّة شرعوا يتزايدون. الأحزاب الموصوفة بالعلمانيّة واللاطائفيّة بدأت مسيرتها إلى الانقراض. كثيرون من التغييريين المحبطين بالتغيير والمصدومين بالطائفيّة والحرب هاجروا.
سبب ذلك كان بسيطاً: إنّه السلاح بوصفه المصدر الأهمّ لتجديد الوعي الطائفي ولتوسيع رقعته وفعاليّته: الخوف من الآخر واستنطاق الذاكرات القديمة عن هذا الخوف، مرفَقين بأعمال التهجير القسري وتطهير المناطق المختلطة، وبالقصف العشوائيّ، وبالذبح على الهويّة...، هذه كلّها طردت الوعي المناهض للطائفيّة وحاصرت القوى التي تحمله أو تدافع عنه.
المضحك المبكي في هذه التجربة المؤلمة قدّمها أولئك الذين حملوا السلاح أو دعوا إلى حمله، علما بأنهم من القوى القائلة بالتغيير السياسي والاجتماعيّ. التغيير الذي حصل فعلاً كان تغييرهم هم بتحوّلهم إلى قوى مجهريّة. بعد ذاك صاروا مطالَبين، للبقاء على قيد الحياة، بالالتحاق بهذا الجهاز الأمني أو ذاك. لقد كان ما فعلوه أشبه بفعل انتحار.
لماذا تستعاد تلك التجربة اليوم، لا سيّما بعد الانتخابات النيابيّة الأخيرة؟ لأنّ هناك كثيرين من حسني النيّة الذين يريدون أن يناقشوا التغيير وإمكاناته من دون مناقشة السلاح.
فالانتخابات الأخيرة، وبعد ثورة سلميّة وانهيار اقتصادي مطنطن وانفجار شبه نووي في المرفأ، أوصلت إلى المجلس النيابي عدداً من الشبّان والشابّات الإصلاحيين الذين لم تكن الطائفة طريقهم إلى السياسة، ولا كان هدفهم الانتصار لطوائفهم.
هذا يبقى جيّداً في المجمل، ولو أنّه أقلّ كثيراً مما كان يُنتظر بعد تلك التطوّرات الضخمة. مع هذا لا بدّ من ملاحظتين، أولاهما أنّ «قانون حرب السنتين»، إذا صحّت التسمية، لا يزال شغّالاً، أي أنّ السلاح لا يزال المصنع الأكبر لتجديد الوعي الطائفي الموسّع ولتأجيجه، والثانية أنّ قدرة السلاح على تعطيل السياسة والانتخابات أكبر بلا قياس من قدرة السياسة والانتخابات على تعطيل السلاح. وهذا يعني، في آخر المطاف، أنّ الاصطفاف الطائفي يمكنه تحويل التغيير نفسه إلى مطلب طائفيّ، تماماً كما حُوّل، في 2005، تفكيك النظام الأمني أو التحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري أو إخراج الجيش السوري من لبنان إلى مطالب طائفيّة. والحال أنّنا نستطيع أن ننسى السلاح لكنّ السلاح لا يستطيع أن ينسانا. وهذا أكثر من موقع «حزب الله». فهو لا يمكنه ألا يحمي ظهره من اشتغال مؤسّسات ديمقراطيّة ترفض السلاح كمبدأ يعلو على السياسة والإرادة الشعبيّة، كما لا يمكنه إلا أن يقاوم انتقال التركيز إلى قضايا مدنيّة واجتماعيّة إصلاحيّة.
فليس صحيحاً ما قاله مؤخّراً الأمين العامّ لـ«حزب الله» من أنّ البلد تعايشَ «أربعين سنة مع سلاح المقاومة». ذاك أنّ التعايش هذا كان مُرّاً بأكلافه البشريّة والاقتصاديّة والاستثماريّة، وبتعطيله الدولة والمؤسّسات الدستوريّة، وبحروبه الصغرى والكبرى، جنوباً وشرقاً، التي سبقت يوليو (تموز) 2006 وتلته، وبتفاوت الشعور بالقوّة والحقوق بين اللبنانيين على ما تجلّى بوضوح في مايو (أيار) 2008، وبإنشائه دولة موازية وثقافة وقيماً موازية، وبتصديع العلاقات الخارجيّة، العربيّة والدوليّة، للبنان.
فالتغيير والسلاح ضدّان لا يلتقيان، وهذا ما يعرفه جيّداً «حزب الله» الذي يبرهن دائماً أنّه أذكى وأعرف من أنصاره ذوي الخلفيّة اليساريّة ممن يطالبونه بأن يكون إصلاحياً أو معنيّاً بالشأن الاقتصادي والاجتماعيّ.
لكنّ هذا، في عمومه، وبطبيعة الحال، لا يعني الدعوة إلى ارتكاب حماقة انتحاريّة كمجابهة السلاح بالسلاح. مع ذلك فالسذاجة السلميّة ينبغي ألا تكون البديل الوحيد عن الحماقة الانتحاريّة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في حديث اللبنانيين عن التغيير والسلاح السذاجة ليست البديل الوحيد عن الحماقة في حديث اللبنانيين عن التغيير والسلاح السذاجة ليست البديل الوحيد عن الحماقة



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 20:18 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

بنسعيد يبحث ملف الزليج المغربي بجنيف
المغرب اليوم - بنسعيد يبحث ملف الزليج المغربي بجنيف

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

النوم الجيد يطيل حياة الإنسان ويضيف سنوات لعمره
المغرب اليوم - النوم الجيد يطيل حياة الإنسان ويضيف سنوات لعمره

GMT 10:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
المغرب اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن

GMT 11:01 2024 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أبرز عيوب مولودة برج العذراء

GMT 12:26 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 11:20 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

نجم تشيلسي أندي تاونسند يعتقد أن صلاح فقد الشغف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib