سنة جديدة بين التاريخ والمستقبل

سنة جديدة بين التاريخ والمستقبل!

المغرب اليوم -

سنة جديدة بين التاريخ والمستقبل

حسين شبكشي
بقلم : حسين شبكشي

ودَّع العالم سنة واستقبل سنة جديدة واختلطت بين الحالتين العواطف والمشاعر والأحاسيس.
بين مشاعر جياشة وفياضة تعبر عن مرارة الألم أو الحنين والشجن إلى زمن جميل مضى ولن يعود أو يجود الزمان بمثله مرة أخرى أبداً، وبين أحاسيس هائلة مفعمة بالتفاؤل والأمل بما هو آت في مستقبل الأيام وما قد تحمله من مفاجآت سارة.
علاقة الإنسان بالتاريخ علاقة شائكة ومركبة وبالغة التعقيد، فهو لا يزال يحاول فك شفرات وألغاز وطلاسم الحضارات التي سبقته، وعليه فإنه حتى هذه اللحظة يعد ما وصل إليه من العلم عمّا سبقه من الحضارات والثقافات هو على الأرجح ظنِّيّ الدلالة وليس قطعيَّ الدلالة، ومع تطور العلوم والمعرفة والتقنية تتحسن قدرة الإنسان على معرفة ماضيه وبالتالي الوصول إلى تقدير شبه قطعي لمعرفة ما حصل عبر الأزمنة الماضية.
وعبر الزمان لجأ الإنسان إلى تقديم نظريات ووجهات نظر وآراء لتفسير التاريخ، فوضح أن للتاريخ «دورات»، والتاريخ له سُنن ثابتة ولذلك فهو «يكرر نفسه».
وتوصل الإنسان إلى قناعة أن للتاريخ ذاكرة وسجلاً تسجَّل فيه الأحداث وتدوَّن. وفي ذات الوقت تكونت معه قناعة غير موضوعية وقد تغلبها العاطفة، أن التاريخ الذي مضى بكل تفاصيله هو خير من الحاضر وأفضل من المستقبل. ولكن ظهرت مدارس فكرية تتحدى هذا الرأي وبشدة واقتناع، وتقول إن الإنسان حالياً يعيش أزهى وأفضل عصوره وأيامه، ويتصدر هذه المدرسة الفكرية الكاتب الأميركي المعروف ستيفن بينكر الذي يشدد في كتبه المهمة على أن البشرية تعيش الآن أهم أوقاتها، زمن ازدهرت فيه العلوم وتطور فيه الطب وتحسن التعليم وارتفعت معدلات جودة الحياة بشكل هائل وغير مسبوق، وانخفضت معدلات الجريمة وشهد أطول حقبة سلام عالمية ورخاء اقتصادي طال بقاع العالم، عطفاً على انصهار تقني معلوماتي أذاب الحدود والفواصل والسدود. حقبة انتصرت فيها العلوم والمنطق والإنسانية والتنمية على الخرافات والكراهية والعنصرية والجهل.
وهناك مدرسة أخرى لا تفكر إلا في اللحظة الآنية الحاضرة لأنها على قناعة تامة بأن الماضي رحل ولا يمكننا عمل أي شيء له والمستقبل هو خارج سيطرتنا وتبقى اللحظة الحاضرة التي من الممكن أن يؤثر فيها الإنسان، وأهم من ينتمي لهذه المدرسة الفكرية الكاتب الأميركي المعروف إيكهارت توللي، صاحب كتاب «قوة الآن» الذي يصنَّف كأحد أكثر الكتب مبيعاً وتمت ترجمته إلى أكثر من 35 لغة حول العالم.
وطبعاً يوجد أيضاً من ينتمي إلى مدرسة أخرى معنية بالمستقبل والتفكير به والإعداد له، وهم قلة قليلة لأن عبر الزمان كان ينظر إلى التعامل مع المستقبل على أنه نوع من الهرطقة والزندقة من مختلف رجال الدين والمؤسسات الدينية التي ينتمون إليها لأنهم ببساطة يعدون أي «تعامل» مع المستقبل نوعاً من التنجيم والضرب في الطالع والتدخل في الأقدار.
وكل هذه الأمثلة تجسد وبشكل مبسط ورمزي ولكنه بالغ الدلالة والوضوح، الأزمة المستمرة التي تحيط بالإنسان في تعامله مع الزمان بشتى أوضاعه وفصوله المختلفة. وتتجسد هذه الصورة في مناسبة متكررة في ختام كل سنة والبداية لسنة جديدة أخرى... ما بين مشاعر مليئة بالشجن لما مضى وتفاؤل حذر بما هو آت.
وحسب موقف الإنسان من الزمان سواء أكان تعلقه الشديد بالماضي أو تمسكه الهائل بالمستقبل، ستكون قراراته وخططه وأهدافه وبالتالي سيكون هذا الموقف المسبق شديد التأثير وما ينطبق على الإنسان الفرد ينطبق بطبيعة الحال على المجاميع والشعوب والدول أيضاً.
إن أزمة الإنسانية الآن، وفي كل زمان هي أنها تتقدم في وسائل قدرتها أسرع مما تتقدم في وسائل حكمتها. ولذلك يبقى الصراع الداخلي لدى الإنسان مع الوقت والزمان يحاول أن يسبقه لعلمه بأنه محدود ويندم على ما فات. ولم تكن كوكب الشرق السيدة أم كلثوم على خطأ حينما قالت: «وعايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يا زمان»... كذلك أيضاً كانت على صواب عندما أنشدت قائلة: «قد يكون الغيب حلواً إنما الحاضر أحلى». كل يوم هدية فلنستمتع به... وكل عام وأنتم بألف خير.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سنة جديدة بين التاريخ والمستقبل سنة جديدة بين التاريخ والمستقبل



GMT 19:29 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

ما يملكه الضعفاء

GMT 19:27 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

في الحنين إلى صدّام

GMT 19:22 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

حرب أوكرانيا... واحتمال انتصار الصين!

GMT 19:11 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

إيران أكبر عدو لنفسها

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 08:24 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
المغرب اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 00:24 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

دينا فؤاد تُعلن شرطها للعودة إلى السينما
المغرب اليوم - دينا فؤاد تُعلن شرطها للعودة إلى السينما

GMT 15:40 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 10:44 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع طفيف لأسعار النفط قبل بيانات أمريكية

GMT 10:23 2022 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب يستورد مليون طن من القمح الفرنسي

GMT 14:29 2021 الأربعاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

عزيز أخنوش يشيد بأدوار البرلمانيات في حزب "الأحرار"

GMT 03:55 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأرصاد المصرية تحذر من سقوط أمطار غزيرة خلال الفترة القادمة

GMT 17:35 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

شركة نيسان تكشف عن "ماكسيما 2019" بتحديثات جديدة

GMT 06:55 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

تعرف على بطلة "التسجيل السري" الجديدة لترامب

GMT 14:52 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

الملك محمد السادس ينعى وفاة الدولي السابق حميد العزاز

GMT 19:00 2015 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار ومواصفات مازدا CX5 2016 في المغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib