الفنون الغنائية بواحات وادي درعة إماطة اللثام عن موروث مهدد بالإندثار
آخر تحديث GMT 23:44:05
المغرب اليوم -

"الفنون الغنائية بواحات وادي درعة" إماطة اللثام عن موروث مهدد بالإندثار

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

الرباط ـ و.م.ع

بصدور كتاب "الفنون الغنائية بواحات وادي درعة" للباحث والأديب محمد البوزيدي، يدخل الموروث الإبداعي والغنائي الدرعي دائرة الثقافة العالمة، بعد أن كان حبيس التداول الشفهي لسنين طويلة. فلم تفلح بعض المقالات المتفرقة التي تنشر بين الفينة والأخرى، والندوات التي تعقد في عدة مناسبات، في إخراج هذا الموروث من دائرة النسيان، وربما التناسي، حتى جاء هذا الكتاب، الصادر عن منشورات الثقافة الجنوبية، ليقوم بعمل توثيقي مهم جدا، لكونه يشتمل على نصوص إبداعية محلية قام صاحب الكتاب بتجميعها وتوثيقها. وإلى غاية الأمس القريب كانت هذه النصوص، التي تشكل مادة للفنون الغنائية بمنطقة وادي درعة (إقليم زاكورة)، حبيسة ذاكرة أناس لهم القدرة على التذكر والحرص على حفظ هذه النصوص التي تشكل فعلا ذاكرة جماعية. وتكمن أهمية هذا العمل في كونه يستجمع مادة غنية مفيدة للباحثين، وذلك في إصرار كبير لانتشال هذا الموروث من الضياع الذي يتهدده. ومن الجوانب المهمة أيضا في هذه النصوص، كما يكشف الكتاب عن ذلك، الترابط العضوي بينها وبين الفنون الغنائية المحلية، إذ يحرص كل من يبدع هذه النصوص - وجلهم مجهولون أو مغمورون - على نسج إبداعات موجهة أساسا لفن غنائي محدد سلفا. ووعيا من صاحب هذا الكتاب بهذه الخصوصية فقد حرص على توزيع هذه النصوص وتصنيفها ووضعها في خانة الفنون التي أبدعت من أجلها، وهي فنون تؤدى بشكل جماعي وفق إيقاعات ورقصات مختلفة. ولهذا السبب تحديدا تم وضع النصوص الخاصة بالفن الغنائي "الرسمة" في خانة واحدة، ونصوص فن "رقصة السقل" في خانة أخرى، وكذلك الشأن بالنسبة لنصوص فن "الركبة"، وفن "الطحاني" و"الوسطي". ولم يكتف مؤلف الكتاب بذلك بل صنف بعض النصوص، التي تم إبداعها بالأمازيغية، والخاصة بفني "أحواش" و"أحيدوس"، كما صنف نصوصا أخرى أبدعت بالحسانية، والتي تستثمر في فن "الشمرة"، إضافة إلى أخرى خاصة بفن "اكناوة". وإذا كان لكل فن من هذه الفنون خصوصيات إيقاعية وطريقة فريدة في الأداء، فإن اللافت للنظر، كما يوضح ذلك الكتاب، هو أن النصوص التي تشكل مادة هذه الفنون تبنى وفق أشكال إبداعية وإيقاعية مختلفة تتراوح بين العمودي التقليدي وأشكال أخرى. كما تستثمر هذه النصوص كل الأغراض المعروفة في الشعر العربي القديم، من رثاء وهجاء ومديح وغزل وفخر، فضلا عن التطرق لقضايا وطنية وأخرى عربية، من قبيل التواجد الفرنسي بالدار البيضاء في فترة الحماية، واجتياح القوات العراقية للكويت في بداية تسعينيات القرن الماضي. ويبرز هذا الحضور المتنوع والغني لفنون غنائية عديدة بمنطقة وادي درعة، والحاملة لنصوص إبداعية جميلة، الطابع الوحدوي للمجتمع الدرعي الغني بالتنوع المجتمعي والثقافي، وهذا ما عبر عنه، بشكل عام، الأستاذ عباس الجراري في تقديمه للكتاب حين قال "إذا كان البحث يغطي جانبا له قيمته في ثقافة الوادي المحلية، فإنه كذلك يشكل لبنة ثرية تكمل المنظور الوحدوي للثقافة المغربية، مما يستدعي الالتفات إلى بقية أنماط التراث الدرعي، وإلى ما تزخر به مختلف جهات الوطن". ولم يكتف صاحب الكتاب بالقيام بهذا العمل التوثيقي، بل قدم أرضية تحليلية بغرض التعريف بهذه الفنون الغنائية وتطورها ومميزاتها، والسياقات التاريخية والاجتماعية التي ساهمت في إنتاجها. على أن أهم ملمح في هذه الإبداعات، سواء تعلق الأمر بالشعر أو الغناء، هو ارتباطها وتفاعلها الوثيق مع حياة الناس ووجودهم وجغرافيتهم وأرضهم وإنتاجهم الفلاحي، من ذلك رثاء نخلة تعرضت للهلاك بفعل مرض (البيوض)، ووصف صينية شاي في مجلس مطبوع بحياة زاهية. ويبقى هذا العمل خطوة أولى في توثيق الموروث الإبداعي المحلي، على أن تتلوه خطوات لاحقة ستبرز في عمل توثيقي أكثر اتساعا من جانب هذا الأديب الذي حرص على خوض هذا التحدي المعرفي الكبير.

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفنون الغنائية بواحات وادي درعة إماطة اللثام عن موروث مهدد بالإندثار الفنون الغنائية بواحات وادي درعة إماطة اللثام عن موروث مهدد بالإندثار



GMT 18:42 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

الأميرة للا مريم تترأس اجتماعا بالرباط
المغرب اليوم - الأميرة للا مريم تترأس اجتماعا بالرباط

GMT 06:51 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس

GMT 17:53 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

محمد صلاح يضيف لرصيده 3 أرقام قياسية جديدة

GMT 13:50 2012 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

البيئة النظيفة.. من حقوق المواطنة

GMT 21:44 2021 الأحد ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أشهر الوجهات السياحية المشمسة في الشتاء

GMT 00:48 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إسبانيول يفاجئ ريال مدريد بخسارة مؤلمة

GMT 00:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة "قناة رقمية" تثير تساؤلات في جامعة أكادير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib