علامات وإشارات

علامات وإشارات!

المغرب اليوم -

علامات وإشارات

حسين شبكشي
بقلم : حسين شبكشي

إذا كانت أحداث التاريخ الكبيرة وتحولاتها العظيمة قد علمتنا شيئاً، فهو أن هذه الأحداث وهذه التحولات دائماً ما تبدأ بعلامات وإشارات بسيطة ثم تكبر تدريجياً حتى تصبح على ما هي عليه.
استيقظت اليوم القارة الأوروبية العجوز على نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي فاز بها الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، ولكن الخبر الأهم هو أن 42 في المائة من الفرنسيين صوتوا لمارين لوبان، وهي سياسية ذات ميول عنصرية معادية للإسلام والمهاجرين، متطرفة من منظور وطني عنصري، اعتذارية للرئيس بوتين في سياساته. 42 في المائة من أصوات الفرنسيين في بلد يفتخر بأنه منصة الحرية والحريات الليبرالية والمساواة والعدالة والإخاء في المنظومة الغربية في السياسة والاجتماع، ولديها إحدى أهم المنظومات الديمقراطية احتراماً في العالم... كل هذه القيم لم تمنعها من التصويت لأكثر العناصر المتطرفة في المنظومة السياسية في فرنسا اليوم. لا يمكن النظر إلى هذه النتائج بارتياح والقول إن فرنسا هزمت التطرف. هناك شيء جديد يكبر وينمو على السطح في قلب أوروبا وهو التطرف والعنصرية البغيضة. فرنسا لديها مشكلة كبيرة وخطيرة، هذا أحد أهم الدروس والإشارات والعلامات التي من المفروض والضروري التمعن فيها بعمق، لأن ما يؤثر في فرنسا سيؤثر على القارة الأوروبية ولا شك... هناك رسالة مدوية صدرت من الناخب الفرنسي سيُسمع صداها في سائر القارة الأوروبية.
وقد تكون للتطورات الحاصلة اليوم في العالم آثارها المنتظرة والمتوقعة على المنظومات الاقتصادية المختلفة فيما يجب التمعن فيها، وإدراك أبعادها الخطيرة القادمة.
العالم العربي مطلوب منه مراقبة التحديات والتهديدات التي يواجهها بشكل جدي، وذلك بسبب تفاقم الأزمة العالمية الحالية الناتجة من تداعيات جائحة «كوفيد - 19» والحرب القائمة الآن بين روسيا وأوكرانيا.
ويقسم الخبراء التهديدات الحاصلة اليوم التي تواجه العالم العربي إلى ثلاثة أقسام؛ تحديات قصيرة الأجل، وتحديات ناجمة عن الإجراءات المالية التقيدية، والتهديد الأخير هو التحديات العالمية. وعلى المدى القصير يتصدر تحدي الأمن الغذائي المرتبة الأولى وهناك أيضاً ضرورة مراقبة التضخم المستورد والناتج تحديداً بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية الهائل، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة المعيشة الهائل الذي يمكن لمسه في كافة المجالات، وهذا التحدي يخص تحديداً الدول التي تستورد غذاءها ونفطها مما سيؤدي إلى توسعة الهوة بين الفقراء والأغنياء فيها، وستكون نتيجته طبعاً أن معدلات إعادة الاقتصاد إلى وضعه الطبيعي ستكون مضطربة وستأخذ وقتاً ليس بالقليل.
أما التهديدات الناتجة بسبب القيود المالية وسياساتها، فأولها سيكون ارتفاع تكلفة الدين، وهذا سيصيب طبعاً الدول ذات التصنيف الائتماني الأدنى بشكل أساسي، وسترتفع معه تكلفة الديون غير المستغلة، وهذا تحديداً يقع في الدول التي اعتمدت بشكل أساسي على السياحة والسفر أو قطاع التنمية العقارية وأيضاً ارتفاع تكلفة الفائدة في الدول المرتبطة عملتها نقدياً بالدولار الأميركي، وإن كان هذا يعني أن هناك فرصة كبيرة لدول مجلس التعاون تحديداً التي ستبقى عملاتها قوية معززة قدرتها الشرائية نظراً لقوة الدولار في هذه الفترة المهمة.
أما التحديات العالمية فمن الضروري جداً مراقبة عودة انتشار حالات «كوفيد - 19» بمتحورات جديدة أقوى وأكثر شراسة، وكذلك أهمية مراقبة سياسة الصين التي تصر على أن تكون نتيجة سياسة معاملتها مع جائحة «كوفيد» هي تصفير عدد الإصابات وهو ما يعني عملياً إغلاقاً مستمراً لمدنها الكبرى، وبالتالي تأثير ذلك على الإنتاج وعجلته والذي سيؤثر بشكل أو بآخر على استهلاك النفط وبالتالي على قدرة العالم الاقتصادية على النهوض من آثار الجائحة والعودة إلى الحياة الطبيعية والاقتصادية.
ومن الأخطار المهمة التي ستكون لها آثارها استمرارية الحرب ودخولها في الشهر الثالث وقد تستمر إلى نهاية العام، كما حذر ذلك منه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مؤخراً، وهذه الحرب القائمة بين أوكرانيا وروسيا طالت أكثر مما كان متوقعاً، وبالتالي من الممكن أن تجر معها العالم إلى جمود اقتصادي مخيف وتضخم عال جداً.
وبخصوص التضخم العالي جداً هناك مؤشرات واضحة تقول إننا أمام مرحلة قادمة ستشهد فيها معدلات التضخم زيادة أخرى ستنعكس على قدرة العالم على الصرف والاستثمار والإنفاق وتعيق حركة التجارة بشكل مؤلم.
وهناك دول مثل لبنان وليبيا والعراق والسودان ستؤثر تلك العوامل عليها بشكل سلبي وعلى السلم الأهلي فيها كما تبين لنا الأخبار تباعاً، ولا يمكن إغفال الوضع الجيوسياسي العالمي المتشنج والمستمر مع زيادة اللغة الحادة والحراك المتواصل بين الصين والولايات المتحدة في مواقع مختلفة حول العالم والتصريحات الحادة ضد بعضهم البعض.
نحن نعيش الآن عصر عالم الفراشة وأثرها بامتياز يبين لنا أن ما يحدث في بقعة بعيدة من العالم سيطال أثره سائر العالم بشكل أو بآخر عاجلاً أم آجلاً، ولذلك فإن العلامات والإشارات التي تحمل معاني خفية تظهر لنا جلية بصورها المختلفة أمام أعيننا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علامات وإشارات علامات وإشارات



GMT 14:47 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

سعيٌ للتهويد في عيد الفصح اليهودي

GMT 20:01 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

معايير عمل البلدية

GMT 19:56 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

نانسي عجرم بإطلالات خلابة وساحرة تعكس أسلوبها الرقيق

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 06:45 2021 الثلاثاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفيديو كليب صورة افتراضية

GMT 21:56 2019 الإثنين ,18 شباط / فبراير

وفاة الأمير السعودي عبد الله بن فيصل

GMT 04:48 2016 الأربعاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مصمم الأزياء العالمي "زياد نكد" يواصل مسيرة إبداعه منذ 2007

GMT 09:44 2017 الثلاثاء ,11 إبريل / نيسان

ملتقى بغداد السنوي الثاني لشركات السفر والسياحة

GMT 18:03 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

اتيكيت مقابلة أهل العريس

GMT 11:41 2022 الأحد ,19 حزيران / يونيو

نصائح عند اختيار طاولات غرف طعام مستديرة

GMT 18:48 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

"أرامكو" السعودية أعلى شركة ربحا في العالم

GMT 04:09 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

أبرز اتجاهات الموضة مع بداية عام 2018

GMT 03:33 2013 الأحد ,03 آذار/ مارس

صور تظهر تفوّق عصفور على صقر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib