غزة تجعل من ترمب «عرّاب التهدئة»

غزة تجعل من ترمب «عرّاب التهدئة»

المغرب اليوم -

غزة تجعل من ترمب «عرّاب التهدئة»

هدى الحسيني
بقلم - هدى الحسيني

وسط أجواء معقدة ومشهد إقليمي لا يخلو من المفاجآت، عاد اسم الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الواجهة بصفته رئيس الولايات المتحدة، ورمزاً لخطاب «الصفقة الكبرى» الذي لم يفارقه منذ حملته الانتخابية الأولى. ومع تصاعد الآمال بتهدئة الأوضاع في غزة، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان ترمب قادراً حقاً على تحقيق اختراق دبلوماسي في الشرق الأوسط يترك بصمة عملية، ويتجاوز الصيغ المؤقتة التي لم تصمد طويلاً في الماضي.

يوم الاثنين، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، حيث التقى ترمب وكبار مستشاريه للأمن القومي والدبلوماسية. الزيارة وُصفت بأنها حاسمة في مساعي تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، والتوصل إلى تفاهم مرحلي مع «حماس» بشأن تبادل الرهائن، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية. جاء ذلك بعدما تكثفت الاتصالات بين واشنطن وكل من القاهرة والدوحة، بصفتهما طرفين أساسيين في محاولة بلورة اتفاق يرضي مختلف الأطراف، ويضمن الحد الأدنى من الاستقرار المؤقت في القطاع المُنهك.

الملف الذي حمله نتنياهو إلى البيت الأبيض لم يكن سهلاً. فبينما تسعى إدارته إلى تهدئة انتقادات الداخل الإسرائيلي الغاضب من طول أمد الحرب وتكلفتها البشرية والسياسية، يجد نفسه أمام أسئلة أميركية واضحة حول جدية الالتزام بوقف إطلاق النار إذا توصل الوسطاء إلى تفاهم نهائي. وبحسب مصادر مطلعة شاركت في بعض المشاورات الجانبية، فإن الرئيس ترمب شدّد على ضرورة «اغتنام الفرصة»، وعدم إضاعة الزخم الإقليمي والدولي الحالي، ملوحاً بأن فشل أي هدنة سيكون له ثمن سياسي على الجميع، ليس فقط في غزة، بل على امتداد المنطقة.

الشخصيات الدبلوماسية المقربة من الملف ترى أن فرصة التوصل إلى هدنة واقعية ليست مستحيلة، لكنها محفوفة بشروط متقابلة قد تنفجر في أي لحظة. هناك من يعد أن «حماس» باتت تدرك صعوبة إطالة أمد المواجهة في ظل الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنى التحتية، وازدياد الضغط الإنساني، بينما ترى أطراف أخرى أن الحكومة الإسرائيلية لا تزال منقسمة داخلياً بين تيار يدفع نحو التهدئة، وتيار يعدّها استسلاماً مقنعاً ما لم يقترن الأمر بتفكيك القدرات العسكرية لـ«حماس» بالكامل.

في واشنطن، أشارت بعض التسريبات إلى أن المسودة الأولية للاتفاق تتضمن هدنة تمتد نحو شهرين في مرحلة اختبار، على أن يجري خلالها إطلاق سراح دفعات من الرهائن لدى «حماس» مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية، إلى جانب فتح المعابر أمام دخول المساعدات والمواد الإغاثية، بإشراف مباشر من لجان رقابية أميركية ومصرية وقطرية لضمان تنفيذ البنود بدقة ومنع انهيار الاتفاق سريعاً.

بدا الرئيس ترمب حريصاً على الظهور بمظهر «عرّاب التهدئة» الذي يمتلك مفاتيح التواصل مع الأطراف المتناقضة. وقد نقل الإعلام عنه قوله إن هذه الهدنة يمكن أن تصبح حجر أساس لترتيبات أوسع لاحقاً، إذا التزم الجميع بضبط الميدان، والابتعاد عن التصعيد. في المقابل، لا يخفي مسؤولون أميركيون آخرون خشيتهم من أن تنهار هذه المساعي إذا لم تترافق مع التزامات واضحة بمعالجة الملفات العالقة، مثل إعادة إعمار غزة، وضمان وصول المساعدات بعيداً عن أي تدخلات مسلحة.

من ناحية أخرى، يرى محللون أن زيارة نتنياهو جاءت أيضاً في توقيت حساس داخلياً، فهو يواجه ضغوطاً كبيرة من عائلات الرهائن، ومن أصوات إسرائيلية تتهم حكومته بإطالة أمد الحرب من دون هدف محدد. ومن هنا، فإن الذهاب إلى واشنطن يعني محاولة انتزاع ضمانات سياسية وأمنية من الإدارة الأميركية لتسهيل أي تسوية قد تبدو غير شعبية أمام بعض مكونات الائتلاف الحاكم في إسرائيل.

في القاهرة والدوحة، تتواصل المشاورات مع وفود «حماس» عبر قنوات خلفية معقدة. حتى اللحظة، لم تصدر «حماس» موقفاً رسمياً نهائياً معلناً، لكنها أوصلت إشارات تفيد باستعداد مبدئي لمناقشة عرض الهدنة بشروط «تراعي الحد الأدنى من الثوابت»، حسب تعبير أحد المسؤولين المطلعين. ورغم هذا، تبقى عقبة الثقة المتبادلة واحدة من أصعب العقد التي يمكن أن تفجر أي تقدم محتمل في حال لم يلمس الطرفان التزاماً فعلياً على الأرض.

ما يجدر التوقف عنده، هو أن تجربة اتفاقات التهدئة في غزة خلال السنوات الماضية كشفت هشاشة أي تفاهم لا يرتكز على خطة اقتصادية وتنموية حقيقية تخفف معاناة الناس، وتخلق أفقاً للحياة بعيداً عن تكرار سيناريوهات الدمار وإعادة الإعمار. شخصيات دبلوماسية تحذّر من أن تحويل الهدنة إلى ورقة سياسية للاستخدام المؤقت فقط، سيعيد دورة العنف من جديد بعد أسابيع أو أشهر قليلة.

في نهاية المطاف، يظهر المشهد، وكأن الجميع يسابقون الزمن: نتنياهو يسعى إلى التقاط فرصة دبلوماسية قد تُنقذه داخلياً من مأزق سياسي خانق - عاد مرة ثانية يوم الثلاثاء إلى البيت الأبيض - وترمب يراهن على نجاح دور الوسيط ليعزز صورته بوصفه زعيماً لا يزال قادراً على إنجاز ما لم ينجزه من سبقوه، بينما ينتظر أهالي غزة أكثر من بيان رسمي أو اجتماع مغلق. وهم يبحثون عن لحظة صادقة يشعرون فيها بأن هناك فرصة حقيقية لحياة طبيعية بعيدة عن الخوف والجوع.

ورغم أن الطريق طويل ومحفوف بالمفاجآت، فإن كل الأطراف تبدو مضطرة إلى التعامل مع فرصة التهدئة هذه بجدية غير مسبوقة. فالإقليم تغيّر، والضغوط الدولية تزداد، والأزمات المتراكمة لم تترك مساحة كافية للتهرب من المسؤولية. يبقى السؤال: هل تكفي زيارة زعيم ووعود رئيس وإشارات حذرة من المقاومة لإنهاء حرب أدمت الجميع؟ أم أن المنطقة ستظل رهينة صفقات لا تكتمل ونيران تشتعل كلما ظننا أنها خمدت؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة تجعل من ترمب «عرّاب التهدئة» غزة تجعل من ترمب «عرّاب التهدئة»



GMT 11:09 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

المفاوض الصلب

GMT 11:06 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:05 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا بين إسرائيل… وأميركا وتركيا

GMT 11:04 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

خطورة ترامب على أوروبا

GMT 11:02 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيز إسرائيل على طبطبائي… لم يكن صدفة

GMT 11:00 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

إعلان الصُّخير... مِن «دار سَمْحين الوِجِيه الكِرامِ»

GMT 10:58 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

اصنعوا المال لا الحرب

GMT 10:57 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

توسعة الميكانيزم... هل تجنّب لبنان التصعيد؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 02:31 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

دراسة جديدة تكشف العلاقة بين الحب والسمنة
المغرب اليوم - دراسة جديدة تكشف العلاقة بين الحب والسمنة

GMT 06:16 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الذهب في المغرب اليوم الإثنين 03 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

GMT 21:44 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات في حياتك خلال هذا الشهر

GMT 16:06 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 18:33 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 20:18 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

وفاة خالة الشقيقتين المغربيتين صفاء وهناء

GMT 14:36 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

الرئيس اللبناني ميشال عون يلتقي وفدًا أميركيًا

GMT 12:29 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

مجلس الحكومة يعيد تنظيم مسرح محمد الخامس

GMT 05:01 2019 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

دافنشي كان يكتب بيديه الاثنتين بكفاءة

GMT 23:51 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

رامز جلال يسخر من غادة عبد الرازق والأخيرة تتوعد له

GMT 12:50 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

22لاعبًا في لائحة فارس النخيل استعدادًا إلى مواجهة الوداد

GMT 07:54 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

ملك إسبانيا يخفض راتبه بنسبة 7.1%

GMT 04:51 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

مصر تتصدر العرب فى الحرب على الفتنة.. المصنعة!

GMT 15:08 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هيمنة المتشددين على المجتمع الطلابي في جامعة وستمنستر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib