الانتخابات الرئاسية الفرنسية أسئلة وتساؤلات

الانتخابات الرئاسية الفرنسية: أسئلة وتساؤلات

المغرب اليوم -

الانتخابات الرئاسية الفرنسية أسئلة وتساؤلات

ناصيف حتّي
بقلم: الدكتور ناصيف حتّي

كيف نقرأ نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، على الخريطة السياسية الفرنسية. نتائج كرّس بعضها وحمل البعض الآخر سمات وديناميات سياسية ستطبع بشكل أقوى الحياة الوطنية في فرنسا.
أولاً: خروج الثنائي التقليدي اليميني الديغولي واليساري الاشتراكي من الإمساك باللعبة السياسية، وخاصة الرئاسية في فرنسا منذ قيام الجمهورية الخامسة. وقد بدأ ذلك في انتخابات 2017. وتكرس في الجولة الأولى من انتخابات 2022، حيث حصلت ممثلة التيار الأول، فاليري بكرس، على أقل من خمسة في المائة من الأصوات في حين حصلت آن إيدالغو ممثلة الحزب الاشتراكي على أقل من اثنين في المائة من الأصوات.
ثانياً: التقدم الكبير الذي حققه ممثل اليسار الراديكالي، جان لوك ميلونشون بحصوله على اثنين وعشرين في المائة تقريباً من الأصوات وحل ثالثاً وبفارق نسبة بسيطة بعد مارين لوبن. وهذا تغير أساسي في السياسة في فرنسا.
ثالثا: لم يكن مفاجئاً وصول المرشحين، الرئيس ماكرون، مؤسس حزب الجمهورية إلى الأمام عشية الانتخابات الرئاسية السابقة، ومارين لوبن رئيسة حزب التجمع الوطني، الذي كان سابقاً يحمل اسم الجبهة الوطنية إلى الجولة الثانية من الانتخابات كما دلت على ذلك التوقعات كافة قبل الانتخابات. إنها المعركة بين اليمين الجديد المعتدل، الذي حل محل التيار الديغولي بمختلف مسمياته الحزبية منذ إنشائه، واليمين المتشدد. إنه الثنائي الجديد الذي خاض المعركة عام 2017 وعاد ليخوضها مجدداً عام 2022. ولا بد من التذكير في هذا السياق، بأنها المرة الثانية التي يخوض فيها مرشحان المعركة القاسية في استحقاقين متتاليين. وقد حصلت من قبل بين الثنائي فاليري جيسكار ديستان وفرنسوا ميتران. الأول فاز بالرئاسة عام 1974، والآخر فاز بالرئاسة عام 1981.
رابعاً: بلغت نسبة الامتناع عن التصويت بحدود 26.31 في المائة وهي النسبة الأعلى منذ انتخابات عام 2002، حيث بلغت حينذاك الـ28 في المائة. والامتناع عن التصويت يعكس مزاجاً شعبياً بعدم الثقة بأن الانتخابات قادرة أن تحدث التغيير المطلوب حسب الممتنعين، الأمر الذي يعني أيضاً عدم الثقة بقدرة أو رغبة المؤسسة السياسية الحزبية، التي ينبثق عنها المرشحون كافة، بإنتاج التغيير المطلوب حسب هذه الكتلة البشرية التي امتنعت عن المشاركة في هذا الاستحقاق الديمقراطي الرئيسي.
وقد شهدت العاصمة الفرنسية مظاهرة يوم السبت، ولو غير كبيرة، لكنها عبّرت عن هذا الرفض للمرشحين ووضعتهما في سلة واحدة كما يقال.
خامساً: حصل ممثلو اليمين المتطرف الذي ضم إلى جانب مارين لوبن كلاً من إريك زيمّور ونقولا ديبون انيان على 32 في المائة من الأصوات، أي ثلث الأصوات تقريباً من المقترعين. وتعبّر هذه النسبة المرتفعة عن الصعود الكبير لليمين المتشدد في فرنسا. الطرف الذي يقتات على الأزمات الكبيرة أياً كانت مسبباتها الفعلية للتعبئة والتحريض ضد «الآخر»، المختلف في الدين واللون والعرق. خطاب يقوم على شيطنة ذلك الآخر وتحميله مسؤولية الأزمات بتداعياتها المختلفة التي تطال المواطن الفرنسي في حياته، واعتباره بمثابة الخطر الرئيسي على النسيج الوطني وعلى الهوية الوطنية. ويساعد على ذلك دون شك ازدياد حدة الأزمة الاقتصادية بتداعياتها المختلفة على المواطن من جهة ونشوء تيارات أصولية في فكرها وراديكالية في مواقفها من جهة أخرى. تيارات، أكثر من تعبّر عنها الحركات الأصولية الإسلاموية في فكرها وممارساتها، والتي تدعو إلى الانغلاق والتقوقع والقطيعة مع الآخر المختلف في المجتمع، والذي هو بمثابة عدو لها.
ويأتي الخطاب الشعبوي الاختزالي والتبسيطي والتآمري ليحمل ذلك الآخر المختلف - كما أشرنا - في دينه أو لونه أو عرقه كافة مسببات الوضع القائم. ويدعو إلى إعادة النظر بشكل تمييزي في مفهوم وشروط المواطنة، التي تشكل ركيزة الحياة الوطنية في فرنسا. إنها دعوة إلى إقامة ما يعرف بنموذج الديمقراطية غير الليبرالية، حيث الآليات الديمقراطية للحياة السياسية قائمة، ولكن تقيدها وتنظمها قواعد ومفاهيم بعيدة، لا بل متناقضة في بعض الجوانب مع قيم ومفاهيم الليبرالية السياسية. وعلى صعيد السياسة الخارجية، يرفض هذا اليمين تقييد الدولة في أحلاف مؤسسية، مثل منظمة حلف شمال الأطلسي باسم وحدة الرؤيا والمصالح الاستراتيجية الكبيرة، على حساب ما تعتبره رؤيا وطنية خالصة. تدعو إلى سياسات تقوم على تعريف المصلحة الوطنية في قضية معينة أو أخرى خارج هذه القيود. والشيء ذاته يذكر، فيما يتعلق بما يعتبره هذا التيار قيود الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي، على حساب المصلحة الوطنية من دون أن يعني ذلك الدعوة إلى الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. ولكن المضي في سياسات قد تكون متعارضة مع «المشترك الأوروبي» في حالات كثيرة. والجدير بالذكر، أن الدبلوماسية المتعددة الطرف في عالم مليء بالتحديات، وبالتالي الحاجة إلى التعاون الدولي الفعلي والفعال ليست على جدول الأولويات الوطنية لليمين المتطرف.
ورغم أن البعض القليل لا يستبعد ولو أنه لا يرجح احتمال فوز مارين لوبن، لكن شبه المؤكد أن فارق الأصوات بين ماكرون ولوبن في الدورة الثانية، لن يكون بحجم الفارق الكبير في انتخابات 2017، للأسباب المذكورة سابقاً.
تمر فرنسا بأزمة اقتصادية زادت من حدتها تداعيات جائحة كورونا، ثم الحرب الأوكرانية التي من تبعاتها ارتفاع نسبة التضخم والدعوة إلى إعادة النظر في بعض القواعد الناظمة للحياة الاقتصادية بانعكاساتها الاجتماعية مثل الحد الأدنى للأجور وسن التقاعد.
زمن الأزمات يفتح الباب واسعاً أمام الكثير من التساؤلات والمراجعات في مختلف المجالات، ويضعف ما يعرف بالقيم الأساسية الجامعة أو المشتركة: القيم التي من أهمها الموقف السلبي من اليمين المتشدد العنصري والشعبوي في خطابه.
الأسئلة المطروحة في الأسبوع الأخير عشية الانتخابات تتعلق بنسبة الامتناع عن المشاركة، وهل ستبقى هي النسبة المرتفعة ذاتها كما في الدورة الأولى، وكذلك بنسبة ما يعرف بالتصويت العقابي ضد اليمين المتطرف، ومدى قدرته على التعبئة في هذا المجال في أوساط كل من اليمين واليسار التقليدي. ثم كيف ستترجم دعوة ميلونشون لعدم التصويت لمارين لوبن؛ إذ تبدو كدعوة غير مباشرة للتصويت لماكرون من دون الإعلان عن ذلك للاعتبارات العقائدية السياسية لذلك اليسار، كلها أسئلة وتساؤلات سيأتي الرد عليها مساء الأحد القادم. ولكن السؤال الأهم يتعلق بكيفية التعامل الناجح لاحقاً في «اليوم التالي» مع التحديات التي حملتها هذه الأسئلة والتساؤلات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتخابات الرئاسية الفرنسية أسئلة وتساؤلات الانتخابات الرئاسية الفرنسية أسئلة وتساؤلات



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 02:25 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نصائح لجعل المنزل أكثر راحة وهدوء
المغرب اليوم - نصائح لجعل المنزل أكثر راحة وهدوء
المغرب اليوم - جراحون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي

GMT 19:55 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مولود برج الحمل كثير العطاء وفائق الذكاء

GMT 18:51 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

حمد الله ينافس ليفاندوفسكي على لقب هداف العام

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 20:29 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

منة فضالي " فلّاحة" في "كواليس تصوير مشاهدها بـ"الموقف"

GMT 06:46 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

ماكياج عيون ناعم يلفت الأنظار ليلة رأس السنة

GMT 03:29 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أصالة تبهر جمهورها خلال احتفالات العيد الوطني في البحرين

GMT 07:40 2014 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

اللاعب مروان زمامة مطلوب من ثلاث فرق مغربية

GMT 06:44 2016 الأربعاء ,15 حزيران / يونيو

اختيار هرار الأثيوبية رابع أقدس مدينة في الإسلام

GMT 04:44 2015 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

شركة ألعاب "إيرفكيس" الشهيرة تطلق ألعاب خاصة للفتيات

GMT 09:18 2015 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

هواوي Y6 تبيع 5 آلاف وحدة من الهاتف النقال
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib