قانون الإمارات من السجن إلى الإعدام

قانون الإمارات من السجن إلى الإعدام

المغرب اليوم -

قانون الإمارات من السجن إلى الإعدام

عبدالرحمن الراشد

عندما لم تكن هناك قوانين تنظم علاقات الناس والمجتمع، كانت هناك الأخلاق الحميدة، تنبذ التفرقة وتحث على التعايش. إنما المجتمعات تبدلت شكلاً وموضوعًا. كبرت، واختلطت، وتشابكت حتى تعقدت، ولم تعد الشيم تكفي مرشدًا، ولا الأعراف وازعًا، لمنع الأذى، أو حفظ حقوق الآخر. باختصار هذه قصة العالم كله، وليست هنا في منطقتنا العربية، قوانين جديدة لعالم جديد.
في لبنان ظهرت جماعة تدافع عن حقوق الخدم، وجلهم من الأجانب الذين يمنعون من الاختلاط مع بقية المجتمع، وحتى من دخول المسابح العامة. وفي مصر ظل أبناء الصعيد، من أهل الريف، يشتكون من لغة الإعلام والسينما ضدهم، لما فيها من سخرية وتحقير. وفي الخليج صارت القضية أخطر حيث بلغ التحريض درجة الإقصاء والتكفير، والتحريض على القتل من موظفين حكوميين!

المجتمعات الحديثة في العالم تسعى لوضع قوانين تحقق السلم الاجتماعي، وتجعل الدولة بيتًا للجميع، وليست لفئة دون أخرى. وتضع القوانين كذلك لحماية الجماعات الأضعف. ولا يوجد بلد في العالم لم يمر بمرحلة الانتقال الصعبة هذه، فالسعودية عطلت الرّق بعد مائة عام من الولايات المتحدة التي ألغته في عام 1866. وبالتالي كل المجتمعات تتغير، القديمة مثل الحديثة، تحتاج إلى تطوير أنظمتها لتستوعب التغيرات.

هنا، السياسة أفسدت العلاقات الاجتماعية في منطقتنا. فعندما تخرب العلاقة مع دولة تنعكس العداوة في نفس الاتجاه، وعندما تصلح تعود لغة «الشقيقة» و«الأخوة» و«الصداقة». في مجتمعنا المكتظ بالأجانب، عندما يقتل أجنبي مواطنًا تنحدر لغة بعض وسائل الإعلام، والتواصل الاجتماعي، فتعمم اللوم على كل أبناء الجالية، وتبدأ نشر الكراهية ضدهم.

والمشكلة لا يعاني منها فقط الأجانب، بل طائفية، سنة وشيعة، وضد البدو. ومناطقية، أي ضد أهل المناطق، وصارت السخرية منهم سببًا في التمييز ضدهم. تتمادى وتنتشر هذه الأمراض المعاصرة بسبب عدم وجود أنظمة صريحة تحدد المسؤوليات وتضع ضوابط لها. فالشيعة والسنة يعيشون في نفس المناطق منذ ألف سنة، وحتى يستمروا في التعايش على الدولة الحديثة أن تضع الأنظمة والقوانين التي تمنحهم نفس الحقوق، وتعاقب من يعتدي على الآخر، أو يحرمه حقه، أو يحرض عليه، أو يسخر منه. وحتى يستطيع أن يعيش ابن الجنوب أو الشمال، ابن الريف أو البادية، في داخل بلده، لا بد من حمايته من العنصرية والمحسوبية. وحتى لا يعتدي غلاة الدين على المجتمع، لا بد أن يعوا أن لغة التكفير هي مثل حمل السلاح، قد تؤدي إلى الاعتداء، وربما القتل، وأن إشاعة الكراهية والتكفير جريمة يجب أن يعاقب عليها فاعلها.

دولة الإمارات طرحت أول قانون شامل يعالج العنصرية والكراهية والتحريض، يستحق أن يقرأ بتفاصيله. «يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة جميع أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير».

ويحظر القانون الإساءة إلى الأديان، ويجرّم كل قول أو عمل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات من خلال نشره أو إذاعته أو رسمه على شبكة المعلومات أو شبكات الاتصالات أو المواقع الإلكترونية.

ومن التحديات التي تواجه مثل هذا القانون شيوع السخرية والعنصرية، وهنا تكون العقوبة أقسى ضد المسؤولين. قانون الإمارات الجديد يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات ونصف مليون درهم إذا ارتكب الجريمة موظف «حكومي» أثناء تأدية عمله.

دينيًا، السجن المؤقت للذي يستغل الدين في رمي أفراد أو جماعات بالكفر، سواء بالقول أو بالكتابة أو باستخدام أي من الوسائل. وتصل العقوبة حد الإعدام إذا تسبب التكفير أو أدى إلى القتل فوقعت الجريمة نتيجة لذلك.

ومن الواضح أن الهدف من هذا القانون ليس تطبيق العقوبات، بل رسم العلاقة بين أبناء المجتمع، وتثبيت السلم الأهلي، وهي جرائم مترابطة تبدأ بالسخرية التي تؤدي للإهانة، التي تنتج التمييز وتعمق الكراهية، التي تسهل التكفير، وتتسبب في مد اليد والقتل، وتثير الفتنة في المجتمع، وتؤدي إلى الاحتراب الأهلي وسقوط الدولة.

أخيرا، حماية فئات المجتمع، وضمان الحقوق، ليست مسألة تترك لأهواء الناس، ولا يُستفتى عليها، ولا يهم رأي الأغلبية حيالها حتى في المجتمعات الديمقراطية، بل ينص عليها صراحة في صلب الدساتير، وتحاسب عليها الحكومات في المجتمع الدولي التي لا تلتزم بها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قانون الإمارات من السجن إلى الإعدام قانون الإمارات من السجن إلى الإعدام



GMT 09:52 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

«لا تشكُ من جرح أنت صاحبه»!

GMT 09:48 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

أصغر من أميركا

GMT 09:44 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

ملحمة وطنية للأبطال الذين أُزهقت أرواحهم!

GMT 09:32 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

شخص واحد متعدد المواصفات

GMT 09:22 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

اختبارات ومحن مراسل أجنبي

GMT 09:15 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

السوداني وظلم ذوي القربى

نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 03:57 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

مصرع 25 شخصًا في حوادث السير بالمغرب خلال أسبوع
المغرب اليوم - مصرع 25 شخصًا في حوادث السير بالمغرب خلال أسبوع

GMT 16:11 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

ميغان ماركل تطلب من امرأة عدم الوقوف بجانب هاري

GMT 06:51 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس

GMT 19:55 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مولود برج الحمل كثير العطاء وفائق الذكاء

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

تثبيت سعر الفائدة في أستراليا

GMT 16:02 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

زلزال بقوة 3.6 درجة يضرب دولة عربية

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib