العودة إلى الركام ولا للتهجير

العودة إلى الركام... ولا للتهجير

المغرب اليوم -

العودة إلى الركام ولا للتهجير

جبريل العبيدي
بقلم : د جبريل العبيدي

العودة اليوم إلى الركام في غزة، سواء من أطرافها أو من خارجها، و«لا للتهجير» خارجها، شعار رفعه عشرات الآلاف ممن تبقى من سكان غزة وهم في طريق عودتهم إلى ما تبقى من منازلهم، التي هي عودة إلى الركام والخراب غير المسبوقين في التاريخ، اللذين أحدثهما جيش حرب نتنياهو، ما يعكس حالة من الوحشية والخراب الممنهج.

غزة تتطلب تكاتفاً دولياً وأممياً لإعادة إعمارها وعودة الحياة لها بالهوية الغزاوية الفلسطينية، بدلاً من إخلاء الأرض من سكانها الأصليين، وترحيلهم أو تهجيرهم قسراً نحو الأردن أو مصر، كما يتبنى ترمب عملية التهجير الثانية للفلسطينيين، ويأمر بتزويد إسرائيل بقنابل تزن 2000 رطل؛ حيث إن ترمب قد سبق أن حذر بأن «أبواب الجحيم ستنفتح على مصراعيها» في الشرق الأوسط.

فالرئيس الأميركي ترمب يدعو إلى «تطهير»، حيث قال: «النقل لسكان غزة (يمكن أن يكون مؤقتاً أو طويل الأمد)» وهو على متن طائرة إير فورس وان، مما يطرح العديد من التساؤلات حول هذا «التطهير» أو «النقل» الذي هو في أصله تهجير قسري وتطهير عرقي مغلف بالنقل، خاصة في ظل وجود فرضية الأمد الطويل التي لم ينكرها ترمب... في المقابل لتصريحات ترمب، التي لا تخفي التهجير، هناك استعداد مئات آلاف الفلسطينيين إلى العودة لمنازلهم في شمال غزة، تنفيذاً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعت عليه إسرائيل و«حماس»، مما يعتبر رفضاً شعبياً لمحاولة ترمب تهجير أهالي غزة الذين أبادهم الرئيس السابق بايدن، وجاء خلفه ترمب لتهجير من تبقى منهم.

ترمب المؤيد لإسرائيل بالمطلق، خطته لحل القضية الفلسطينية رسمها في «صفقة القرن»، التي طرحها في رئاسته السابقة، وهي السلام الاقتصادي، وحكم ذاتي أقل من دولة فلسطينية. فترمب لا يؤمن بحل الدولتين بل بدولة ونصف الدولة، في ظل تأكيد إسرائيلي بأن تصريح ترمب عن ترحيل الفلسطينيين ليس زلة لسان، بل هو مخطط سابق.

العودة إلى ركام غزة مملوءة بالآلام والمعاناة، ولكن بمعنويات عالية أظهرها الغزيون رجالاً ونساء، سواء في مشهد أذهل العالم؛ كون الشعب الفلسطيني يحب الحياة ويعيش على الأمل حتى بين الركام والخراب والدمار. فما جرى لبشر يعيشون في قطاع غزة ما هو إلا إبادة جماعية وتطهير عنصري لعبت الجماعات الدينية الأصولية المتطرفة دوراً في استمرار الحرب والدمار، بسبب إيمان المتطرفين في إسرائيل بالقول «إن لم تطردوا سكان هذه الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكاً في عيونكم ومناخس في جوانبكم»، ولهذا كانت الحرب في حقيقتها حرب إبادة في غزة، وليست ملاحقة لعناصر «حماس».

الجيش الإسرائيلي منع حتى الآن عودة الغزيين إلى الشمال، مشترطاً إطلاق سراح المجندة الإسرائيلية أربيل يهود، رغم أن الاتفاق يرسم معالم وخطوات إطلاق سراح الأسرى بين الطرفين.

من حق الفلسطينيين استعادة أرضهم والعيش فيها بسلام؛ وما يقوم به جيش إسرائيل من قصف للمدنيين والمستشفيات والمساجد والكنائس في غزة قد تجاوز حق الدفاع عن النفس إلى حرب إبادة للفلسطينيين.

لا أحد ينكر أن إسرائيل دائمة البحث عن عذر للتضييق على الفلسطينيين وحصارهم، وحتى ضربهم بالصواريخ والقناب، واستخدامهم مثل ميدان تجارب وميدان رماية لتدريب جنودها، ولكن كل هذا الضيم ما كان له أن يتم لولا الصمت الدولي والضوء الأخضر الأميركي.

فاتورة الحرب على غزة تضاعفت عشرات المليارات حتى وصلت إلى الشرق الأوسط، الذي أغلبه لا يدعم الحرب ولا شارك فيها ولا سمح بها، ولكن إدارة الرئيس الأميركي السابق بايدن هي التي سمحت بالحرب واستمرارها دون أن تتقدم قيد أنملة لوقفها، بل أشعلت نيرانها بوقود السلاح والذخائر اللذين كانا يشحنان جواً وبحراً نحو إسرائيل.

قطاع غزة يعاني سوء إدارة أفقده حتى الكهرباء والماء، وأنهى أي أمل لعودة استخدام الميناء والمطار. فغزة المدمرة والمحاصرة اليوم من جميع الأبواب كانت يوماً في الماضي تنعم بمطار دولي يربطها بالعالم، وميناء بحري، وحركة ملاحة، وصيد بحري، حيث كان الغزيون من أمهر الصيادين.

الغزيون يفضلون البقاء في أرضهم بدلاً من تهجيرهم خارجها، ولعل مشاهد فرحتهم بالعودة للركام في غزة تثبت شدة انتماء هؤلاء القوم الأعزاز إلى شعبهم وتاريخهم وتشبثهم بأرضهم، والشعور الدائم بالانتماء إليها، ولو أصبحت خرائب وأكواماً من الركام الذي تسببت فيه آلة الحرب الوحشية الإسرائيلية، مما يؤكد أنه لا يمكن انتزاع هؤلاء الناس من أرضهم إلا بالموت، وحتى هذا لن يفلح لأنهم سيدفنون فيها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العودة إلى الركام ولا للتهجير العودة إلى الركام ولا للتهجير



GMT 18:25 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

المبالغة في التحذيرات “مثل قلتها”

GMT 18:23 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

حقّاً أهرام

GMT 18:19 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

أمامَ محكمة الرُّبعِ الأول

GMT 18:17 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

مِثال علاء عبد الفتاح

GMT 18:14 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

لبنان ومخاطر الإدارة المجتزأة

GMT 18:10 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

فى متحف الشمع!

GMT 18:05 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

شيطنة الجسد الأنثوى

GMT 18:01 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

الحكاية ليست «الملحد»

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:59 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

اعتقال 21 شخصا على صلة بالنظام السابق في اللاذقية السورية
المغرب اليوم - اعتقال 21 شخصا على صلة بالنظام السابق في اللاذقية السورية

GMT 15:05 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

الاعتراف رسميًا بنوع خامس جديد من مرض السكري
المغرب اليوم - الاعتراف رسميًا بنوع خامس جديد من مرض السكري

GMT 13:59 2025 الخميس ,18 كانون الأول / ديسمبر

انستغرام يطلق تطبيق Reels مخصص للتليفزيون لأول مرة

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 15:51 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

التعليم عن بعد في مؤسسة في سطات بسبب انتشار "كورونا"

GMT 00:41 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

Ralph&Russo Coutureِ Fall/Winter 2016-2017

GMT 01:36 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

نورتون يعرض منزله المميّز المكوّن من 6 غرف نوم للبيع

GMT 15:06 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تألق كيني ومغربي في نصف ماراثون العيون

GMT 00:29 2025 الجمعة ,08 آب / أغسطس

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 08 أغسطس/آب 2025

GMT 18:23 2022 الإثنين ,24 كانون الثاني / يناير

شقيق محمد الريفي يفجرها"هذا الشخص وراء تدهور صحة أخي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib