المدعو «سعد ابن نبيهة»

المدعو «سعد ابن نبيهة»

المغرب اليوم -

المدعو «سعد ابن نبيهة»

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

تتغير المعانى وظلال الكلمات من حقبة زمنية إلى أخرى، الإطار الدلالى هو الوقود الذى تتجسد من خلاله حروف كل اللغات، كما أنه يشير إلى الحالتين الاجتماعية والاقتصادية، بل والمزاجية، تستطيع عند إعادة قراءة شفرة الكلمة إدراك أين كنا وكيف أصبحنا؟.

عندما تغنت صفاء أبو السعود، فى مطلع الثمانينيات، بكلمات عبد الوهاب محمد، وتلحين جمال سلامة (أهلًا بالعيد)، أحالها المخرج شكرى أبو عميرة إلى (فيديو كليب) رائع، قبل أن نتعارف على توصيف علمى لمعنى (الفيديو كليب)، وانطلق بعيدًا عن الاستوديو إلى الشارع لينقل لنا الفرحة، تعاملنا ببساطة مع جملة (سعدنا بيها)، بينما هذا الجيل تسأل من هو (سعد)، ولماذا يطلق عليه اسم أمه (نبيهة)، هل أخطأ جمال سلامة، الملحن، لأنه لم يقدم لنا لحظة صمت بعد (سعدنا) حتى لا تتحول إلى اسم ولقب (سعد نبيهة)، الحقيقة أننا كنا نرى هذه الأغنية قبل أن نسمعها، المخرج أحدث توافقا بين الكلمة والصورة، بينما هذا الجيل يبدو أنه صار يرى فقط بأذنيه.

فى مطلع الستينيات بدأت رحلة الصورة التليفزيونية، كان للمخرج الكبير محمد سالم إضافة هامة ومختلفة، ولهذا أطلقوا عليه (ملك المنوعات)، كان لدينا وقتها (ملك للدراما) نور الدمرداش، بينما سالم كان هو أول من قدم للشاشة الصغيرة (ثلاثى أضواء المسرح)، وفى مرحلة موازية قدم لنا (سالم) أغنية شادية (مين قالك تسكن فى حارتنا)، بكلمات حسين السيد، وتلحين محمد الموجى، استمد منها موقفًا دراميًا لشاب يقف فى الشباك يغازل بنت الجيران شادية، وهى لا تمانع على شرط أن يذهب مباشرة لبيتها ويطلبها، وأتوقف أمام بيت الشعر الذى يفيض عذوبة وخفة ظل (ييجى أبويا يعوز فنجان قهوة / أعمله شاى وأسقيه لأمى / وخيالك ييجى على سهوة/ مافرقش ما بين/ خالتى وعمى).

واستمرت الرحلة حتى وصلنا إلى (أهلًا بالعيد)، استوعبنا معنى الكلمة كما أرادها الشاعر عبد الوهاب محمد، بينما مع مرور الزمن، بدأنا فى البحث عن المدعو (سعد نبيهة)، الاسم غير منطقى (نبيهة) اسم امرأة، البعض قال وليه لأ؟، لدينا المطرب (أحمد عدوية)، وعدوية كما تعلمون اسم امرأة رائعة الجمال غنى لها محمد رشدى، صار بعدها لقبًا لصيقًا بأحمد.

الكلمات تتبدل لأننا لا نستقر لغويًا على معنى واحد، كما أن شفرة التعامل اليومى تتغير، عندما تتصل بصديق تقول (آلو) يأتى الرد على (آلو) ليس بمثلها كما كان يحدث حتى الثمانينيات، ولكن (عليكم السلام ورحمة الله وبركاته)، وعندما تتساءل عن العلاقة بينهما كفعل ورد فعل، تأتى الإجابة المفحمة والملجمة (إنها تحية الإسلام).

وكأن كل ما دون ذلك يخاصم الإسلام، وعبثًا تقول (لكل مقام مقال)، ستجد نفسك ربما متهمًا بما هو أشد قسوة، بأنك (علمانى) بالمفهوم الدارج الشعبى للكلمة، أى أنه لا يقيم وزنًا للدين.

(إمسك علمانى) تساوى (إمسك حرامى)، عقوبتها أشد ضراوة، كل من هو علمانى يدخل شعبيًا فى إطار الكفر بالذات الإلهية.

تستطيع أن تقرأ تفاصيل الحياة فى مصر من خلال التقاط كلمات صارت تنتهى بها أغلب المحادثات (لا الله إلا الله) والرد (محمد رسول الله).

تمنح العلاقات الاجتماعية بين البشر ظلا إسلاميا مباشرا، المجتمع صار يفرض على الجميع هذا الإطار الصارم فى كل تفاصيله، بدلا من التحية القديمة (سعيدة) وردها (سعيدة مبارك)، أو (العواف) وردها (يعافينا ويعافيكم) صارت هذه الكلمات الآن مجالًا للسخرية، وهكذا سعدنا بيها صار المدعو (سعد نبيهة) مع اختلاف الدوافع والأسباب هذه المرة!!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المدعو «سعد ابن نبيهة» المدعو «سعد ابن نبيهة»



GMT 12:05 2025 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

ما هذا يا دكتور أشرف؟!

GMT 17:51 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 17:49 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

عن الصور والمصورين.. والشخصيات العامة

GMT 17:45 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 17:43 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 17:41 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 17:37 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 17:33 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

القاهرة - المغرب اليوم
المغرب اليوم - عباس عراقجي يرى أن المقاومة ليست مجرد سلاح بل تمثل قوة ناعمة

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 14:51 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

شادية

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

رحلة إلى العصور الوسطى في بروغ البلجيكية

GMT 20:26 2016 السبت ,15 تشرين الأول / أكتوبر

هل التقدم في السن يمنع تعلم أشياء جديدة؟

GMT 21:44 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

العطور وتفاعلها مع الزمن

GMT 12:02 2018 الخميس ,24 أيار / مايو

"سواروفسكي" تطرح مجوهرات خاصة بشهر رمضان

GMT 06:08 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

ألماس فريدة من نوعها للمرأة الاستثنائية من "ليفيف"

GMT 16:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الكشف عن تفاصيل تعاقد بنشرقي مع الهلال السعودي

GMT 02:18 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

نادين نسيب نجيم تُعلن حقيقة المشاركة في مسلسل "الهيبة"

GMT 02:37 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

الحواصلي يؤكد استعداد حسنية أغادير للبقاء في المقدمة

GMT 03:28 2017 الجمعة ,22 أيلول / سبتمبر

أمل كلوني تدعو الدول إلى ضرورة محاكمة "داعش"

GMT 09:03 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فكري سعيد بتأهل خنيفرة إلى ربع نهاية كاس العرش
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib