ما هي الرّسالة التي أراد بايدن توجيهها للسعوديّة من خِلال خِطابه الأوّل حول سياسة إدارة بلاده الخارجيّة

ما هي الرّسالة التي أراد بايدن توجيهها للسعوديّة من خِلال خِطابه الأوّل حول سياسة إدارة بلاده الخارجيّة؟

المغرب اليوم -

ما هي الرّسالة التي أراد بايدن توجيهها للسعوديّة من خِلال خِطابه الأوّل حول سياسة إدارة بلاده الخارجيّة

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

أثار خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي ألقاهُ الخميس وتحدّث فيه عن سياسته الخارجيّة، وخاصّةً في منطقة الشّرق الأوسط، حالةً من الاهتمام غير مسبوقة، لتركيزه على الحُريّات الديمقراطيّة وحُقوق الإنسان، وإنهاء دعم بلاده للعمليّات العسكريّة للتّحالف الذي تقوده السعوديّة في اليمن، بِما في ذلك وقف بيع جميع الأسلحة والذّخائر، ووصفه لهذه الحرب الدّائرة مُنذ ستّ سنوات بأنّها كارثة إنسانيّة واستراتيجيّة يجب أن تنتهي فورًا.

طرفان رئيسيّان كانا الأكثر ترحيبًا بهذا الخِطاب، وتعليقًا للآمال على الإدارة الأمريكيّة الجديدة:

الأوّل: أكثر من 30 مِليون يمني يعيشون تحت حِصار خانق، ويعتمد 80 بالمِئة منهم على المُساعدات الإنسانيّة في ظِل مجاعة خانقة بسبب الحرب التي أودت بحياة مِئات الآلاف منهم.
الثاني: المُعتقلون السياسيّون في مُعظم السّجون والمُعتَقلات العربيّة، خاصّةً في الدّول الحليفة لواشنطن وتعتمد اعتمادًا كُلِّيًّا على حِمايتها، ولم يَكُن مُفاجئًا إفراج السّلطات السعوديّة يوم أمس عن مُعتقلين اثنين يَحمِلان الجنسيّة الأمريكيّة يُواجِهان تُهمة الإرهاب، وإفراج السّلطات المِصريّة عن مُراسل لقناة “الجزيرة”، ومن المُتوقّع أن تشمل عمليّات الإفراج هذه عن مُعتقلين سعوديين بعضهم أُمراء من الأسرة الحاكمة، ونُشطاء حُقوقيين مثل لجين الهذلول وزميلاتها، ودُعاة مِثل الشيخ سلمان العودة، فكّ الله أسرهم جميعًا.

***
صفقات الأسلحة التي تُقدّر بمِئات المِليارات، والمُكافآت التطبيعيّة “المجّانيّة” مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي لم تَعُد تحظى بالأولويّة لدى الإدارة الأمريكيّة الجديدة التي تسعى لترميم الآثار الكارثيّة لسِياسات الإدارة السّابقة في العالم، ومُحاولة استِعادة مكانة أمريكا القِياديّة.

حُكومة ترامب ابتزّت ما يَقرُب من التّريليون دولار من السعوديّة ودول خليجيّة أُخرى مُقابل دعم الحرب في اليمن، وتحت ذريعة حِمايتها من الخطر الإيراني، والتّغطية على انتِهاكاتها الفاضحة لحُقوق الإنسان، وجرائم الحرب التي اقترفتها في اليمن، ويبدو أنّ الإدارة الديمقراطيّة الجديدة تُريد التّخلُّص من هذا الإرث، ابتداءً من مُحاولة إنهاء الكارثة الإنسانيّة في اليمن، وتبييض السّجون، وفتح ملفّات حُقوق الإنسان.
الرئيس بايدن لا “يتَصدّق” على اليمنيين بتبنّيه مِثل هذه السّياسة، فالفضل في التوصّل إلى هذا التحوّل المحوري في سياسته الخارجيّة تُجاه اليمن يعود بالدّرجة الأولى إلى صُمود الشّعب اليمني برجولةٍ وبسالةٍ في وجه العُدوان، وامتلاكه أسباب القوّة على شكل منظومة صواريخ مُتطوّرة جدًّا ضربت العُمق السّعودي بدقّةٍ مُتناهية، في إطار سياسة الدّفاع عن النّفس، والرّد على الغارات العُدوانيّة، والحِصار الخانق.
لا نَعرِف ما هي الخطوات العمليّة التي ستتّخذها إدارة بايدن في اليمن في الأشهُر المُقبلة، بعد التعهّد بوقف بيع الأسلحة، وتعيين مبعوث خاص (تيموثي ليندر كينغ)، ولن نُفاجأ إذا ما أعلنت هذه الإدارة في أيّ يوم إلغاء قرار إدارة ترامب بوضع حركة “أنصار الله” الحوثيّة على قائمة الإرهاب.

نُحَذِّر الأشقّاء في اليمن من الإغراق في التّفاؤل، وتعليق الكثير من الآمال على هذه الإدارة الأمريكيّة الجديدة، وعلينا أن نتذكّر أنّ العُدوان على اليمن بدأ في الأشهر الأخيرة لإدارة الرئيس “الدّيمقراطي” باراك أوباما، فالعالم لم يَعُد يَثِق بالإدارات الأمريكيّة التي أظهرت فشَلًا حتّى في التّعاطي مع وباء فيروس كورونا، مُضافًا إلى ذلك أنّ التّحدّيات الداخليّة التي تُواجهها إدارة بايدن أثقل بكثير من نظيراتها السّابقة، ولهذا يجب أن تستمر سياسة “الصّبر الاستراتيجي” .

على الأشقّاء في اليمن الاستِفادة من التّجربة التفاوضيّة الإيرانيّة، وإعلاء سقف مطالبهم من الإدارة الأمريكيّة، فإيران استعدّت للمُفاوضات حول العودة إلى الاتّفاق النووي بنصب أجهزة طرد مركزي جديدة، وزادت نسبة التّخصيب إلى أكثر من 20 بالمِئة، وطالبت بالرّفع الكامل للعُقوبات قبل فتح أيّ قناة للتّفاوض، ورفضت التّنازل عن أيّ بند من الاتّفاق، أو استِبداله باتّفاقٍ آخَر جديد يَفرِض قُيودًا على دور إيران الإقليمي، أو برامجها الصّاروخيّة التي تُشَكِّل الدّرع الواقِي الأصلب.
يَصعُب علينا تصوّر أيّ إنهاءٍ قريبٍ للحرب في اليمن قبل إنهاء أزمة الاتّفاق النووي، أو عودة الأمن والاستقرار إلى سورية، وإيجاد حَلٍّ عادلٍ للقضيّة الفِلسطينيّة، فجميع هذه القضايا الشّرق أوسطيّة مُترابطة ولا يُمكن فصلها عن بعض، ويجب أن تُدرك الإدارة الأمريكيّة هذه الحقيقة، مثلما تُدرك أيضًا أنّ العالم يتغيّر وأنّ قوى جديدة عُظمى بدأت تُزاحِمها على عرش العالم.
وقف العُدوان، ورفع الحِصار، وفتح المطارات هي أكثر المطالب المشروعة التي يجب تحقيقها في أسرعِ وقتٍ مُمكن للوصول إلى حلٍّ أوّليٍّ للأزَمة اليمنيّة، وإلا فالحرب ستستمر، ولن يخسرها الشّعب اليمني حتّى لو تراجعت إدارة بايدن عن موقفها واستَأنفت الصّفقات العسكريّة للتّحالف الذي تتزعّمه السعوديّة، والدّليل الأبرز أنّ هذه المُساعدات الضّخمة جدًّا في زمن ترامب لم تُغَيّر من هذه الحقيقة، ولم تنجح في حسم الحرب لصالح التّحالف السّعودي الإماراتي.
***
العُدوان على اليمن قبل سِت سنوات كان قرارًا خاطئًا، وتصحيحه بوقفه فورًا، وكانت دولة الإمارات الأسرع إدراكًا لهذه المُعادلة عندما أعلنت بعد دقائق من خطاب بايدن، وعلى لِسان وزيرها أنور قرقاش، أنّها انسحبت من اليمن، وأوقفت تدخّلها العسكريّ في تشرين أوّل (أكتوبر) عام 2019، في أوّل، وأقوى إعلان، عن فكّ الارتباط مع الشّريك السّعودي.
نعم بايدن في خِطابه تحدّث عن دعمه للمملكة في مُواجهة الصّواريخ التي تتعرّض لها، وحماية أمنها واستِقرارها، ولكنّها “جُملة إنشائيّة” في نظرنا، تعوّدنا على أمثالها في البيانات الغربيّة، وحتّى لو كانت غير ذلك، فإنّ هذا الدّعم لن يكون “مجّانًا”، وإنّما مُقابل ثمن باهِظ قد يتمثّل في تبييض السّجون من المُعتقلين السّياسيين وإدخال تغييرات إصلاحيّة في نظام الحُكم.
أمْرٌ مُؤسِفٌ أن يأتي الإفراج عن المُعتقلين السّياسيين في سُجون عربيّة خوفًا من إدارةٍ أمريكيّةٍ جديدة، وبعد أسبوعين من وصولها إلى الحُكم، وأوّل خِطاب يُلقيه رئيسها ويتحدّث فيه عن حُقوق الإنسان، ولكنّه الزّمن العربيّ الرّديء على أيِّ حال.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما هي الرّسالة التي أراد بايدن توجيهها للسعوديّة من خِلال خِطابه الأوّل حول سياسة إدارة بلاده الخارجيّة ما هي الرّسالة التي أراد بايدن توجيهها للسعوديّة من خِلال خِطابه الأوّل حول سياسة إدارة بلاده الخارجيّة



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 15:05 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
المغرب اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 15:03 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 12:05 2023 الخميس ,20 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الخميس 20 أبريل/ نيسان 2023

GMT 07:56 2018 الجمعة ,02 آذار/ مارس

أبي حقًا

GMT 21:30 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات كبيرة في حياتك خلال هذا الشهر

GMT 11:15 2023 الأحد ,02 إبريل / نيسان

موديلات ساعات فاخّرة لهذا العام

GMT 15:40 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

الإعلامية المغربية مريم العوفير تطل على القناة الأولى

GMT 09:54 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أفريقيا تلهم إيلي صعب ELIE SAAB تصاميم أنيقة

GMT 19:46 2022 الأحد ,28 آب / أغسطس

ديكورات مميّزة للكوشة في حفلات الزفاف

GMT 20:29 2016 الثلاثاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

"أرض الإله" في المرتبة الثانية لمبيعات "ديوان"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib