كيف نُعيد حجر رشيد إلى مصر

كيف نُعيد حجر رشيد إلى مصر؟

المغرب اليوم -

كيف نُعيد حجر رشيد إلى مصر

زاهي حواس
بقلم : زاهي حواس

لا تزال أصداء خطاب المطالبة بعودة حجر رشيد من المتحف البريطانى، وسقف الأبراج السماوية المعروف بزودياك دندرة من متحف اللوفر، والذى قمت بنشره على الإنترنت ومطالبة كل الشرفاء في العالم بالتوقيع عليه، تهز العالم كله، خاصة الأوساط الثقافية. وعادت مرة أخرى قضية الآثار المنهوبة من الدول والشعوب أثناء العصر الاستعمارى الأخير على طاولة المناقشات والحوار بالجامعات والمراكز الثقافية. والغريب أن نجد في بلدنا مَن يخرج علينا ويقول إن الحملة التي يقوم بها زاهى حواس لاستعادة حجر رشيد لا جدوى ولا فائدة منها!، رغم أن هذا الشخص نفسه قام بعمل وثيقة وقّع عليها ٤٠٠ طالب. أنا لا أكتب هنا للهجوم على هذا الشخص أو على غيره، ولكن يجب أن نفهم حقيقة حملة المطالبة بعودة حجر رشيد التي أقوم بها، ومدى أهميتها وفائدتها لنا كمصريين. وهناك وثيقتان الأولى شعبية، وهى الوثيقة التي وقّع عليها العديد من المصريين والأجانب من مختلف الدول في إيطاليا وأمريكا وإنجلترا وفرنسا وكندا وغيرها من البلدان الأخرى، والمقصود بها خلق ضغط شعبى على المتحف البريطانى.

والوثيقة الثانية التي تمت بالاتفاق مع المحامية جيهان الحسينى، وهى مستشارة قانونية بريطانية من أصل مصرى، ومقيمة في بريطانيا. وقد تواصلت معها، وأصدرنا البيان التالى: استكمالًا لحملتنا الشعبية لاسترداد آثارنا المصرية، وفى مقدمتها حجر رشيد من المتحف البريطانى، أعدنا توجيه الحملة وإطلاقها للمطالبة باسترداد الأثر المصرى من بريطانيا، وذلك بأن قامت المستشارة جيهان الحسينى، وهى مستشارة قانونية من أصل مصرى، مقيمة في بريطانيا، بتقديم عريضة قانونية للبرلمان البريطانى تطالبه بمناقشة تعديل القانون الخاص باسترداد الآثار من بريطانيا، وذلك وفقًا للخطوات المتبعة برلمانيًّا.

.. وقد تم قبول العريضة من جانب البرلمان، وذلك في السادس من شهر فبراير الماضى، ويتم نشرها على الموقع الرسمى الخاص به لجمع التوقيعات عليها، حيث إن المتبع قانونًا ألا يناقش البرلمان أي طلب لتعديل القانون إلا إذا كان مقدمًا من أحد أعضائه أو من خلال عريضة تحمل توقيع مائة ألف مواطن يحملون الجنسية البريطانية أو الإقامة الدائمة في بريطانيا.

إن السبيل الوحيد لاسترداد آثارنا هو تعديل القانون البريطانى الخاص باسترداد الآثار، والذى يمنع إدارة المتحف البريطانى من الاستجابة لأى طلب من الدول الأخرى لاسترداد آثارها التي تم أخذها بدون وجه حق أو بطريقة غير شرعية. وحتى تكون هناك فرصة لمناقشة تعديل القانون في البرلمان، لابد أن تحمل العريضة توقيع مائة ألف بريطانى. ومن هنا أصر على استمرار ونجاح حملتنا الشعبية لاسترداد آثارنا المصرية، وفى مقدمتها حجر رشيد من المتحف البريطانى.

لا تزال أمامنا فرصة، ونناشد جميع المواطنين المصريين والعرب الذين يحملون الجنسية البريطانية أو الإقامة

الدائمة في بريطانيا التوقيع على العريضة، وهذا هو الرابط الخاص بها

https://petition.parliament.uk/petitions/632459

‏ونود أن نؤكد لجميع الإخوة المصريين والعرب بإنجلترا أن التوقيع لا يأخذ أكثر من دقيقتين.. مجرد الضغط على الرابط (لينك)، وعند دخولك على صفحة البرلمان تكتب اسمك وبريدك الإلكترونى (الإيميل)، ثم يتم إرسال رسالة إلى بريدك الإلكترونى (الإيميل) لكى تضغط على الرابط الموجود بالإيميل. إن قيمة توقيعك على الوثيقة أكبر بكثير مما تتصور!، فهو يسهم في استرداد أثر مصرى مهم، وهو حجر رشيد، أيقونة من حضارتنا وتاريخنا. إننا في الحقيقة أمام تحدٍّ لمعرفة مدى ثقل تأثير الشعب البريطانى ذوى الأصول العربية.

‏هذا هو ما نشرناه وسوف نُعيد نشره، ومن الجميل أن العديد من الإعلاميين المصريين قد اهتموا بهذا الموضوع، ومنهم الإعلامى اللامع عمرو أديب، والإعلامى الجميل سيد على. ونحن نتوقع قريبًا أن يكتمل العدد المطلوب، ونستطيع تحريك قضية استرداد آثارنا المنهوبة.

‏اتصلت بى الدكتورة ليلى تكلا، وقالت لى إن سمير تكلا، مواطن مصرى يعيش في لندن، وهو شخص معروف أيضًا من المصريين، وإنه على صلة بالعديد من أعضاء مجلس العموم البريطانى، وإنه سوف يطالب أحد الأعضاء بتقديم طلب تغيير القانون. هذا بالفعل نموذج مشرف لأناس يعملون في صمت ودون صخب من أجل مصلحة أوطانهم، وأنا مدرك جيدًا أنهم يفعلون ذلك من منطلق إيمانهم بعدالة قضيتنا وحقنا الأصيل في إزالة كل صور وأشكال الاستعمار، التي لا تزال موجودة ونعانى منها إلى يومنا هذا بدليل وجود آلاف القطع والكنوز الأثرية بمتاحف الدول الاستعمارية.

أعتقد أن هناك ضرورة لتكاتف الجميع نحو عودة آثارنا المنهوبة، وهذا يتطلب أن يبتعد عن المشهد هواة الشهرة والبحث عما يطلقون عليه الترند!. لقد تقابلت منذ أسابيع مع فوج سياحى من دولة بيرو، وقد فوجئت بأعضاء الفوج يسألوننى: «هل ستستطيع أن تُعيد حجر رشيد، مثلما أعدت لنا من قبل آثارًا من حضارتنا ماتسوبيتشو من الولايات المتحدة الأمريكية؟!، إننا نود معرفة معلومات أكثر عن حجر رشيد».

‏أما حكاية عودة آثار بيرو فقد جاء إلى مصر وزير خارجية بيرو، وطلب أن يقابلنى، وعرض علىَّ قصة لطيفة، وقال إنه منذ سنوات طويلة أرسلنا الكثير من القطع الأثرية المهمة التي خرجت من المنطقة الأثرية الشهيرة ماتسوبيتشو على سبيل الإعارة إلى جامعة ييل الأمريكية، وذلك نظرًا لأنهم قاموا بالحفر في هذا الموقع. بعد ذلك أرسلنا نطلب إعادة الآثار إلى بيرو، ففوجئنا بهم في «ييل» يرفضون عودة هذه الآثار، وكررنا الطلب أكثر من مرة، حتى وصل بهم الحال إلى أنهم لا يردون علينا!، وقال: أعرف أن لديك باعًا طويلًا في عودة آثاركم، ‏فهل يمكن أن تساعدنا؟، فقلت له: هذا الموضوع سهل للغاية، ويجب أن تنفذ ما أقوله لك بالحرف الواحد بمجرد عودتك إلى بيرو، اطلب من مدير مكتبك أن يعلن أن وزير الخارجية سوف يعقد مؤتمرًا صحفيًّا غدًا، وذلك للإعلان أن حكومة بيرو سوف تقوم برفع قضية ضد رئيس جامعة ييل، ويجب أن يُكتب الاسم، وذلك لرفض الجامعة عودة الآثار التي تمت استعارتها. وتعلن أن القضية سوف تُرفع في «ييل»، حيث توجد الجامعة. وقلت له إن رؤساء الجامعات في أمريكا يخافون جدًّا من أن ترفع دولة أجنبية قضية ضدهم، مما يسىء إلى تاريخهم العلمى. ولذلك قبل أن تعقد المؤتمر الصحفى سوف يتصل بك رئيس الجامعة، وسوف يُعيد إليك الآثار التي استعارها، وفعلا عاد الوزير إلى بلاده، وقام بتنفيذ ما قلت له بالحرف الواحد. وفعلًا اتصل به رئيس الجامعة، وعادت الآثار، وبعد ذلك أرسل لى الرئيس جارسيه خطابًا يطلب تكريمى، وذهبت إلى بيرو، وإقاموا لى احتفالًا ضخمًا في القصر الجمهورى، حيث تم منحى أعلى وسام هناك، وهو وسام الشمس المشرقة.

أما عن قصة حجر رشيد فتعود إلى مجىء نابليون بحملته إلى مصر، في يوم ١٩ مايو ١٧٩٨. ولم يكن يعرف أن هذه الحملة سوف تفيد تاريخ وحضارة مصر، فبالرغم من فشلها عسكريًّا، فإنها فتحت بابًا لمعرفة حضارة مصر، الذي كان مغلقًا بطلاسم، وذلك عن طريق تسجيل آثار مصر، وفى نفس الوقت كان علماء الحملة قد جمعوا آلاف القطع الأثرية. لكن معاهدة الاستسلام بين الفرنسيين والإنجليز، والتى وقعها الجنرال مينو في الإسكندرية، كان من بنودها تسليم الآثار التي بحوزة الحملة، ومن ضمنها حجر رشيد إلى الإنجليز، وبالتالى ذهبت إلى المتحف البريطانى. كان الفرنسيون لديهم الإحساس بأهمية هذا الحجر، لذلك أرسلوه إلى المجمع العلمى الذي أنشأه هناك نابليون، وهناك قاموا بعمل نسخ من الحجر، وبعد ذلك قام العديد من العلماء بمحاولة حل رموز هذا الحجر. وفى النهاية استطاع شامبليون أن يحل طلاسم حجر رشيد الذي عُثر عليه في قلعة رشيد، واتضح للعلماء في البداية وهم يقرأون الجزء السفلى من الحجر، والمكتوب باللغة اليونانية، أنه مرسوم من الملك بطليموس الخامس، وقد صدر في عام ١٥٦ ق.م، لصالح كهنة كانوب المصريين ليحدد لهم الإعفاءات والهِبَات التي وهبها الملك بطليموس للكهنة. وصدر القرار الملكى بأن يُكتب هذا الرسوم بالكتابة المقدسة لدى الفراعنة، وهى الهيروغليفية والخط الديموطيقى واللغة اليونانية، وجاء كشف أسرار حجر رشيد بعد ما يقرب من عشرين عامًا من كشف الحجر. وقد قام العالِم الشاب جان فرانسوا شامبليون بكشف اللغة المصرية القديمة. وُلد العالِم الفرنسى في جنوب فرنسا في عام ١٧٩٠م. وقبله توصل العالم الإنجليزى توماس يونج إلى معرفة العديد من العلامات الهيروغليفية، وذلك عن طريق استخدام اسم بطليموس المكتوب في اليونانية، ولذلك يُعتبر يوم الرابع عشر من سبتمبر عام ١٨٢٢ هو أهم يوم بالنسبة للآثار المصرية، فهو يوم إعلان الكشف عن أسرار حجر رشيد. وأصبح علم المصريات يُدرس في العديد من الجامعات في بلدان العالم كله. وأُنشئت المتاحف، واستطاع لصوص الآثار بمعاونة قناصل الدول الأجنبية أن ينهبوا كنوز وآثار نهر النيل.

إن ما حدث في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين هو بمثابة اغتصاب لحضارة عظيمة.. تماثيل ومسلات ولوحات وحلى وقطع من أثاث المقابر، بل المومياوات نفسها تمت سرقتها، ونُقلت إلى البلاد الاستعمارية لتُباع في مزادات يشتريها الأثرياء أو إدارات المتاحف، ويضيع جزء مهم من تاريخنا وحضارتنا. ونحن نعترف أن هناك علماء أجانب كان لهم دور في الحفاظ على آثار مصر، ومنهم دريوتون وماسبيرو وبوكش ولوريه وبير لاكو، الذي أسهم في خروج قانون يمنع قسمة الآثار المكتشفة بين البعثة الأجنبية والمتحف المصرى في حال ما كانت الآثار من مقبرة سليمة أو تمثل مجموعة متكاملة لا تجوز قسمتها.

ولا تزال للقضية بقية، وسنظل نطالب بآثارنا إلى يوم أن نستعيدها، وإذا كانوا هم قد استباحوا حضارتنا، فأقل شىء في وجهة نظرى أنهم يجب عليهم أن يتحملونا عندما نقول لهم في كل يوم إن إصراركم على الاحتفاظ بآثار مسروقة من بلادنا يجعلكم شركاء أصليين في السرقة، واستمرار آثار الاستعمار البغيض.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف نُعيد حجر رشيد إلى مصر كيف نُعيد حجر رشيد إلى مصر



GMT 14:47 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

سعيٌ للتهويد في عيد الفصح اليهودي

GMT 20:01 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

معايير عمل البلدية

GMT 19:56 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 13:52 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
المغرب اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 20:40 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

مارسيل غانم يعود مع "صار الوقت" ويفتتح خريف MTV

GMT 10:30 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

أجمل الأفكار لديكور طاولة العروسين في حفل الزفاف

GMT 06:20 2023 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

المركزي الصيني يضخ 421 مليار يوان في النظام المصرفي

GMT 09:35 2023 الأحد ,05 شباط / فبراير

وما أدراك ما أشباه الرجال!

GMT 20:35 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

الإمارات تُطلق تحالف إعادة تدوير الألومنيوم

GMT 08:22 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

"لاند روفر ديفندر" تعود بإمكانيات مطورة عام 2020

GMT 21:06 2018 الإثنين ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الحموشي ينشر عناصر أمنية فى الأحياء الشعبية لسلا

GMT 20:37 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الإعلامية زينة يازجي تعود إلى "الشاشة" من جديد

GMT 05:28 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

حقيبة الظهر من"بولغاري" تناسب المرأة الأنيقة

GMT 10:54 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

فوزنياكي تقتنص صدارة تصنيف التنس وتتويجها بلقب أستراليا

GMT 23:29 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مدارس ألمانية تعاقب التلاميذ غير المطيعين بطريقة غريبة

GMT 12:50 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

أحمد سعد يتعاقد على أغنية فيلم "أهل الكهف"

GMT 03:55 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

"فيفا" ينتصر للنابي على حساب الإسماعيلي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib