الاقتصاد القديم يتصدر

الاقتصاد القديم يتصدر

المغرب اليوم -

الاقتصاد القديم يتصدر

حسين شبكشي
بقلم : حسين شبكشي

في هدوء تام وبلا ضجيج أو صخب مصاحب، تصدَّر قائمة أثرياء العالم رجل الأعمال الفرنسي الشهير برنارد آرنو، متخطياً بذلك كثيراً من الأسماء المعروفة لفرسان اقتصاد التقنية الكبرى المعروفين، من أمثال: بيل غيتس، وإيلون ماسك، وجيف بيزوس، وغيرهم من الأسماء التي تعوَّد وتوقع الناس أن تكون لهم المقدمة دائماً في هذا المجال.
آرنو الذي تتخطى ثروته الهائلة 180 مليار دولار أميركي، حسب قائمة مجلة «فوربس» الأميركية العريقة، والذي يترأس إمبراطورية هائلة من شركات كبرى ومؤثرة في عالم الأزياء والفخامة والعطور ومستحضرات التجميل والمنتجات الجلدية لأهم العلامات التجارية الكبرى في تلك القطاعات، من أمثال: «ديور» و«لوي فيتون» ومجوهرات «تيفاني»، وغيرها من الأسماء المتألقة، لا علاقة له بالاقتصاد الرقمي الحديث، وإنما نجاحه يعود إلى المدرسة التجارية التقليدية في عالم التجزئة الدولية بكافة تفاصيلها.
وبينما تعود العالم أن يراقب ويتابع أخبار ونتائج مجموعة شباب عالم التقنية الكبرى في ساحات الولايات المتحدة الأميركية تحديداً، بملابسهم غير النمطية وسلوكهم العشوائي ومغامراتهم المختلفة، فاجأهم الفرنسي البالغ من العمر 74 عاماً، وسليل الدولة شبه الاشتراكية، فرنسا، في قلب القارة الأوروبية العجوز، وهو الشخص الذي لا يحبذ الأضواء، ويختفي خلف حياة كلاسيكية نمطية تشبه بدلته وسلوكه. وكانت مكانته الجديدة أشبه بمكالمة إيقاظ للعالم، تقول فيها إن الاقتصاد القديم لم يمت بعد، وإن كل برقيات العزاء التي تم تقديمها فيه كانت متسرعة ومبالغاً فيها جداً.
لعل أبرز إنجازات آرنو وإمبراطوريته التجارية الكبرى هو قيامه بتحقيق معضلة غير بسيطة وغاية في التعقيد، ألا وهي «بيع المنتجات الفريدة والحصرية لملايين العملاء حول العالم». وباتت علاماته التجارية الكبرى المختلفة جميعها تندرج تحت بند «العلامات التي لا بد من اقتنائها»، وهي مكانة مميزة تدفع مؤشرات الاستهلاك بشكل قوي ومستدام حول مختلف أسواق العالم.
ومع الوقت حوَّل آرنو إمبراطوريته التجارية الكبرى المعروفة باسم «إل في إم إتش» إلى الأيقونة الأكبر في مجالاتها، والتي يسعى إلى تقليدها وتحقيق ولو جزء بسيط من إنجازاتها، كافة منافسيها.
راهن آرنو مبكراً على العولمة كظاهرة اقتصادية مؤثرة كبرى، على القارة الآسيوية بالذات، وركز تحديداً على السوق اليابانية، وتغير المذاق الياباني فيها، وجاءت النتائج المالية الإيجابية لتؤكد صدق حدسه، وبعدها ركز مبكراً على السوق الصينية وتنامي حجم الثروات والأثرياء هناك، وطبعاً كانت النتائج مبهرة ومذهلة للغاية، بسبب الطفرة الاقتصادية الهائلة التي عرفتها الصين منذ عقود من الزمن.
يقارن الخبراء الماليون بين مناخ الاستقرار الذي وفره آرنو في شركاته، وإيمانه التام بأهمية الخلافة السلسة من داخل أسرته، ولذلك لا تزال أسرته تحتفظ بأكثر من 48 في المائة من أسهم الشركة، على عكس إيلون ماسك الذي باع حصة مهمة من أسهمه في شركته «تسلا» لأجل استثمار مثير للجدل في منصة التواصل الاجتماعي «تويتر»، أو جيف بيزوس الذي سلَّم جزءاً هائلاً من ثروته وأسهمه في اتفاق الطلاق مع زوجته السابقة، أو بيل غيتس الذي باع معظم أسهمه في شركته التي أسسها «مايكروسوفت».
ما يثير اهتمام المراقبين والمحللين الماليين في نتائج الشركات التي يقودها برنارد آرنو، هو نموذج الأعمال المتبع فيها، ومناعتها من فقاعات الإنترنت وشركات التقنية، وصعوبة تقييم قيمة وأصول تلك الشركات محاسبياً ومالياً، فهي تقدم نموذجاً تقليدياً للنموذج الأصلي للأعمال، وأن سر النجاح يعود إلى إدارة وقيادة هادئة تجعل النتائج والأرقام تتحدث عن نفسها، وأن الخبرة التي جاءت نتاج سنوات من العمل لا تتعارض مع عقلية إبداعية، فكل تلك الصفات من الممكن أن تتوفر في شخص واحد.
قصة نجاح برنارد آرنو تُحسب للاقتصاد التقليدي القديم، وتعيد الأمل لمن لا تزال مؤسساتهم تعمل في مجالات التجزئة والتجارة، ولكنها تقدم أيضاً أدلة واضحة على أن القائد التنفيذي لا بد من أن تكون لديه الخطة الواضحة، وأن يمكِّن فريقه التنفيذي المحترف والمهني، ويختار أفضل الكفاءات، ويمنحهم أهم الصلاحيات، ومراقبة الأداء بشكل دقيق.
النجاح لا توجد له طريق مختصرة ومبسطة، ولا وصفة سحرية، وتبقى القصص المثيلة لقصة برنارد آرنو لتذكرنا بذلك.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاقتصاد القديم يتصدر الاقتصاد القديم يتصدر



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
المغرب اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن

GMT 13:22 2024 الخميس ,11 إبريل / نيسان

إنتر ميلان يحدد سعر بديل مبابي

GMT 14:40 2024 الخميس ,11 إبريل / نيسان

نيمار يفلت من غرامة قدرها 3 ملايين دولار

GMT 11:01 2024 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أبرز عيوب مولودة برج العذراء

GMT 00:36 2024 السبت ,06 إبريل / نيسان

يوفنتوس يكشف عنصرية جماهير لاتسيو ضد ماكيني

GMT 16:58 2024 السبت ,10 شباط / فبراير

هواوي تعلن عن سماعات لاسلكية متطورة

GMT 17:46 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

موديلات أحذية يمكن ارتداءها مع الجوارب الضيقة

GMT 13:02 2022 الأحد ,26 حزيران / يونيو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:59 2021 السبت ,31 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 20:39 2021 السبت ,25 أيلول / سبتمبر

فيلم لنبيل عيوش في مهرجان حيفا الإسرائيلي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib