ميشال عون بوصفه سعد الحريري المؤجّل

ميشال عون بوصفه سعد الحريري المؤجّل

المغرب اليوم -

ميشال عون بوصفه سعد الحريري المؤجّل

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

رغم مأسويّة الوضع اللبنانيّ، هناك مهزلة يمكن النظر إليها عبر استعادة ماضٍ لا يزال قائماً ولا يزال يتمدّد: «التيّار الوطنيّ الحرّ»، منذ نشأته الأولى، وهو يطالب بـ «استعادة حقوق المسيحيّين» وبالرجوع إلى ما قبل اتّفاق الطائف في 1989. معنى هذا الكلام أنّ الصلاحيّات التي أعطاها الطائف لرئيس الحكومة السنّيّ ينبغي أن تعاد إلى رئيس الجمهوريّة المسيحيّ. وبما أنّ هذه المطالبة تلازمت مع الصعود الصاخب لرفيق الحريري، بدا الأخير الرمزَ المباشر والأمثل للصلاحيّات المأخوذة من المسيحيّين والتي ينبغي، في نظر العونيّين، أن يستعيدها المسيحيّون.
تلك المقدّمة سمحت باستنتاج عونيّ بسيط: إنّ الطائف هو العدوّ. إنّه ما جعل من الطائفة السنّيّة قوّة لا يحتملها تعايش اللبنانيّين أو ميثاقيّتهم. قوّتهم باتت استفحالاً لا يكفّ عن العدوان على سواهم من الطوائف.
لكنّ أصحاب القوّة المستفحِلة هؤلاء ما لبثوا أن خسروا زعيمهم نفسه في جريمة مدوّية حصلت عام 2005. وفقط بشقّ النفس، وبتضحيات كثيرة، أمكن لمحكمة دوليّة أن تحقّق في الجريمة، من دون القدرة على اعتقال المتّهمين بارتكابها. مذّاك والقوّة السياسيّة للسنّة تتراجع: لا تضمنها ضمانات الطائف، ولا يحدّ منها انتصار انتخابيّ بعد آخر.
ذروة هذا التراجع سجّلته الأيّام الأخيرة: سعد الحريري يغادر العمل السياسيّ متعهّداً فحسب بأن يبقي بيته مفتوحاً! البيت بات خطّ الدفاع الأخير. باقي أقطاب السنّيّة السياسيّة، أو ما بات يُعرف بـ «نادي رؤساء الحكومة»، يُرجّح أن لا يرشّحوا أنفسهم، هم أيضاً، للانتخابات التي قد (؟) تُجرى في مايو (أيّار) المقبل.
التراجع، إذاً، تحوّل إلى عزوف وإلى تهميش حمل المراقبين على تشبيهه بالتهميش المسيحيّ الذي حلّ بين أواخر الثمانينات و2005.
تقودنا تلك التجربة إلى مقاربة أدقّ للظاهرة العونيّة بوصفها خواء بخواء: إنّها معركة متواصلة وحامية الوطيس ضدّ مقتول أو مستسلم. ما يضاعف خواءها أنّها تحالفت مع «حزب الله» الذي وحده يملك «الصلاحيّات» ممّا لم ينصّ عليه الطائف. فوق هذا، تمكّن الحزب المذكور من مراكمة القوّة التي راكمها ضدّاً على الطائف وإخلالاً صريحاً بتطبيقه. المطالبون بحسن التطبيق صُوّروا متآمرين على المقاومة، وبالتالي لن تقوم قائمة لهم ولمطالبتهم.
العونيّون، في هذا كلّه، كانوا يُحلّون النصّ المترنّح محلّ واقع السلطة وعلاقات القوّة. هكذا انتهينا إلى وضعٍ الكلُّ فيه ضعفاء ومهمّشون، ما عدا القوّة الوحيدة التي تقيم في قلب علاقات القوّة، أي «حزب الله» حصراً. لقد جاء التعطيل الأخير لمجلس الوزراء، فيما اقتصاد البلد في أمسّ الحاجة إلى انعقاده، كآخر الأدلّة الفاقعة لمن لا يزال يبحث عن أدلّة.
لكنْ إذا كان قادة الطائفة السنّيّة بالغي الصراحة في الإفصاح عن ضعفهم، فهذا لا يجعل المتكتّمين على ضعفهم «أقوياء»، اللهمّ إلاّ إذا صدّقنا، مُقترضين كلّ السذاجة التي في العالم، أنّ «الحكم القويّ» قويّ!
والحال أنّ مسؤوليّة القادة السنّة عن التسبّب بضعفهم الذاتيّ مؤكّدة، مصدرُها الرداءة والتعثّر في مقاومتهم «حزب الله» وتنامي نفوذه، أمّا مسؤوليّة القادة العونيّين عن التسبّب بضعفهم الذاتيّ فأكبر كثيراً: إنّ مصدرها هو التحالف معه، ما ساهم في إمداد الحزب بعمر أطول فيما أدّى إلى تقصير أعمار حلفائه المُنتشين سعادةً بِبَلَهِهم.
وأساس هذا الانحطاط في الوعي العونيّ هو، مرّة أخرى، تغليب النصّ على الواقع والظاهر على الكامن. فـ «حزب الله» خطير ليس لأنّ الطائف يعطيه، أو لا يعطيه، صلاحيّات، ولا لأنّه «شيعيّ» أو، كما يحلو للبعض أن يقول، «فارسيّ». إنّ سبب الخطورة الأوّل والأهمّ هو تكوينه كحزب عقائديّ، وكمشروع حزب واحد لا يحمل للحياة السياسيّة اللبنانيّة وتعدّدها إلاّ الموت، ولا يحمل لقواها إلاّ الاستتباع والغلبة. بعد ذاك فقط تأتي العوامل الأخرى، من أنّه حزب مسلّح، وثيق التبعيّة لإيران، يعلّم ويربّي أجيالاً بما يغاير تعليم باقي اللبنانيّين وتربيتهم، فضلاً على كونه يضمّ إلى حداثته التنظيميّة صدوره عن تكوين دينيّ وطائفيّ.
إنّ استحالة الحياة السياسيّة في لبنان، في ظلّ حزب هو مشروع حزب واحد، تغدو تحصيلاً حاصلاً. وحتّى في ديمقراطيّة وطيدة وبالغة التطوّر سيبدو أشبهَ بالمحنة أن ينال حزب من هذا الصنف ربع مجموع الأصوات أو ربّما ثلثهم.
هنا، يبدو سعد الحريري وقراره الأخير نذيراً لسياسيّي لبنان جميعاً، بمن فيهم رئيسا الجمهوريّة ومجلس النوّاب. كلّ واحد منهم سعد حريريّ مؤجّل. وهناك دائماً علاجات لمن لا ينفّذ بالحسنى الحكمَ الذي يُصدره هذا الواقع بحقّه. هكذا نفهم رفع الإصبع في وجوهنا أحياناً، وعلوّ الصوت أحياناً، وكذلك الخطابات والمقالات التي تنصح بتحسّس الرؤوس، هكذا نفهمها بوصفها أكثر من عادات شخصيّة رديئة لم ينجح أصحابها في التخلّص منها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ميشال عون بوصفه سعد الحريري المؤجّل ميشال عون بوصفه سعد الحريري المؤجّل



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 19:55 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مولود برج الحمل كثير العطاء وفائق الذكاء

GMT 18:51 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

حمد الله ينافس ليفاندوفسكي على لقب هداف العام

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 20:29 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

منة فضالي " فلّاحة" في "كواليس تصوير مشاهدها بـ"الموقف"

GMT 06:46 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

ماكياج عيون ناعم يلفت الأنظار ليلة رأس السنة

GMT 03:29 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أصالة تبهر جمهورها خلال احتفالات العيد الوطني في البحرين

GMT 07:40 2014 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

اللاعب مروان زمامة مطلوب من ثلاث فرق مغربية

GMT 06:44 2016 الأربعاء ,15 حزيران / يونيو

اختيار هرار الأثيوبية رابع أقدس مدينة في الإسلام

GMT 04:44 2015 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

شركة ألعاب "إيرفكيس" الشهيرة تطلق ألعاب خاصة للفتيات

GMT 09:18 2015 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

هواوي Y6 تبيع 5 آلاف وحدة من الهاتف النقال
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib