محاولتان انقلابيتانوليست واحدة

محاولتان انقلابيتان...وليست واحدة

المغرب اليوم -

محاولتان انقلابيتانوليست واحدة

عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

المحاولة الأولى، تمثلت في سعي مجموعة (تبدو صغيرة) من الضباط وضباط الصف والجنود، تدبير انقلاب عسكري للإطاحة بالسلطة الانتقالية في الخرطوم ... المحاولة وئدت في مهدها، برغم كل ما قيل، ويمكن أن يقال، عن "ترتيبات أشد تعقيداً" مهدت لها ورافقتها، من بينها أحداث الشرق السوداني، وقطع الشريان الحيوي الرابط بين بورتسودان والخرطوم...أصابع الاتهام وجِّهت لـ"الفلول" وبقايا نظام البشير المخلوع في الدولة والمؤسسة العسكرية والمجتمع، في جين ذهب آخرون لتحميل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تعتصر "العسكر" كما المواطنين، المسؤولية عن التذمر والتمرد.

أما المحاولة الثانية، فتلك التي قادها أعلى رجلين في هرم العسكرية: المؤسسة الجنرال عبد الفتاح البرهان، القائد العام، وقائد التدخل السريع محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي" ... هدف هذه المحاولة الانقلاب على المكون المدني، وتحميله وزر المسؤولية عن المحاولة الانقلابية الأولى، إن من خلال سعي أحزاب هذا المكون لـ"شيطنة" الجيش، أو بالانشغال عن تقديم الخدمة للمواطن والسهر على معاشه، بالصراع عن "الكراسي" والنهش من كعكعة السلطة.لا يجد جنرالات الحكم الانتقالي في السوداني أنفسهم مسؤولين بأي قدر، عن محاولة تمرد وانقلاب، جرى تنظيمها وتدبيرهم في عقر دارهم، في سلاح المدرعات ... السياسيون "السفلة" هم وحدهم المسؤولون عن ذلك، الأمر الذي طرح أسئلة وقرع نواقيس إنذار: ما الذي يريده "العسكر"، ولماذا هذه الحملة الشعواء قوى الحرية والتغيير، هل هي بمثابة محاولة انقلابية على خريطة الطريق والوثيقة الدستورية وأجندة المرحلة الانتقالية، ما الذي يدور في عقول جنرالات السودان؟

تدفعني السرعة في "توظيف" المحاولة الأولى الفاشلة من قبل البرهان – حميدتي للانقضاض على أطر المرحلة الانتقالية وحرق مراحلها، إلى "نظرية المؤامرة" دفعاً، والسؤال عمّا إذا كانت هناك محاولة انقلابية جادة وجدية، أم أننا أمام "مسرحية انقلابية" جرى كتابة نصها وإخراجها في الأقبية المغلقة، هدفها التهيئة للمحاولة الانقلابية الثانية وتبريرها، واتخاذها ذريعة لتسوية الحساب مع خصوم الداخل.

وتذكرني أحداث السودان، بما حدث في تركيا قبل خمس سنوات، حين وظف الحزب الحاكم ورئيسه المحاولة الانقلابية الفاشلة، لشن "حملة مكارثية" على خصومه ومناوئيه في الداخل، حتى أننا ما زلنا حتى يومنا هذا، نسمع عن اعتقالات وعمليات فصل من العمل وإغلاق مؤسسات، بذريعة "التورط" في المحاولة الانقلابية تلك، والتعاطف مع "الدولة الموازية" بزعامة فتح الله غولن ... ثمة من يشكك، من داخل تركيا وخارجها، بجدية المحاولة الانقلابية في تركيا، مثلما نعزف منفردين اليوم على وتر التشكيك في جدية المحاولة الانقلابية في السودان.
ليست السرعة في "توظيف أحداث معسكر الشجرة" هي ما يدفعنا للشك والتشكيك في نوايا العسكر، وربما روايتهم، ذلك أن هجوم الجنرالات على المكون المدني، يكاد لا يتوقف، وثمة جهود كثيفة تبذل من قبلهم، لاتهام الطبقة السياسية بالفشل عن خدمة المواطن والاقتصاد ... ومن الواضح لنا، منذ لقاء "عنتيبي" بين البرهان ونتنياهو، أن الجنرالات مستعدون لدفع أي ثمن، وسلوك أي طريق، من أجل البقاء في السلطة، وقطع الطريق على المسار الانتقالي.
توقيت المحاولتين الانقلابيتين لافت تماماً: فهو يأتي عشية انتقال رئاسة مجلس السيادة إلى المكون المدني في إطار التناوب بين المكونين المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية وغداة إعلان رئيس الحكومة عبد الله حمدوك عن مبادرة إنقاذية، هدفت إلى توحيد قوى الانتقال المدنية والعسكرية، للوصول بالبلاد إلى استحقاق 2024 الانتخابي، تتويجاً للمسار الانتقالي، وتوطئة لانتخاب مؤسسات الدولة من تشريعية ورئاسية وغيرها ... عقارب الساعة تواصل دورانها، والجنرالات قلقون من اقتراب هذه الاستحقاقات.

لم يقف المجتمع المدني وقوى الحرية والتغيير مكتوفي الأيدي على المحاولتين الانقلابيتين، الأولى وبالأخص الثانية، فهم يدركون ما الذي يدور في خلد العسكر، وحسناً فعل مجلس الأمن الدولي، حين ضمن بيانه المندد بالمحاولة الانقلابية الأولى، موقفاً داعماً لعبد الله حمدوك ومبادرته ولخطة الانتقال المدني الديمقراطي ... هذه جميعها عوائق قد تلجم طموح قادة الانقلاب الثاني، وإن كانت لا تسقطها، إذ ليس مستبعداً أن يعمد الثنائي: البرهان وحميدتي، إلى اختصار المرحلة الانتقالية، ومداهمة المكون المدني بخيار "الانتخابات المبكرة" وهو على غير استعداد، توطئة للقفز من سدة السلطة بالزي العسكري، إلى سدة السلطة بالزي المدني ... أليس هذا هو ما يفعله الانقلابيون عادةً في عالمنا العربي؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محاولتان انقلابيتانوليست واحدة محاولتان انقلابيتانوليست واحدة



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 19:55 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مولود برج الحمل كثير العطاء وفائق الذكاء

GMT 18:51 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

حمد الله ينافس ليفاندوفسكي على لقب هداف العام

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 20:29 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

منة فضالي " فلّاحة" في "كواليس تصوير مشاهدها بـ"الموقف"

GMT 06:46 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

ماكياج عيون ناعم يلفت الأنظار ليلة رأس السنة

GMT 03:29 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أصالة تبهر جمهورها خلال احتفالات العيد الوطني في البحرين

GMT 07:40 2014 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

اللاعب مروان زمامة مطلوب من ثلاث فرق مغربية

GMT 06:44 2016 الأربعاء ,15 حزيران / يونيو

اختيار هرار الأثيوبية رابع أقدس مدينة في الإسلام
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib