رئاسة بايدن المترنحة

رئاسة بايدن المترنحة

المغرب اليوم -

رئاسة بايدن المترنحة

عثمان ميرغني
بقلم :عثمان ميرغني

يبدو أن ما كان يدور همساً في دهاليز واشنطن بدأ يخرج إلى العلن بوتيرة متسارعة. الديمقراطيون يشعرون بالإحباط من إدارة جو بايدن، ويتساءلون عن مستقبل الرئيس الذي بات كثيرون يرون أنه يجب ألا يترشح مجدداً للرئاسة في انتخابات 2024.

صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت تقريراً موسعاً استندت فيه إلى مقابلات قالت، إنها أجرتها مع العشرات من المسؤولين الديمقراطيين المحبطين، وأعضاء في الكونغرس، وناخبين أعربوا عن شكوكهم في قدرة الرئيس على إنقاذ الحزب ونقل المعركة إلى الجمهوريين في انتخابات الكونغرس النصفية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ناهيك عن الفوز في انتخابات الرئاسة عام 2024.
بايدن كان قد انتُخب على أساس خبرته وسجله الطويل في العمل السياسي، ووعده بالعمل على توحيد أميركا بعد اتساع شقة الانقسام إبان فترة سلفه الرئيس دونالد ترمب. كثيرون رأوا فيه شخصية صقلتها التجارب السياسية والمآسي الشخصية، والنقيض تماماً للرئيس المثير للجدل ترمب. لكن الصورة تبدو مختلفة تماماً اليوم؛ إذ تدنت شعبيته إلى أدنى مستوياتها، وسجلت استطلاعات الرأي، أن نحو 53 في المائة من الأميركيين فقدوا الثقة به، وغير راضين عن أدائه.
حتى في أوساط حزبه ظهر التململ بعد إخفاقه في تمرير مشاريع أساسية في برنامجه عبر الكونغرس. ومع تردي شعبيته وسط الناخبين تزايدت الشكوك في قدرته على قيادة الحزب لتلافي هزيمة تبدو متوقعة في الانتخابات النصفية للكونغرس، وهو ما يعني القضاء تماماً على فرصه في تمرير خططه ومشروعاته، ويعزز التيار الداعي إلى إقناعه بعدم الترشح في عام 2024. وحتى لو حدث أمر ما يقلب المشهد، ويمنح الديمقراطيين أملاً في الانتخابات النصفية، فإن الشكوك حول الرئيس ستبقى، والتيار الداعي لعدم ترشحه في 2024 لن يصمت.
نجاح الجمهوريين في السيطرة على الكونغرس بمجلسيه، لن يشل الإدارة فحسب، بل سيفتح الباب أمام أنصار ترمب الذين يريدون فتح تحقيقات لمحاكمة بايدن، والانتقام من الديمقراطيين على ملاحقتهم للرئيس السابق، وبالتالي إضعافهم قبل انتخابات الرئاسة المقبلة في 2024.
الغريب أن بايدن كان قد صرح مراراً إبان معركة اختيار مرشح الديمقراطيين لانتخابات 2020 بأنه لن يخدم أكثر من دورة واحدة لو انتخب للرئاسة؛ وذلك بسبب ما كان يثار حول عمره. لكنه بعد جلوسه على كرسي الرئاسة في المكتب البيضاوي عدل موقفه وبات يتحدث عن تطلعه لدورة رئاسية ثانية. إنه إغواء السلطة الذي قال عنه الرئيس الأسبق باراك أوباما، إنه وبعد أن جرب جاذبية الرئاسة بات يفهم لماذا وضع الآباء المؤسسون نصاً في الدستور يمنع الرئيس من شغل المنصب أكثر من دورتين.
بالنسبة لبايدن، فإن عامل السن سيكون محور تساؤلات أكثر مما سبق لو صمم على إعادة ترشيح نفسه للرئاسة. فعمره عندما يحل موعد انتخابات الرئاسة المقبلة في 2024 سيكون أقل من 82 عاماً ببضعة أيام. وهناك شكوك أيضاً حول صحته بسبب سهوه وتلعثمه، وسقوطه المتكرر، سواء على سلم الطائرة أم من دراجته الهوائية على مرأى وسائل الإعلام.
الأمر الآخر، أنه عُرف بزلات اللسان الكثيرة منذ أن كان عضواً في الكونغرس، وكان مساعدوه دائماً يخشون من ورطات قد يوقعه لسانه فيها. ومنذ توليه الرئاسة أدلى مرات عدة بتصريحات أحدثت حرجاً دبلوماسياً، بل وناقضت سياسات ومواقف معلنة للإدارة؛ مما اضطر موظفوه في البيت الأبيض، أو مسؤولو الخارجية إلى تصحيحها.
ولم يفت على الصحافيين أن بايدن يتفادى المقابلات الصحافية المنفردة ربما بنصيحة من مستشاريه خوفاً من المطبات وزلات اللسان. فهو حتى الآن يعد أقل رئيس يدلي بمقابلات صحافية منفردة، مقارنة بأسلافه من الديمقراطيين مثل باراك أوباما وبيل كلينتون، أو من الجمهوريين مثل جورج بوش الابن أو حتى دونالد ترمب الذي كان على عداء مع معظم وسائل الإعلام الكبرى.
ماذا بعد؟
إلى جانب ما سبق، فإن أكثر ما يؤذي بايدن هو الانطباع بأنه رئيس ضعيف. فبينما يقول أنصاره، إنه يتريث في قراراته ويوزن الأمور بميزان دقيق، ونجح في قيادة أميركا في أوقات عصيبة، بدءاً من جائحة «كورونا» وتداعياتها الاقتصادية، مروراً بحرب أوكرانيا وعودة أجواء الحرب الباردة، يرى منتقدوه أن قيادته الضعيفة، وافتقار إدارته إلى استراتيجية واضحة في السياسة الخارجية، أديا إلى إضعاف تأثير الولايات المتحدة على المسرح العالمي، بل وشجعا خصومها على محاولة مد نفوذهم على حساب المصالح الأميركية.
الانسحاب الفوضوي من أفغانستان كان بلا شك نقطة متدنية في العام الأول من رئاسة بايدن، وعرّض إدارته لانتقادات واسعة في الداخل والخارج، وجعل أميركا تبدو في موقف الطرف الضعيف بعد الانهيار السريع للحكومة الأفغانية وسيطرة حركة «طالبان» على البلاد في غضون أسابيع. العالم كان ينظر مذهولاً إلى مشاهد الأفغان الذين يركضون في المدرجات وراء الطائرات، ويتسلقون على أجنحتها وإطاراتها في محاولة يائسة للهروب، ويسقطون إلى حتفهم من الجو.
استطلاعات الرأي تقول، إن «كورونا»، وليس الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، كان في الواقع بداية مشاكل بايدن وتدني نسبة التأييد له. فعلى الرغم من أن إدارته حققت نجاحاً في بداية الجائحة من خلال دعم إنتاج اللقاحات ثم توزيعها، وكذلك من خلال حزمة المساعدات المالية، لكنها انتكست بعد ذلك بسبب متحور «دلتا» ثم «أوميكرون»؛ إذ عادت أرقام الإصابات إلى الارتفاع بشكل كبير. أضف إلى ذلك، أن الجائحة أحدثت انقساماً كبيراً مع وجود عدد كبير من الأميركيين الرافضين للقاحات والمتبنين لنظريات المؤامرة.
مشاكل الاقتصاد الناجمة عن تداعيات الجائحة ثم حرب أوكرانيا فاقمت الوضع وزادت الإحباط من بايدن؛ إذ عبّر 62 في المائة من الأميركيين عن استيائهم من تعامل الإدارة مع الأزمة الاقتصادية، بعد ارتفاع نسبة التضخم إلى أعلى مستوى منذ 40 عاماً؛ ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية والوقود وتكلفة المعيشة عموماً.
هناك قضايا أخرى داخلية تساهم في زيادة الاستياء وسط قطاعات مختلفة إزاء إدارة بايدن؛ مثل ارتفاع نسبة الجريمة، وتعامل الشرطة مع الأقليات، لا سيما الأميركيين من جذور أفريقية، وموضوع الهجرة.
المشهد لا يبدو مشجعاً للديمقراطيين قبل الانتخابات النصفية للكونغرس في نوفمبر المقبل والتي قد تقلب موازين القوة تماماً وتجعل بايدن بطة عرجاء بقية فترته الرئاسية.
ستيف سيمونيديس، عضو اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، وضع إصبعه على جرح الديمقراطيين بصراحة «أن نقول إن بلدنا يسير على الطريق الصحيحة، سيكون بمثابة مفارقة صارخة عن الواقع». لهذا السبب لم تعد المطالبة بقيادة جديدة وجريئة تقود الحزب في السباق الرئاسي عام 2024، مجرد همس خافت يدور في دهاليز واشنطن، بل خرجت إلى العلن وسط قطاعات مقدرة من الديمقراطيين المحبطين.
وما لم يحدث تغيير في استراتيجية الحزب تمكنه من استعادة ثقة الناخبين، ولم يعدل بايدن من موقفه بشأن الترشح لولاية ثانية، فإن الديمقراطيين ورئيسهم يتجهون، في نظر الكثيرين، نحو هزيمة شبه محققة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رئاسة بايدن المترنحة رئاسة بايدن المترنحة



GMT 10:54 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

«مسار إجبارى».. داش وعصام قادمان!!

GMT 10:52 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

الفوازير و«أستيكة» التوك توك

GMT 10:49 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

الأخلاقى والفنى أمامنا

GMT 10:47 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

ذكرى عودة طابا!

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:26 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أمن أكادير يٌعلن توقيف 5 أشخاص بسبب ترويج المخدرات
المغرب اليوم - أمن أكادير يٌعلن توقيف 5 أشخاص بسبب ترويج المخدرات

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

النوم الجيد يطيل حياة الإنسان ويضيف سنوات لعمره
المغرب اليوم - النوم الجيد يطيل حياة الإنسان ويضيف سنوات لعمره

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يعادل رقماً تاريخياً في الدوري الإنكليزي

GMT 23:21 2021 الأحد ,05 أيلول / سبتمبر

أفضل فنادق شهر العسل في سويسرا 2021

GMT 01:18 2021 السبت ,24 تموز / يوليو

صارع دبا لمدة أسبوع وصدفة أنقذت حياته

GMT 04:34 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

سلاف فواخرجي تنعي المخرج شوقي الماجري عبر "إنستغرام"

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

الآثار المصرية تنقل 4 قطع ضخمة إلى "المتحف الكبير"

GMT 17:46 2014 السبت ,14 حزيران / يونيو

"سابك" تنتج يوريا تزيد كفاءة محركات الديزل

GMT 15:11 2012 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

البيئة النظيفة.. من حقوق المواطنة

GMT 19:42 2014 الثلاثاء ,26 آب / أغسطس

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها الذكي LG G3

GMT 04:38 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مارغريت ريدلمان تُشير إلى أسباب الصداع الجنسي

GMT 15:33 2022 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق لإضفاء المساحة على غرفة الطعام وجعلها أكبر

GMT 15:10 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات أنيقة وراقية للنجمة هند صبري

GMT 11:44 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مذهلة لزينة طاولات زفاف من وحي الطبيعة

GMT 07:11 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

3 نصائح للرجال لاختيار لون ربطة العنق المناسب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib