المغرب يُرسم علاقاته بأفريقيا

المغرب يُرسم علاقاته بأفريقيا

المغرب اليوم -

المغرب يُرسم علاقاته بأفريقيا

بقلم ـ ادريس الكنبوري

يؤمن المغرب بأن مستقبله يوجد في أفريقيا، وأن مستقبل أفريقيا يوجد في الاستثمار في قدراتها والثقة في قوتها بدل الاتكاء على قوة خارجية في عالم مليء بالتحديات والرهانات والمخاطر المتنوعة.
في خطوة أخرى لتتويج شراكته الاستراتيجية مع القارة الأفريقية وإعطائها بعدا أكثر مأسسة، بعد سنوات من النهج الدبلوماسي الجديد الذي اختطه المغرب تجاه البلدان الأفريقية، أعلن العاهل المغربي محمد السادس الجمعة، خلال كلمته في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، عن إحداث وزارة منتدبة في الشؤون الأفريقية تابعة لوزارة الخارجية. قرار يذكرنا بماضي العلاقات المغربية الأفريقية في ستينات القرن الماضي مع الملك الراحل الحسن الثاني، حين أنشأ وزارة خاصة للشؤون الأفريقية عام 1963، شغلها آنذاك عبدالكريم الخطيب، في سياق حركات التحرير الوطني الأفريقية التي كان المغرب أحد أقطابها، واستطاع خلال ذلك الوقت أن يتحول إلى قبلة لعدد من الزعماء الأفارقة، قبل أن يحصل التحول مع النصف الثاني من السبعينات، عندما تم إنشاء جبهة البوليساريو الانفصالية ودخلت الجزائر على الخط، ما جعل الحسن الثاني آنذاك يتجه إلى البحث عن الشراكة مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية، التي تحولت إلى الاتحاد الأوروبي.

تأتي هذه الوزارة لإعطاء دفعة أكبر للدبلوماسية المغربية التي سار فيها الملك محمد السادس منذ توليه الحكم عام 1999، إذ لا شك أنه أدرك بأنه ورث عن والده الراحل ملفا ثقيلا هو ملف الصحراء المغربية واستكمال الوحدة الترابية للمملكة. وقد حول ذلك الإرث إلى فلسفة للحكم ورؤية دبلوماسية بالرهان على القارة الأفريقية كمدخل إلى حل هذا الملف بشكل تدريجي.

فإذا كان الملك الراحل قد راهن على المنتظم الدولي وهيئة الأمم المتحدة لإنهاء نزاع الصحراء، من دون أن يؤدي ذلك إلى نتيجة بسبب ظروف الحرب الباردة والإكراهات الدولية والإقليمية في العقدين التاليين، فإن الرؤية الجديدة للملك الحالي ترتكز على الانخراط الفاعل في قلب المنظومة الأفريقية والبحث عن حل للنزاع الطويل من داخل العائلة الأفريقية، بوصف المغرب جزءا منها.

ويمكن القول بأن هذه الرؤية الجديدة تبلورت عمليا في بداية التسعينات من القرن الماضي، عندما ناقش- وهو ولي للعهد- أطروحة لنيل الماجستير حول التعاون العربي الأفريقي من خلال العلاقات الثنائية المغربية الليبية. ولهذا السبب لا تبدو السياسة الأفريقية الحالية للمغرب ناتجة عن قراءة متأخرة للمعطيات في العقد الأخير، بقدر ما هي مرتكزة على القناعات الشخصية للملك منذ أكثر من عقدين.

نجح المغرب في أن يستعيد مقعده في منظومة الاتحاد الأفريقي بعد ما يزيد على ثلاثة عقود من الغياب، احتجاجا على موقف سلفه، منظمة الوحدة الأفريقية، في القبول بعضوية ما يسمى “الجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية” بدعم واضح من النظام الجزائري آنذاك، وبعض العواصم الأفريقية التي كانت تدور في فلكه. وكان التناقض بينا، فقد أنشئت منظمة الوحدة الأفريقية في تلك الفترة كأفق للحفاظ على الكيانات الوطنية الناتجة عن الاستقلالات السياسية الحديثة وتعزيز وحدتها، ولكنها بذلك القرار نسفت الأطروحة الأساسية التي بنيت عليها، وقبلت، لدواع سياسية وجيوستراتيجية، دويلة على الورق ليست لها مقومات الدولة وتقودها حركة ميليشياوية. وقد أظهرت تجربة المنظمة، طيلة العقود الماضية، أنها عاجزة عن التعامل مع المشكلات الإقليمية المتولدة عن مرحلة ما بعد الاستقلال السياسي، في الوقت الذي ازداد الوضع سوءا كنتيجة للانقسامات والاصطفافات، وتحولت إلى كيان ميت، الأمر الذي استشعره القادة الأفارقة الذين أدركوا مأزق هذا التجمع الأفريقي فاستبدلوا اسمه بآخر هو الاتحاد الأفريقي، على أمل أن يصبح تجمعا إقليميا لدول ذات إرادات مستقلة، ويغلّب هواجس الوحدة على هواجس الانقسام، تفاؤلا بتجربة الاتحاد الأوروبي.

فهم المغرب هذه التحولات الكبرى التي تعتمل في قلب القارة، في حقبة ما بعد الحرب الباردة وتداعياتها، والطموح الأفريقي إلى لعب دور قاري ودولي يناسب المرحلة الجديدة التي تطبعها التنافسية ولا تعترف بالكيانات الهشة، والتهديدات الإرهابية التي لم تعد قاصرة على بلد دون آخر، ومخاطر انزلاق الحركات الميليشياوية إلى لعب أدوار مزدوجة، إذ الطابع المميز لمثل هذه الحركات الانتهازية وتوظيف المتغيرات لا الإيمان بالثوابت، وهو ما دفعه إلى إطلاق دينامية جديدة، تمثلت في عشرات الجولات التي قام بها الملك خلال السنوات الأخيرة وشملت مختلف أنحاء أفريقيا، توجت بتوقيع ما يزيد على مئة اتفاقية تعاون مع مختلف هذه البلدان تغطي مختلف أوجه النشاط الاقتصادي والثقافي والسياسي، وفتح سفارات مغربية في عدد من البلدان الأفريقية التي لم تكن للمغرب علاقات دبلوماسية معها طوال عقود، وكانت حكوماتها مؤيدة للأطروحة الانفصالية لدى البوليساريو، ليتوج كل هذا المسار بالعودة الرسمية للمغرب إلى الاتحاد الأفريقي أثناء القمة الأفريقية في أديس أبابا في يناير الماضي.

يؤمن المغرب بأن مستقبله يوجد في أفريقيا، وأن مستقبل أفريقيا يوجد في الاستثمار في قدراتها والثقة في قوتها بدل الاتكاء على قوة خارجية، ولذلك أعطى لمفهوم الشراكة دفعة قوية عبر تعزيز مسار الدبلوماسية الاقتصادية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغرب يُرسم علاقاته بأفريقيا المغرب يُرسم علاقاته بأفريقيا



GMT 17:27 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حكاية عن تونس

GMT 12:23 2023 السبت ,28 تشرين الأول / أكتوبر

بند حادى عشر

GMT 22:12 2023 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

فضاءات مغربية

GMT 18:59 2023 الإثنين ,02 تشرين الأول / أكتوبر

أبعد من استضافة المغرب لكأس أفريقيا.

GMT 18:13 2023 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

دبلوماسية الكوارث الطبيعية

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:02 2022 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بيروت تتوالد من رمادها وتتزين بكُتابها.

GMT 06:42 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تعرف على أبرز مميزات وعيوب سيارات "الهايبرد"

GMT 00:55 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

طالب يعتدي على مدرسته بالضرب في مدينة فاس

GMT 11:02 2023 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل العطور لفصل الخريف

GMT 11:55 2023 الأحد ,05 شباط / فبراير

نصائح لاختيار الحقيبة المناسبة للمعطف

GMT 16:56 2023 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

حكيمي ومبابي يستمتعان بالعطلة في مراكش

GMT 07:48 2022 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت التعامل مع الاختلاف في الرأي

GMT 09:59 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

قواعد اتيكيت نشر الغسيل

GMT 10:31 2022 الجمعة ,27 أيار / مايو

مايكروسوفت تطور دونجل لبث ألعاب إكس بوكس

GMT 01:02 2021 السبت ,07 آب / أغسطس

وصفات طبيعية لتفتيح البشرة بعد المصيف

GMT 19:36 2020 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

وفاة ابنة الفنان الراحل محمد السبع

GMT 18:42 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

أسما شريف منير ووالدها في برومو " أنا وبنتي"

GMT 17:19 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عشر ماحيات للذنوب.. بإذن الله

GMT 09:05 2016 السبت ,02 كانون الثاني / يناير

عن «عاداتنا وتقاليدنا المتوارثة»
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib