ولماذا لا تنسحب أميركا من أفغانستان

ولماذا لا تنسحب أميركا من أفغانستان؟

المغرب اليوم -

ولماذا لا تنسحب أميركا من أفغانستان

نديم قطيش
بقلم : نديم قطيش

هل يعقل أن تنسحب أميركا من أفغانستان؟ هيمن هذا السؤال على الجزء الأكبر من ردة الفعل السياسية والإعلامية على مشاهد الانسحاب الأميركي من أفغانستان متبوعة بمشاهد التقدم السريع والساحق لـ«طالبان»، وصولاً إلى العاصمة كابول ومغادرة الرئيس أشرف غني البلاد.

السؤال شبه الغائب عن النقاش رغم مشروعيته هو: «لماذا لا تنسحب أميركا من أفغانستان؟». هنا ثلاث وقائع أميركية.

1 - تعد حربا العراق وأفغانستان من الحروب الأكثر تكلفة في التاريخ، وقد بلغت تكلفة الحربين ما يفوق 2 تريليون دولار (الرقم لا يغطي أفغانستان وحدها كما هو شائع)، وهي أموال مُستدانة بالكامل على عكس كل الحروب التي خاضتها واشنطن في تاريخها وكانت تمولها، إما من سندات مخصصة للحرب، أو من ضرائب تصمم خصيصاً لتوفير عائدات تدعم المجهود الحربي. ومن المتوقع أن تبلغ تكاليف خدمة الدين هذه عام 2050 نحو 6.5 تريليون دولار... لماذا لا توقف أميركا حرباً بهده التكلفة أياً تكون نتائج الحرب في هذه اللحظة أو تعريفات النصر والهزيمة؟
2 - إنهاء الحرب في أفغانستان يحظى بشعبية كاسحة نادرة في أميركا اليوم، التي تعاني من شتى أنواع الانقسامات السياسية والاجتماعية حول كل القضايا تقريباً، من ارتداء الكمامات وصولاً إلى عمق الانقسامات الإثنية والعرقية التي تهدد وحدة الهوية الوطنية الأميركية. لماذا لا يوقف أي رئيس أميركي حرباً يحظى قرار إنهائها بهذه الشعبية؟

3 - إلى جانب شبه الإجماع الشعبي، يحظى قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان بقبول لدى عموم النخبة السياسية في واشنطن. ويعد قرار الانسحاب من السياساتالنادرة التي واظب عليها الرئيس جو بايدن من السياسات الموروثة عن سلفه دونالد ترمب. أما المزايدات السياسية في واشنطن اليوم من بعض الأصوات الجمهورية ضد قرار بايدن، فهي جزء من لعبة النفاق السياسي الكلاسيكي في العاصمة الأميركية، لا سيما أن ترمب لم يجد ما ينتقده في قرار الانسحاب إلا «طريقة الانسحاب»، التي رأى أن هناك ما هو أفضل منها بكثير. فلماذا لا ينسحب رئيس أميركي من حرب يوافقه خصومه على الانسحاب منها قبل حلفائه؟

هذه وقائع أميركية بديهية ينبغي وحدها أن تبدد الكثير من العجب الذي رافقردود الفعل على قرار بايدن، قبل الدخول في نقاش النتائج المترتبة على القرار.

المربك في قراءة النتائج أننا أمام رئيس أميركي تتراوح سمعته بين قطبين:
هو أولاً الرئيس الأكثر خبرة في السياسة الخارجية وملفاتها منذ الرئيس الراحل جورج بوش الأب، نتيجة عمله الطويل في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، وإيفاده إلى عدد لا يحصى من الصراعات والأزمات حول العالم، وحزمة لقاءاته شديدة الثراء مع قادة وفاعلين في معظم قضايا النزاعات في الكون.
بيد أنه، ثانياً، حسب وزير الدفاع بوب غايتس، الذي خدم في إدارتي الجمهوري جورج بوش الابن والديمقراطي باراك أوباما، صاحب «الخيارات الخاطئة، في مجمل ملفات السياسة الخارجية والأمن القومي، التي تعاطى معها طوال العقود الأربعة الفائتة».

وبالفعل يأخذ مراقبو السياسة الخارجية الأميركية على بايدن أنه عارض عملية «عاصفة الصحراء» لإخراج صدام حسين من الكويت، رغم أنها كانت واحدة من أنجح وأوضح التدخلات العسكرية الأميركية في تاريخ الولايات المتحدة. وصوت لصالح حرب إطاحة صدام حسين عام 2003، وهي الحرب الأكثر إشكالية في التاريخ الأميركي، بمقدماتها وسياقاتها ونتائجها. كما أنه صاحب أكثر الأفكار إثارة للجدل حول العراق، لا سيما فكرته عن تقسيم البلاد إلى كيانات ثلاث سنية وشيعية وكردية.

المربك أكثر في قرار بايدن، أنه من غير المعروف تماماً ما إذا كان هذا القرار جزءاً من سياسة أميركية واضحة، أم قرار ميداني اتخذ لأسباب آيديولوجية عند الحزب الديمقراطي الذي باتت تهيمن عليه سرديات يسار واشنطن والتي يقوم عصبها على مرتكزين... تكبير دور الدولة المدنية في إدارة السياسة والمجتمع بانكفاء داخلي، وتقليص الملمح العسكري في شخصية الدولة الأميركية.

لعل التشبيه الأبرز الذي مر على القارئ خلال الأيام الماضية، هو المقارنة التي غزت العالم بين صورة مغادرة طوافة أميركية عن سطح مبنى كانت تستخدمه وكالة الاستخبارات المركزية في سايغون فيتنام (وليس السفارة الأميركية كما هو شائع) وصورة مماثلة عن سطح مبنى في كابل أفغانستان اليوم. بيد أن القاصر في هذه المقاربة هو أن أميركا خسرت سايغون لتعود وتربح فيتنام، وخسرت معركة فيتنام عام 1975 لتعود وتربح الحرب الباردة عام 1989 وتنهي الاتحاد السوفياتي برمته، لا ربيبه الشيوعي في آسيا وحسب!
لست متأكداً من أننا أمام شيء مشابه الآن. لكن بعض ملامح ردود الفعل على قرار واشنطن شديدة الدلالة. عتاة المعترضين على الإمبريالية الأميركية كانوا أول المعترضين على قرار الانسحاب أو المتخوفين منه ولو ضمناً!! وصفته الصين على لسان معلقين ناطقين باسم النظام وفي وكالات إعلامه الرسمية بأنه قرار «غير مسؤول». تخشى الصين من البعد العقائدي الإسلامي لـ«طالبان»، إذا ما قررت الأخيرة مواجهة الصين بسبب سجلها ضد الأقلية المسلمة الانفصالية في إقليم كسينغيانغ. كما تخشى الصين على استقرار البيئة الآسيوية الحاضنة، لا سيما في أفغانستان وباكستان، لمشاريع «مبادرة الحزام والطريق» أو مشروع «طريق الحرير الجديد» الذي يعد أهم عناصر السياسة الخارجية الصينية منذ نحو عقد. وقد هيمنت هذه العناوين على المباحثات الأخيرة بين وزير الخارجية الصيني وممثلي «طالبان».

أما إيران فكعادتها خبأت مخاوفها خلف لغة انتصارية ترحب «بخروج أميركا» من المنطقة، رغم أنه كان لإيران دور أساسي في التعاون مع واشنطن لإسقاط نظام «طالبان» عبر التحالف الذي عقدته بين واشنطن الغازية وبين ميليشيات تحالف الشمال الأفغاني، وهي تخشى اليوم من سيطرة نظام سني متشدد على بلد تتشارك معه حوالي 1000 كلم من الحدود البرية، ويضم أقلية شيعية تشكل15 في المائة من تعداد السكان. لذلك سارعت إيران قبل أشهر لاستضافة حوارات مباشرة مع «طالبان» حول هذه العناوين، ولو تحت غطاء التقريب بين وجهات نظر المكونات الأفغانية. كما أن الصين تعد إيران من أكبر المستفيدين من الوجود الأميركي في أفغانستان منذ عام 2001، ولكليهما مصالح مشتركة مع واشنطن وبقائها في هذا البلد. بيد أن أميركا بقرارها الانسحاب تؤثر أن يدفع تكاليف الاستقرار من هم مستفيدون منه مباشرة، وهم في هذه الحالة، «طالبان» وإيران والصين وإلى حد ما روسيا.

على هذه الأطراف أن تجد سبلاً للتفاهم لحماية مصالحها، أو أن تعاني من تبعات اللا - استقرار. وفي الحالتين خلقت واشنطن ملفات ضغط حقيقية وضعتها على كاهل الإيرانيين والصينيين والروس و«طالبان»، في لحظة احتدام صراعها مع الجميع... ونأت بنفسها عن أن تكون أسيرة ابتزاز الآخرين لها ميدانياً وسياسياً. قد تتأثر، على المدى القصير، ثقة حلفاء واشنطن بها بالتأكيد بعد قرار الانسحاب، لكن على المدى الأطول لا غنى لأحد عن أميركا... مرة أخرى وللذكرى... واشنطن غادرت سايغون لكنها ربحت فيتنام... مجرد اقتراح آخر للمقارنة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ولماذا لا تنسحب أميركا من أفغانستان ولماذا لا تنسحب أميركا من أفغانستان



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 02:25 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نصائح لجعل المنزل أكثر راحة وهدوء
المغرب اليوم - نصائح لجعل المنزل أكثر راحة وهدوء

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يعادل رقماً تاريخياً في الدوري الإنكليزي

GMT 23:21 2021 الأحد ,05 أيلول / سبتمبر

أفضل فنادق شهر العسل في سويسرا 2021

GMT 01:18 2021 السبت ,24 تموز / يوليو

صارع دبا لمدة أسبوع وصدفة أنقذت حياته

GMT 04:34 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

سلاف فواخرجي تنعي المخرج شوقي الماجري عبر "إنستغرام"

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

الآثار المصرية تنقل 4 قطع ضخمة إلى "المتحف الكبير"

GMT 17:46 2014 السبت ,14 حزيران / يونيو

"سابك" تنتج يوريا تزيد كفاءة محركات الديزل

GMT 15:11 2012 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

البيئة النظيفة.. من حقوق المواطنة

GMT 19:42 2014 الثلاثاء ,26 آب / أغسطس

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها الذكي LG G3

GMT 04:38 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مارغريت ريدلمان تُشير إلى أسباب الصداع الجنسي

GMT 15:33 2022 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق لإضفاء المساحة على غرفة الطعام وجعلها أكبر

GMT 15:10 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات أنيقة وراقية للنجمة هند صبري

GMT 11:44 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مذهلة لزينة طاولات زفاف من وحي الطبيعة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib