نظام عالمي حقيقي يحتاج إلى نوعية مختلفة من القيادات

نظام عالمي حقيقي يحتاج إلى نوعية مختلفة من القيادات

المغرب اليوم -

نظام عالمي حقيقي يحتاج إلى نوعية مختلفة من القيادات

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

ألا يستحق العالم قيادات محترمة تعفّ عن استرضاء الناس بشعارات وتصرّفات شعبوية، ظن كثيرون أن ارتفاع مستوى الوعي والثقافة في القرن الـ21 يمجّها، ويرفضها إذ اختُبرت في انتخابات حرة؟

النماذج خلال الأسابيع القليلة الماضية أكثر من أن تُحصى، فمن أين نبدأ؟

أمن الولايات المتحدة؛ حيث يبدو أن أعظم قوة في العالم سائرة وهي غافية نحو تكرار «سيناريو» انتخاباتها الرئاسية الأخيرة بين رجلين في العقد الثامن من العمر لا يحملان لها جديداً... هما الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن وسَلَفه الجمهوري دونالد ترمب؟

أم من بريطانيا؛ حيث بنَت حكومة محافظة - رئيسها وكبار وزرائها من أبناء المهاجرين والأقليات - استراتيجيتها السياسية الشعبوية على «تهجير» طالبي الهجرة؟

أم من ألمانيا، البلد الذي شوّهت حضارته العظيمة حقبة «النازية»، فتضافرت عنده «عقدة الذنب» التاريخية مع شبكة المصالح السياسية... ليتحمّس في الدفاع عن فظائع يرتكبها في غزة - خاصة - أبناء جيل ضحايا النازية؟

أم من فرنسا، التي لا تزال توهم نفسها بأنها قوة كونية تحسّ بهواجس شعوب العالم، وتتفهّم تناقض حضاراته... لكنها مع ذلك تسلّم سياستها الخارجية إلى ثنائي شاب لم تتح له خبراته أو تجاربه أو منظومة قِيَمه تطوير آلية للتحاور والتفهم والتفاهم مع الآخرين؟

أم من «منبر دافوس الاقتصادي» في سويسرا؛ حيث سمعنا شعبوياً مَوتوراً حمله يأس الشعب الأرجنتيني إلى السلطة... وهو يلقي محاضرة خرقاء في السياسة والاقتصاد هاجم فيها كل أنظمة الحُكم المعروفة في العالم؟

هذه مجرد أمثلة لما شهدناه ونشهده. إنها أمثلة من واقع مؤسف يفتقر معه ساسة العالم، تدريجياً، إلى الصدقية اللازمة لبناء نظام عالمي يستحق التطبيق ويتمتع بالاحترام. وحقاً، تتهاوى اليوم من قطاع غزة إلى الأرجنتين، ومن شبه القارة الهندية إلى أوكرانيا، كل الشعارات التي أبصرت النور مع انتهاء «الحرب الباردة».

بعد سقوط «جدار برلين» وانهيار الاتحاد السوفياتي، توهّم كثيرون أن المعركة الكونية حُسمت نهائياً. وبالتالي، ما عاد ثمة مبرّر لتعطيل مسيرة التقدّم الإنساني نحو مبادئ السعادة والسلام والتعايش والرخاء والعدل الموعودة. لكن ما انكشف لاحقاً لمئات الملايين من السذّج والسليمي النيات، أن حقيقة الطبع البشري غير ما تعلموه في دور العبادة وتحت منابر الأحزاب وداخل «خنادق النضال».

ثم إن المعسكر المنتصر ليس «مبرّة» غايتها جمع القلوب، ولا هو مستشفى همه معالجة الأمراض، بل مقاتل شرس في حلبة لا تتسع لقويين...

وبالفعل، ما إن وضعت «الحرب الباردة» أوزارها مُنهية صراع الشرق والغرب، حتى تفتّحت براعم مختلف أنواع الفتن والحروب العرقية والدينية والمذهبية... الساعية إلى «تصحيح الأخطاء التاريخية».

بل لم يطُل الوقت حتى تفجّرت من البلقان حروب إعادة رسم خرائط أوروبا، ولحقت بها حروب القوقاز، وقبل اكتمال العقد وصلنا إلى أوكرانيا.

إن عودة موسكو إلى الحلبة، بحلة قومية هذه المرة، كانت إحدى محاولات «تصحيح الأخطاء التاريخية» المتسلحة بذاكرة قوية وشعور مرير بالغبن. وما أفرزه الواقع الجديد في «الفضاء السوفياتي» السابق غرباً... تكرّر جنوباً في الشرق الأوسط، بينما تجاهل الغرب المنتشي بانتصاره العوامل التي حفّزت موسكو، وأيضاً ديناميكيات النهوض الصيني، وصعود البديل الديني المسيّس على حساب القومية المتعايشة مع العلمانية في جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وفي الشرق الأوسط، بالتحديد، أدّى إصرار واشنطن على احتكار مبادرات السلام الإقليمي ليس فقط إلى اختلال فظيع في المقاربات المطلوبة لسلام حقيقي ودائم، بل أيضاً إلى إنهاض يمين جامح التطرّف في الجانب الإسرائيلي... مقتنع تماماً بأن من حقه «تسيير» السياسة الأميركية في المنطقة و«تسخيرها» لخدمة مشروعاته.

وكما لمسنا ونلمس، سهّل كثيراً تراجع «نوعية» القيادات الأميركية - جمهورية كانت أم ديمقراطية - خلال العقود الأخيرة، لليمين التوراتي الإسرائيلي، الإفصاح عن نياته بلا تردّد. واليوم في محنة غزة، نجد أن مَن كانوا شراذم حزبية صغيرة من اليمينيين التوراتيين في «الكنيست» يفرضون برنامجهم السياسي على حكومة إسرائيل. وهذه الأخيرة تفرض بدورها برنامجها السياسي على واشنطن... مستقوية بانطلاق «سنة انتخابات» يتسابق فيها الحزبان الجمهوري والديمقراطي على استرضاء «اللوبي الإسرائيلي» الأميركي.

حتى خارج واشنطن، استغلت «لوبيات إسرائيل» هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) في غزة لإعادة بناء «السرديّة السياسية» للصراع العربي الإسرائيلي على هواها، مستقوية بالتعريف الغربي الجديد لـ«معاداة السامية»، ومستثمرة الطموح التوسعي الإيراني، والانزلاق الأوروبي المخيف نحو الشعبوية والعداء للمهاجرين واللاجئين... والمسلمين عموماً.

وهنا، قد يفيد التنبّه إلى أن هذه «اللوبيات» ما عادت تكتفي باختراق أحزاب السلطة التقليدية يميناً ويساراً - كما هي الحال في أميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرها - بل ها هي تخترق الآن قوى طالما عُدّت هامشية ومثالية لا تستحق عناء الاختراق، على رأسها الأحزاب البيئية مثل «الخضر»!!

التفسير المنطقي لهذه الظاهرة هو تراجع نوعية القيادات ومناقبية المؤسسات السياسية، حتى في ظل المساءلة الديمقراطية. بل إن هذه المساءلة تتعطل عندما يخترق «اللوبي» نفسه البديلين - أو الخيارين - المتنافسين عبر الخدمات والمال والنفوذ.

أوَ لم يقل السياسي البريطاني اللورد آكتون: «السلطة عرضة للإفساد، والسلطة المطلقة إفساد مطلق»؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظام عالمي حقيقي يحتاج إلى نوعية مختلفة من القيادات نظام عالمي حقيقي يحتاج إلى نوعية مختلفة من القيادات



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 16:10 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
المغرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 16:26 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

هاجر أحمد تعود إلى دراما رمضان بشخصية جديدة
المغرب اليوم - هاجر أحمد تعود إلى دراما رمضان بشخصية جديدة

GMT 07:43 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 01:10 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

"أوتلاندر PHEV" تحفة ميتسوبيشي الكهربائية

GMT 06:45 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 06:32 2023 الأحد ,23 إبريل / نيسان

انقطاع شبه كامل لخدمة الإنترنت في السودان

GMT 07:00 2016 السبت ,17 أيلول / سبتمبر

متى يعود "الزعيم" إلى سكة الألقاب؟

GMT 17:31 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

الحسين عموتة يؤكد احترامه للعقد الذي يربطه مع الوداد

GMT 23:28 2020 الثلاثاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أفضل طرق تنظيف جلد السيارة بطريقة صحيحة

GMT 13:13 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد المصري للكرة يتخذ إجراءات أمنية لإيقاف مرتضي منصور
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib