بلاد الأمثال

بلاد الأمثال

المغرب اليوم -

بلاد الأمثال

سمير عطاالله
سمير عطاالله

ليس من اللطافة في شيء أن تولد في وطن تضرب به الأمثال، كما له أنه جحا الجغرافيا، مثلما جحا الأول جحا التاريخ. كلما حدث حادث قاسٍ ومبلبل، تسرع الأقلام والذاكرات إلى لبنان، تستعير منه هشاشته، وتذكّر الناسين أن تنوعه الجميل، يمكن أن يتحول في لحظة مرضية، إلى قتال سافل. وها هي الأقلام تغطس في المحابر وتخرج متباهية بمعرفتها: لبنان. إيران. باكستان. أفغانستان. وكل ما ينوَّن ولا ينوَّنان.

فجأة قفزت صحف العالم إلى لبنان حيث الحزب أقوى من الدولة، وحيث الدولة أضعف من الناس، وحيث الفساد أقوى من الجميع، وحيث الحشيش خي الأفيون، وحيث الجبال قممها في السماء، وحضيضها في جهنم. عبثاً تحاول إقناع السادة المحللين أن لبنان ليس أفغانستان. يا جماعة، نحن بلد على البحر، مفتوح وأزرق سماوي، بينما أفغانستان جبال مغلقة جرداء، كما ذكّرنا كاتبنا ومعلمنا عبد الرحمن شلقم. شاهقة وجرداء ولا رعي ولا صوف من كشمير. وجبال لبنان مصايف وعصرية عليلة مثل «عصرية العيد»، كما غنى عوض الدوخي، وهو يرخّم بصوته حرّ العصر في زمن الأحباب: «صوت السهارى يوم - مروا عليّ - عصرية العيد». ثم يغور الزمن في الجفون، وتنعس الأحداق، وينسى العيد لماذا كان يأتي، ويغفو السهارى عما كانوا يسهرون.

هكذا أيضاً كنا نتذكر العصرية في الجبال. والبحر أزرق سماوي. وهل حقاً بيروت كابل، أم هو تسرع المقارنات؟ الشبه الأكبر أن أهل الجبال أشداء حيثما ارتفع عن الأرض ارتفاع: واحد في علو تلة. وواحد يربو فهو رابية. وواحد ما هو إلا هضبة في الهضاب تطل على البحر، فتقف فوقها فيروز وتنشد «شايف البحر شو كبير - قد البحر بحبك». أو تقف فوق تلة أخرى وتغني إلى صبية القرية التي ترعى أغنامها: سوقي القطيع إلى المراعي - وامضي إلى خضر البقاع - ملأ الضحى عينيك بالأطياف من رقص الشعاع - يحكي الغدير صدى هواه إذا مررت على الغدير - ويصفق الشحرور حين ترفرفين على الصخور».

ذات صيف كنت مع العائلة نعبر جبال الألب، وأنا أظهر ثقافتي وأشرح الطريق التي سلكها هنيبعل ثم نابليون، والآن فرقتنا. وفجأة بانت لنا في المنحدر راعية شابة، حمراء الوجه، تغطي رأسها بمنديل القرى، فأخفضت رأسها خجلاً وتظاهرت بأنها تدفع أغنامها بعيداً.

نسيت هنيبعل ونابليون. وتذكرت راعيات لبنان وفيروز تشدو «من فتنة الوديان لوَّنتِ مراميك خصابا - تتعشقين الغاب أشجاراً، وتهوين الرحابا»!

كم مرة قلت لك يا صبي، خلقت للشعر. ما لك ولزلازل أفغانستان ومهازل لبنان. ألم تتعلم من إيمانويل ماكرون، الذي عندما قرر أن يزور بلدك، اختار بيت فيروز. ماذا طلب منها أن تغني له؟ لا أدري على وجه الضبط. الأرجح أنها أكملت «وعلى مصب النبع في الحنوات لاح خيال راعي - كوفية بيضاء تسبح في المرابع كالشراع - يشدو يقول وصوته الداوي يهيم بلا انقطاع - سمراء يا أنشودة الغابات يا حلم المراعي».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلاد الأمثال بلاد الأمثال



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 15:05 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

الاعتراف رسميًا بنوع خامس جديد من مرض السكري
المغرب اليوم - الاعتراف رسميًا بنوع خامس جديد من مرض السكري

GMT 22:00 2023 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

الشرطة المغربية تضبط شخصين في مدينة أكادير

GMT 12:33 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ترمب يعلن احتجاز ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا

GMT 08:08 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

إطلاق سماعات رأس لاسلكية تعمل بالبلوتوث بـ400 دولار

GMT 12:22 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تعلن عن عطل كهربائي قبيل تحطم طائرة تقل عسكريين ليبيين

GMT 09:03 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

مصطفى بنحمزة يشرف على افتتاح قاعة رياضية نسوية في وجدة

GMT 04:47 2012 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الصحة: 116 مصابًا فى مليونية الثلاثاء وحالة وفاة واحدة

GMT 00:34 2016 الإثنين ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

وصفة عمل حلى شعيرية باكستانية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib