أميركا الريغانية أمام تأقلم صعب مع حقبة ما بعد الترمبية
أخر الأخبار

أميركا الريغانية... أمام تأقلم صعب مع حقبة ما بعد الترمبية

المغرب اليوم -

أميركا الريغانية أمام تأقلم صعب مع حقبة ما بعد الترمبية

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

لعلَّ مَن هم أدرى مني بالحسابات الخاصة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وأيضاً بالتيارات الصاعدة داخل الحزب الجمهوري، يستطيعون الجزم بما إذا كنا أمام مفترق «آيديولوجي» جمهوري... أم لا.

كثيرون مثلي ممّن لا يدّعون معرفة وثيقة بدواخل الحزب فوجئوا باختيار ترمب السيناتور جي دي (جيمس ديفيد) فانس، عضو مجلس الشيوخ الشاب عن ولاية أوهايو، «رفيق درب» في معركة انتخابات الرئاسة المرتقبة بمطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. فنحن «معشر» مراقبي الخارج اكتشفنا طوال الشهور، بل السنوات الماضية كم نجح ترمب في إحكام قبضته على حزب عريق عُرف تقليدياً بكثرة «الرؤوس» فيه.

اكتشفنا ورأينا كم ألغى من قيادات... وهمّش قيادات أخرى.

كم فرض من مواقف وسياسات على «مؤسسة حزبية» كان يُحسب لها ألف حساب حتى الماضي القريب، مستقوياً بقاعدة مأخوذة بشعاراته المبسّطة المباشرة... إلى درجة ما عادت معها مستعدة لممارسة اللعبة بالشروط والضوابط المألوفة.

لقد أعاد دونالد ترمب، المتحكّم بصورة مطلقة في جمهوره، بناء حزب «على مزاجه»...

وفي المقابل، استساغ الحزب أن يسلم قياده إلى «ساحر» ويمنحه تفويضاً مطلقاً... تماماً كما شاهدنا وسمعنا بالأمس في نهاية المؤتمر الوطني للجمهوريين في مدينة ميلووكي. وهنا، لعل النموذجين الأقرب تاريخياً إلى «الحالة الترمبية»، سواءً من حيث شدة يمينيتها أو لجهة تحديها ضوابط اللعبة حزبياً ووطنياً، هما نموذج سيناتور أريزونا السابق باري غولدووتر ونموذج رونالد ريغان.

ولكن إذا كان النموذج الأول قد أسفر عن هزيمة كارثية للجمهوريين أمام الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون عام 1964، فإن النموذج الثاني حقق عام 1980 نجاحاً تاريخياً ترك بصماته لعقود ليس فقط على الحزب الجمهوري، بل وعلى معسكر اليمين في عموم العالم الغربي... وزكّى هذا النجاح بإنهائه «الحرب الباردة» عبر دفعه الاتحاد السوفياتي إلى الانهيار.

تأثير تشدّد غولدووتر، الذي أخاف في حينه مئات الملايين من إمكانية استخدامه «الزر النووي» إبان حرب فيتنام، لم يتكرّر مع ريغان الذي رفع رجاله شعار «أفضل أن تكون ميتاً من أن تكون أحمر (أي مستسلماً للشيوعية)». لا، بل كانت رسالة «صقور» الحقبة الريغانية، كالجنرال ألكسندر هيغ والوزير كاسبار واينبرغر، واضحة جداً عن إمكانية خوض حرب نووية «محدودة»، وأن يكون «المسرح النووي» في أوروبا خاصة، مضبوطاً وقابلاً للتحكم.

وحقاً، جرّ «صقور» الريغانية موسكو إلى مشروع «حرب نجوم» مُكلف لا طاقة اقتصادية للروس على مجابهته. وهكذا بدأ مسلسل «الاستسلامات» السوفياتية التي أقدم عليها ميخائيل غورباتشوف المنتشي بالشهادات الغربية له بـ«الحكمة» و«الرؤيوية». وفي الحصيلة النهائية، انهار الاتحاد السوفياتي وأعيد توحيد جزأي ألمانيا... وبينما انتهى «حلف وارسو»، كبُر وتوسع «حلف شمال الأطلسي» ليشمل أوكرانيا!

ركائز داخلية أميركية ثلاث كانت وراء نجاح النموذج الريغاني، سواءً على مستوى الحزب الجمهوري أو الولايات المتحدة كلها:

الركيزة الأولى تحرير قوى السوق وتقزيم دور الدولة في الاقتصاد، وهو ما كان يدعوه ريغان وفريقه الاقتصادي «الحكومة الصغيرة»، وعُرفت بالتالي بـ«الريغانوميكس» (الاقتصاد الريغاني).

والركيزة الثانية هي القبضة العسكرية الجبارة في السياسة الخارجية التي أكدت وتؤكد مكانة الولايات المتحدة بوصفها القوة العظمى الوحيدة في العالم.

وأخيراً، الركيزة الثالثة هي الالتزام الفكري والاجتماعي بـ«المسيحية المحافظة» (الإيفانجيلية) عقيدةً ضامنةً وحاميةً لأحادية قيادة أميركا العالمية، وهنا برز النفوذ غير المسبوق سياسياً لقساوسة و«مبشّرين» على شاكلة بيلي غراهام وجيري فولويل وآخرين.

بالأمس، مع نهاية مؤتمر ميلووكي، عدّ مراقبون اختيار جي دي فانس (39 سنة) لمنصب نائب الرئيس بداية مرحلة جديدة في مسيرة الحزب الجمهوري. ومع أنه قد يكون من المبكر الجزم بما سيستطيع فانس فعله عندما يتولى قيادة دفة الحكم - إذا تولاها - فمما لا شك فيه أن ثمة تياراً موجوداً ومتحركاً داخل الحزب حجبته «الظاهرة الترمبية» عن الأنظار. وهذا التيار، إذا كان لنا رصد «فلسفته» عبر ما نشر وبُث من تصريحات للسيناتور فانس قبل ترشيحه في ميلووكي، ولو بكثير من التحفظ، يؤشر إلى ابتعاد بعض الجمهوريين عن «الركائز الثلاث» للنموذج الريغاني.

إذ لا يبدو أن التلازم الكامل بين التدخل العسكري والسياسي الخارجي، والالتزام المطلق باقتصاد السوق، ومحورية «الإيفانجيلية» بشقيها الديني والأخلاقي ستظل من «مُسلّمات» ما سيتركه ترمب لفانس عندما يحين موعد «تبديل الحرس»... كما يقال.

موضوع دعم أوكرانيا – مثلاً – لا يعني كثيراً للتيار الذي يعبّر عنه السيناتور فانس، لا لجهة ضمان أمن أوروبا عبر «حلف أطلسي» قوي واسع، ولا لجهة إبقاء طموح فلاديمير بوتين مقيداً ومحاصراً. ولا سيما، أن موسكو ما عادت مصدر الخطر الأكبر على المصالح الأميركية، كما حرص ترمب على تذكيرنا...

أيضاً، اقتصاد السوق وفق معايير «الريغانوميكس» و«مدرسة شيكاغو» النقدية الفريدمانية، لا يناسب ولايات محافظة قومياً ودينياً واجتماعياً، وفقيرة اقتصادياً تعتمد على موارد اقتصادية متقادمة مثل مناجم الفحم والصناعات التقليدية في «حزام الصدأ»، وبناءً عليه، تحتاج إلى «تدخّل الدولة» في وجه العمالة الأجنبية الرخيصة والتكنولوجيا المتقدمة الزاحفة من شرق آسيا.

وأخيراً، مع التسليم بعمق الإيمان المسيحي على امتداد طيف اليمين الأميركي، وبالأخص، عند الريفيين الجمهوريين في «حزام الإنجيل» وأمثاله، فإن الوجه «الثيولوجي» للهوية اليمينية يتخلّف الآن بفارق واضح عن الوجه «القومي» («إعادة أميركا إلى العظمة من جديد»)، بل أحياناً عن الوجه العنصري الصريح... ضد بعض الأقليات وقطاعات كبيرة من المهاجرين.

نعم قد يكون الوقت لا يزال مبكراً لاستخلاص عناوين حاسمة للمرحلة الجمهورية المقبلة، لكنها مثيرة للاهتمام بكل تأكيد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا الريغانية أمام تأقلم صعب مع حقبة ما بعد الترمبية أميركا الريغانية أمام تأقلم صعب مع حقبة ما بعد الترمبية



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 01:42 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

السيسي يؤكد رفض أي مساعٍ لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه
المغرب اليوم - السيسي يؤكد رفض أي مساعٍ لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه

GMT 03:10 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يدرس تعيين جنرال أميركي لقيادة القوة الدولية في غزة
المغرب اليوم - ترامب يدرس تعيين جنرال أميركي لقيادة القوة الدولية في غزة

GMT 12:08 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجارب سريرية تكشف عن فاعلية عالية لعلاج جديد للصلع
المغرب اليوم - تجارب سريرية تكشف عن فاعلية عالية لعلاج جديد للصلع

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 17:23 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 08:07 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الميزان الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 07:26 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

تطوير برنامج جديد للتسوق العشوائي عبر شبكة الانترنت

GMT 17:42 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

سولاري يُؤكّد مُقاتلة الريال على لقب الدوري الإسباني

GMT 21:34 2021 الأحد ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أرباب محطات الوقود يشتكون الزيادة في أسعار المحروقات

GMT 03:12 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الكشف عن موعد إفتتاح قناة "إم بي سي المغرب"

GMT 17:16 2019 السبت ,16 شباط / فبراير

غوارديولا يعتذر للجزائري رياض محرز

GMT 06:05 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

نصائح تساعد في التخلص من حرج الحميات الغذائية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib