ألغاز المعبد الأخير البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي

ألغاز المعبد الأخير: البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي!

المغرب اليوم -

ألغاز المعبد الأخير البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي

حسين شبكشي
بقلم : حسين شبكشي

في الأيام الأخيرة وضع عدد كبير جداً من المستثمرين حول العالم، سواء أكانوا أفراداً أم مؤسسات مالية، أيديهم على قلوبهم خوفاً وهلعاً واضطراباً وهم يتابعون الأخبار المقلقة والتفاصيل المزعجة التي تتحدث عن انهيار كبير وإفلاس هائل لأحد البنوك المؤثرة في الولايات المتحدة الأميركية، وهو بنك سيليكون فالي، وتدخل الإدارة الأميركية والرئيس جو بايدن شخصياً للحد من تداعيات المشهد المرعب بالتعهد بتأمين أموال المودعين وضمانها. ولكن هذا الموقف السياسي لم يكن كافياً لطمأنة الناس على الوضع المصرفي، حيث ترنحت بنوك أخرى فبدأت بنوك أخرى تهتز وتتهدد بالمصير نفسه الذي أصاب بنك سيليكون فالي من قبل، وذلك مع إقبال الناس بأعداد كبيرة للسحب من حساباتهم؛ مما جعل مصارف كبرى تتدخل لإنقاذ فيرست ريبابليك بنك على سبيل المثال ومنعت سقوطه في اللحظات الأخيرة. وهذا التوتر هو الذي جعل عدداً غير بسيط من المصارف الإقليمية والأصغر حجماً في الولايات المتحدة الأميركية أن تقنن لفترة محدودة ما يسمح بسحبه من الأرصدة لعملاء البنوك، وهي خطوة أكدت حجم المخاطر التي كانت تواجهها.
وأدت تداعيات هذا المشهد إلى اهتزازات في الأسواق المالية حول العالم وهبطت البورصات مع قلق المستثمرين وخوفهم، وأصاب القطاع المصرفي في أوروبا حالة من الارتباط هبطت بأسعار أسهم البنوك الكبرى بشكل حاد أدى إلى تدخل البنك المركزي السويسري في مسألة إنقاذ بنك كريدي سويس السويسري من الإفلاس وترتيب شرائه والاستحواذ عليه من قِبل منافسه العملاق بنك يو بي إس.
وتعيد هذه الأزمة المالية الجديدة الحديث مجدداً عن دور البنك المركزي الأميركي، أو الاحتياطي الفيدرالي كما يعرف بمسماه الرسمي، في السياسة النقدية الأميركية وأثرها الهائل على الاقتصاد الأميركي تحديداً والاقتصاد العالمي بصورة أعم.
الاحتياطي الفيدرالي هو بنك مركزي ذو نفوذ عظيمة وهائلة أسسته وتسيطر عليه البنوك التجارية الأميركية؛ وذلك لتخطي والعبور بعيداً عن رقابة مجلس الكونغرس عليهم. والحديث عن الشفافية والمحاسبة والديمقراطية لا يتوقف في أميركا، فهي من أهم القيم التي تروّج لها ولكن يبدو أن هذا لا ينطبق على الاحتياطي الفيدرالي. ففي تقرير أخير أعدته إحدى مؤسسات صناعة القرار في الولايات المتحدة الأميركية سُمي الاحتياطي الفيدرالي كأكثر المؤسسات البعيدة عن الديمقراطية في أميركا. فالاحتياطي الفيدرالي لا يقدم تقارير مالية أو كشوف حسابات لجهات رقابية مستقلة، ولا توجد أي جهة في مجلس الكونغرس تسائلهم أو يراجعهم في أي مسألة. الرئيس الأميركي يعين المحافظ ككبير التنفيذيين في الاحتياطي الفيدرالي، ولكنه لا يحق له أن يفصله ولا أن يتدخل في عمله.
وفي الفترة الأخيرة، وتحديداً مع فترة أزمة جائحة «كوفيد – 19» التي اجتاحت العالم وأثرت على الأوضاع المالية فيه، قام الاحتياطي الفيدرالي بطباعة كم مهول من النقود لتغطية العجز المالي المتوقع وإغراق الأسواق بالمال والذي قُدّر بأكثر من 6.7 تريليون دولار أميركي، وسُميت أكبر تجربة طباعة نقود في التاريخ، وذلك من دون أن يكون ذلك خاضعاً لأي مرجعية قانونية ولا تشريعية رغم حساسية المسألة وخطورتها؛ مما أدى إلى تحطيم الأسواق وتدمير اقتصاد العالم وحصول معدلات تضخم مرعبة لا يزال العالم يعاني منها، ولم يستفد من تلك الإجراءات سوى الأثرياء في أميركا والذين يسمون بفئة الواحد في المائة.
الاحتياطي الفيدرالي باختصار مؤسسة غير ديمقراطية ولا توجد أي شخصية منتخبة في إدارتها ولا تخضع لأي جهاز رقابي ولا مرجعية قانونية أو تشريعية ومن خلاله ومع صندوق النقد الدولي يسعى الغرب بشكل واضح إلى التأثير على البنوك المركزية حول العالم تحت ذريعة الاستقلالية لتكون أشبه بالنموذج الأميركي، وهو نموذج غامض وغير ديمقراطي وغير شفاف. وهو كما وصفه أحد المصرفيين المهمين في الولايات المتحدة الأميركية «إنه المعبد الأخير» بغموضه وقوته وقدرته على السيطرة والتأثير على العالم. وهو يتخطى فكرة السيطرة على السياسات النقدية فقط، ولكنه النادي المغلق للنفوذ العظمى.
الاحتياطي الفيدرالي هو أحد أهم الأدوات المتوفرة للولايات المتحدة الأميركية للتأثير وزيادة سيطرتها على الاقتصاد الدولي، سواء أكان ذلك في تحريك أسعار الفائدة أم طباعة الدولار الأميركي، وهو بذلك يشكل قوة فتاكة لا تقل أهمية عن ترسانتها النووية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ألغاز المعبد الأخير البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ألغاز المعبد الأخير البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي



GMT 19:29 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

ما يملكه الضعفاء

GMT 19:27 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

في الحنين إلى صدّام

GMT 19:22 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

حرب أوكرانيا... واحتمال انتصار الصين!

GMT 19:11 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

إيران أكبر عدو لنفسها

هيفاء وهبي بإطلالات باريسية جذّابة خلال رحلتها لفرنسا

القاهرة - المغرب اليوم
المغرب اليوم - موناكو وجهة سياحية مُميّزة لعشاق الطبيعة والتاريخ

GMT 12:26 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية
المغرب اليوم -

GMT 17:54 2023 الأربعاء ,14 حزيران / يونيو

مبابي يدافع عن ميسي وينتقد جماهير باريس

GMT 20:13 2021 السبت ,18 أيلول / سبتمبر

دلالات اللون الأخضر في ديكور المطابخ

GMT 16:56 2019 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء البيضاوي يحدد سعر خروج محمود بنحليب من الفريق

GMT 09:33 2019 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

رجل يقطع إصبعه بسبب لدغة أفعى غير سامة

GMT 16:07 2017 الإثنين ,29 أيار / مايو

طريقة تحضير تارت الكنافة بالمانجو اللذيذ

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

الجزائر تتراجع قرار منع الاستيراد والتصدير عبر موانئ المغرب

GMT 17:43 2023 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الذهب يسجل ارتفاعاً بدعم من استقرار مؤشر الدولار الأميركي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib