لا تبسّطوا مشكلة ميليشيا «حزب الله»

لا تبسّطوا مشكلة ميليشيا «حزب الله»

المغرب اليوم -

لا تبسّطوا مشكلة ميليشيا «حزب الله»

نديم قطيش
نديم قطيش

رأيان يتفرعان عن الأزمة اللبنانية الأخيرة مع دول الخليج.

رأي أول، وهو في العموم رأي الحكومات الخليجية المتضررة، يفيد بأن على اللبنانيين أن يتصدوا لهيمنة ميليشيا «حزب الله» على الدولة اللبنانية واختطاف قرارها، وتوظيف البلد ضمن نسق سياسي وأمني وعسكري معادٍ لدول الخليج.

ورأي ثان، هو رأي لبناني عريض مدعوم من عواصم عربية صديقة للخليج، ‏يفيد بأن «حزب الله» مشكلة إقليمية أكبر من قدرة اللبنانيين وحدهم على مواجهتها أو التصدي لها أو إحداث تغيرات ذات معنى في طبيعة توازن القوى السياسية في لبنان.

الرأيان اللذان يبدوان متعارضين تعارضاً شديداً هما في الواقع رأي واحد تتكامل أجزاؤه لتشكل نظرة شاملة لمشكلة «حزب الله» المعقدة. فهما مصيبان معاً، ويمتلك كل منهما، وفقاً للمصالح الموضوعية لصاحب الرأي والظروف المحيطة برأيه، الكثير من المبررات والصحة.

إن أقل ما يمكن أن تطالب به المملكة العربية السعودية ودول الخليج، هو أن تتحمل الدولة اللبنانية، والقوى السياسية اللبنانية الفاعلة، مسؤولية ميليشيا في بلدهم تقوم بكل ما يلزم، بمثابرة شديدة، للاعتداء على أمن الخليج وأهله ومصالحه. كما أن أي اقتراح موضوعي على اللبنانيين بضرورة مواجهة «حزب الله» يجب أن يأخذ في عين الاعتبار حدة الاختلال في ميزان القوى بين الحزب وخصومه.

فـ«حزب الله» هو نتاج معقد للكثير من أزمات لبنان الاجتماعية والسياسية والإقليمية، كما أنه نتاج زلزال هائل في السياسة الإقليمية تمثل بصعود أول دولة مذهبية في الشرق الأوسط الحديث، تعتنق دستورياً فكرة تصدير هذه الثورة المذهبية إلى جوارها والعالم، وليس ظاهرة بسيطة يمكن التعامل معها باقتراحات تبسيطية وكأنه مجرد مجموعة إجرامية تُحتوى ويُحتوى أذاها بالهيبة أو فرض القانون أو اعتماد قواعد العلاقات الدولية البديهية.

العلاقة الجدلية بين هذين الرأيين، وما تسفر عنه من دينامية متوترة تحكم النظر إلى مشكلة «حزب الله» والتفاعل معها، لم تنتج في الواقع إلا سياسات حبلى بكل صنوف الضرر للباحثين عن حل أو تسوية.

فالسعودية الغاضبة بحق، تقود مساراً خليجياً نحو مقاطعة لبنان، وإن كان هذا المسار يواجه حتى الآن بممانعة فرنسية، لا تزال توفر أسباب الحياة لحكومة نجيب ميقاتي، من دون أن تمكنها من الانعقاد أو تضمن لها العمر الطويل... والقائلون بأن مشكلة «حزب الله» هي مشكلة إقليمية ودولية، ينتحلون في معظمهم، صفتي التعقل والحكمة اللتين ينطوي عليهما هذا التقييم، كي يبرروا خضوعهم وعمالتهم لميليشيا إرهابية تحتل لبنان بالكامل، وكي يموهوا ما يقومون به لتمكين «حزب الله» وتجذير استراتيجيته ومن خلفه استراتيجية إيران في المشرق.
إن أي اقتراح لا يجتهد لتجاوز فخ التعارض الوهمي بين هذين الرأيين محكوم بالفشل، ويمتلك كل الأسباب لأن يصير رافداً من روافد الدعم لـ«حزب الله». فلا حلول سهلة لمشكلة معقدة، مهما تم تبسيطها في التصريحات السياسية، أو تذاكى البعض في توفير المبررات لها.

لا بد من الوصول إلى استراتيجية تؤدي إلى عزل وتجريم «حزب الله» ومن يتعاملون ويتواطأون معه، وأول ومداخل هذه الاستراتيجية هو الاقتناع بأننا بإزاء لبنانيَن لا لبنان واحد.
‏أرى أنه من المهم ألا تكون مقاطعة لبنان مقاطعة شاملة لكل ما هو ومن هو لبناني. ففي لبنان فريق سياسي وبيئة شعبية جماهيرية تمتلك موقفاً صلباً ورؤية واضحة حول الطبيعة الاستراتيجية للعلاقات اللبنانية - العربية، لا سيما مع الخليج، ولا مصلحة في خسارة هذا الفريق، في سياق المقاطعة الشاملة للبنان. ثمة لبنان آخر موجود، غير لبنان «حزب الله»، من غير المفيد شموله بالمقاطعة.

وكما اللبنانين، بالمعنى السياسي العام، هناك جاليتان في الخليج، من غير المنطقي شمولهما معاً في الحماية والتكريم والترفع عن عدم زجهما بتبعات احتلال «حزب الله» للبنان. لا وصفة واحدة للعزل، ولا وصفة واحدة للحماية.

فالحماية مطلوبة للجالية اللبنانية الصديقة في الخليج، وهي من كل المذاهب، بقدر ما هو مطلوب معاقبة من يناصرون «حزب الله» أو يساهمون في تمكينه وهم من كل المذاهب، ‏في ضوء وقائع موضوعية مثبتة وأدلة. غير ذلك ينتهي الأمر بمعاقبة اللبناني المقيم في وطنه وحماية اللبناني المغترب من دون أي تمايز موضوعي.

‏ودعونا هنا لا نخدع أنفسنا. الأمثلة كثيرة على «اللبناني السيئ»، وبينهم من كان من كبار رجال الأعمال في الرياض وأبوظبي ودبي، ثم صار وزيراً أو نائباً أو سفيراً أو فاعلاً في لبنان في كنف المجموعة السياسية الواسعة التي يقودها «حزب الله» من دون أي ذرة من ذرات التمايز عن سياسات الحزب.

هذا النموذج هو ما ينبغي كسره في عيون اللبنانيين قبل غيرهم كي لا يظلوا على فكرة أنك يمكن أن تكون مع الخليج في الخليج وخصماً للخليج خارجه.
أما لناحية العلاقة بالدولة اللبنانية، فليس أسهل من تجريم أي علاقة بـ«حزب الله» بغية تشديد عزله وتحويله إلى عنوان ينأى الجميع عنه. يجب أن يفهم اللبنانيون أن أي علاقة بـ«حزب الله» تعني أنهم جزء من «حزب الله»، من دون أي تمايزات تذكر. فكما تطمح السطور السابقة لتعطيل جزئية العقاب الشامل في الرأي الأول الذي يدعو اللبنانيين لمواجهة «حزب الله»، تطمح هذه الفكرة إلى تعطيل جزئية استسهال بعض اللبنانيين فكرة تمكين «حزب الله» تحت عنوان التعامل مع الأمر الواقع وحماية السلم الأهلي.

لقد امتهن الكثير من الشخصيات والقوى السياسية اللبنانية الاستثمار غير المشروع في السلم الأهلي. هؤلاء ممن يتسللون تحت عنوان الواقعية السياسية والوحدة الوطنية وغيرها، ليشكلوا الرافعات السياسية الأخطر لـ«حزب الله» ويحترفون تبييض سمعته، هم من يجب أن تستهدفهم المقاطعة العلنية.

أخيراً، ولأن مشكلة «حزب الله» هي مشكلة إقليمية دولية بقدر ما هي مشكلة لبنان واللبنانيين؛ يبدو لي أن ثمة مسؤولية عربية لتكوين لوبي دولي يعمل بجد ومثابرة، ويوظف كل ما يمتلكه من مقدرات، لتكثيف وتضخيم الضغط العربي والأوروبي والدولي على «حزب الله»، كإدراج الحزب بكامله على لوائح الإرهاب، وتعطيل الانتهازية الأوروبية، التي لا تزال تميز بين جناحي «حزب الله» السياسي والعسكري.

نحن بإزاء مشكلة معقدة تتطلب حلولاًمعقدة. أما التبسيط في الأمور غير البسيطة، فشأن شديد الخطورة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تبسّطوا مشكلة ميليشيا «حزب الله» لا تبسّطوا مشكلة ميليشيا «حزب الله»



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 02:25 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نصائح لجعل المنزل أكثر راحة وهدوء
المغرب اليوم - نصائح لجعل المنزل أكثر راحة وهدوء

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يعادل رقماً تاريخياً في الدوري الإنكليزي

GMT 23:21 2021 الأحد ,05 أيلول / سبتمبر

أفضل فنادق شهر العسل في سويسرا 2021

GMT 01:18 2021 السبت ,24 تموز / يوليو

صارع دبا لمدة أسبوع وصدفة أنقذت حياته

GMT 04:34 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

سلاف فواخرجي تنعي المخرج شوقي الماجري عبر "إنستغرام"

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

الآثار المصرية تنقل 4 قطع ضخمة إلى "المتحف الكبير"

GMT 17:46 2014 السبت ,14 حزيران / يونيو

"سابك" تنتج يوريا تزيد كفاءة محركات الديزل

GMT 15:11 2012 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

البيئة النظيفة.. من حقوق المواطنة

GMT 19:42 2014 الثلاثاء ,26 آب / أغسطس

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها الذكي LG G3

GMT 04:38 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مارغريت ريدلمان تُشير إلى أسباب الصداع الجنسي

GMT 15:33 2022 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق لإضفاء المساحة على غرفة الطعام وجعلها أكبر

GMT 15:10 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات أنيقة وراقية للنجمة هند صبري

GMT 11:44 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مذهلة لزينة طاولات زفاف من وحي الطبيعة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib