ليبيا من وجع سبتمبر إلى أوجاع فبراير

ليبيا من وجع سبتمبر إلى أوجاع فبراير

المغرب اليوم -

ليبيا من وجع سبتمبر إلى أوجاع فبراير

جبريل العبيدي
بقلم : د جبريل العبيدي

 

يستعرض الليبيون اليوم الذاكرة المؤلمة لماضي ثورة سبتمبر (أيلول) وحاضر حراك فبراير (شباط)، ففي ليبيا هناك صراع وحنين وجداني كبير بين مَن يناصر حراك فبراير 2011 الذي أطاح بالعقيد القذافي ونظام جماهيريته الغريب والفريد وبين مَن يحن إلى انقلاب سبتمبر 1969 العسكري الذي يسمى «ثورة الفاتح من سبتمبر»، ولكن في كلتا الحالتين يسبق شهر أبريل (نيسان) شهر سبتمبر في الذاكرة الليبية عامة والطلابية خاصة؛ حيث رسمه العقيد القذافي بالدماء، وجعل منه شهراً يحتفي به للتخلص من خصومه الفكريين والوطنيين، بتقديمهم قرابين بشرية، فوق أعواد المشانق في الساحات العامة، يحتفل بذكراه في الـ7 من أبريل كل عام منذ عام 1976.

الثورة في الأصل، هي التغيير الكامل والجذري، أي التحول من حالة الظلم والفساد والجهل، الذي تشخصن في زعيم مستبد بالسلطة، فاغتر برأيه ورفض النصيحة، وجعل من الإنسان، ذليلاً وكان يحكم الناس بهوى مزاجه المتقلب، وليس من خلال دستور يرجع إليه، وجعل البلاد وثرواتها المتعددة وقفاً له يعبث بها أنى شاء؛ حيث كان البنك المركزي يصرف الملايين بمكالمة هاتفية من العقيد وأغلبها لتمويل مشاريع انقلابية في أفريقيا، أو تسليح جهات في نزاعات دولية، وكان الدفع على حساب الشعب الليبي الذي كان يعاني انهيار البنية التحتية وتوقف مشاريع التنمية والإسكان وضعف التمويل للمنظومة الصحية والتعليمية، فنهض الشعب للتخلص من الاستبداد، بعد طول ابتلاء، وأثبت أنه يرفض الظلم والفساد، وليس رهينة للعبودية والاستعباد ومستكيناً إليه، وليثبت زيف شعارات الحرية والديمقراطية، التي كانت سائدة زمن العقيد.

والحقيقة المؤلمة نقولها إنه لولا تدخل حلف الناتو ما كان القذافي ليقع. إلا أن المفارقة التي حدثت بعد ذلك أن هناك جماعات إرهابية اعتلت المشهد في طرابلس وسيطرت على مؤسساتها، فكانت النتيجة أن حُكمت طرابلس بالميليشيات، فكثر الفساد وعمت الفوضى. ليتحول الوطن من وعاء آمن للجميع وبالجميع إلى أرض الخوف والرعب والقتل بسبب هؤلاء.

كان العقيد عاشقاً الحديث عن ديمقراطية لم يؤمن بها يوماً، فتحدث عن جلوس الشعب على الكراسي وسلطة الشعب، في حين بقيت جميع السلطات عنده يدير البلاد من خلال الخيمة ورجالها، بعد أن عطل الدستور والقانون، وحكم بمقولات الكتاب الأخضر؛ حيث أصبح البيت لساكنه وليس مالكه وشراكة العمال في مصانع لا يملكونها، وأصبحت الأرض غير مملوكة لأحد، وضاعت حقوق الملكية في ليبيا بمساندة بعض سدنة العقيد، وعندما طالبه الشعب بالحرية، صرخ من خلف أسوار باستيل باب العزيزية: مَن أنتم؟ وهدّد بقتل معارضيه، آمراً قواته بملاحقتهم في كل مكان «زنقة زنقة دار دار»، ووصف معارضيه بـ«الجرذان» لينتهي به المطاف قتيلاً بشكل بشع من مجموعة مسلحة لا تختلف عن أولئك الذين كان يأمرهم القذافي بتصفية خصومه.

في المقابل، فشلت ثورة فبراير حتى في تأسيس ثقافة التداول السلمي للسلطة على أنه مبدأ ديمقراطي، طيلة السنوات العشر الماضية؛ حيث مَن انتخبوا في فبراير، لا يزالون يحكمون بعد 10 سنوات بمسميات وكيانات سياسية غير منتخبة وليست نتاج الديمقراطية بل نتيجة الأمر الواقع وتقاسم السلطة للمتغلبين بالسلاح. صحيح أن ما عقب عهد القذافي لم يكن مزدهراً بل كانت ثورة فبراير دموية مثخنة ومضرجة بالدماء والقتل والتفجير وانتشار الجريمة والخطف والاختفاء القسري، حتى فاقت عهد سبتمبر القذافي، في الظلم وفقدان الأمان الذي حققه عهد سبتمبر دون أن يتحقق الكثير من «أهداف ثورة فبراير» ليبقى السؤال: هل فعلاً تخلصنا من الديكتاتورية؟ ونحن نشهد في عهد ما بعد فبراير 2011 بلداً تحكمه الميليشيات وتتسبب في التهجير والنزوح والقتل والخطف والتعذيب والسجون السرية وحكومات تذهب وحكومات تأتي، ومليارات تصرف ولا أحد يتحدث عن أوجه الصرف والحساب، أم أن للثورات في ليبيا مفهوماً مختلفاً عن باقي العالم، حيث لا «سبتمبر العقيد» حققت الرفاهية للشعب الليبي، ولا حتى «ثورة فبراير» التي قتلت العقيد حققت ما عجز العقيد عن تحقيقه وأصبحت ليبيا محكومة من الكليبتوقراطيين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا من وجع سبتمبر إلى أوجاع فبراير ليبيا من وجع سبتمبر إلى أوجاع فبراير



GMT 08:09 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

جرأة نواف سلام ... في استقبال هنيبعل !

GMT 08:08 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 08:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 08:06 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 08:01 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

جيش السودان... لا جيش «الكيزان»!

GMT 08:00 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 08:00 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 07:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت - المغرب اليوم
المغرب اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 02:31 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

دراسة جديدة تكشف العلاقة بين الحب والسمنة
المغرب اليوم - دراسة جديدة تكشف العلاقة بين الحب والسمنة

GMT 02:15 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين عبدالعزيز تفكر بالزواج مجددًا بعد طلاقها
المغرب اليوم - ياسمين عبدالعزيز تفكر بالزواج مجددًا بعد طلاقها

GMT 06:16 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الذهب في المغرب اليوم الإثنين 03 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

GMT 21:44 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات في حياتك خلال هذا الشهر

GMT 16:06 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 18:33 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 20:18 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

وفاة خالة الشقيقتين المغربيتين صفاء وهناء

GMT 14:36 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

الرئيس اللبناني ميشال عون يلتقي وفدًا أميركيًا

GMT 12:29 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

مجلس الحكومة يعيد تنظيم مسرح محمد الخامس

GMT 05:01 2019 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

دافنشي كان يكتب بيديه الاثنتين بكفاءة

GMT 23:51 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

رامز جلال يسخر من غادة عبد الرازق والأخيرة تتوعد له

GMT 12:50 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

22لاعبًا في لائحة فارس النخيل استعدادًا إلى مواجهة الوداد

GMT 07:54 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

ملك إسبانيا يخفض راتبه بنسبة 7.1%

GMT 04:51 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

مصر تتصدر العرب فى الحرب على الفتنة.. المصنعة!

GMT 15:08 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هيمنة المتشددين على المجتمع الطلابي في جامعة وستمنستر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib