يستطيع أن يغير جلده إذا اقتضى الأمر

يستطيع أن يغير جلده إذا اقتضى الأمر

المغرب اليوم -

يستطيع أن يغير جلده إذا اقتضى الأمر

توفيق بو عشرين

بدأت التسخينات الأولى استعدادا لمباراة الانتخابات الجماعية المقبلة، وهي انتخابات مهمة أكثر من سابقاتها على ثلاثة مستويات على الأقل.
أولا: هي انتخابات ستجرى في ظل قوانين جديدة للجهة تعطي ممثلي السكان الأمر بالصرف وتنزعه من الوالي والعامل ممثل وزارة الداخلية. هذا معناه أن سلطة المنتخبين ستزداد، ومعها سيزداد كل شيء.. الطموح، الطمع، الخدمة، السرقة... كل حسب نيته ومقصده من وراء دخول معمعة الانتخابات، لهذا فالمعركة ستزداد قوة هذه المرة، والمال سيلعب دورا أكبر...
ثانيا: الانتخابات الجماعية المقبلة، وما يتبعها من استحقاقات، هي التي ستفرز سكان الغرفة الثانية للبرلمان، وهذه الغرفة، وإن كانت صلاحياتها أقل من صلاحيات الغرفة الأولى، فإنها تكتسي أهمية سياسية كبيرة، تتجلى في كونها غرفة تستطيع فرملة الآلة التشريعية في البلاد، كما تستطيع أن تسرع وتجود الإنتاج التشريعي، كما يستطيع سكان هذه الغرفة ومستشاروها لعب دور «التشويش» على الحكومة أو تأييدها... تقليديا، كانت هذه الغرفة في يد الأعيان والنقابات والفئات المحافظة، لهذا ستسعى أحزاب الحكومة إلى إلحاقها بالغرفة الأولى، وبسط اليد على الأغلبية داخلها، حتى تضمن انسجاما وقوة أكبر للحكومة الحالية.
ثالثا: تكتسي الانتخابات الجماعية أهمية متزايدة اليوم على اعتبار أنها تشكل قنطرة للعبور نحو انتخابات 2016 التشريعية، فالذي يسيطر على آلاف الجماعات القروية والحضرية يستطيع أن يضمن نسبة مهمة من المقاعد في البرلمان والحكومة المقبلين، لأن جيش المستشارين يلعب دورا كبيرا، خاصة في القرى والمدن الصغيرة، في استمالة نوع معين من الناخبين...
هذه هي الرهانات الثلاثة، ويمكن إضافة رهان رابع يتمثل في قياس شعبية الحكومة وبنكيران بالذات، وما إذا كان حزب المصباح سيستفيد من وجوده في الحكومة لتوسيع نفوذه خاصة في البادية أم لا، وما إذا كانت حصيلة الحكومة ستشجع على المشاركة أم إنها ستوسع رقعة المقاطعة...
في هذه المعركة هناك رقم صعب لا نعرف كيف ستتعامل معه الدولة والحكومة والأحزاب كافة.. إنهم الأعيان الذين صاروا أول قوة انتخابية في جل الأحزاب السياسية، وصاروا يبتزون الدولة والأحزاب، ويركبون على الانتخابات لقضاء مصالحهم، ويستثمرون شبكاتهم الزبونية والقبلية والعائلية لتعطيل مسلسل التحول الديمقراطي كله.
لقد قامت الباحثة المرموقة، منية بناني شرايبي، بدراسات سوسيولوجية وسياسية مهمة بخصوص هذه العينة، وتتبعت حضورهم ونمط تفكيرهم وأسلوب عملهم داخل جل الأحزاب المغربية، وهي هنا نحكي قصتين معبرتين عن تفكير هؤلاء الأعيان، فلنتأمل هذا المقطع المأخوذ من حوار نشر في هذه الجريدة الأسبوع الماضي: «حدثت لي قصة مضحكة مع أحد مؤتمري حزب الأصالة والمعاصرة حين سألني بشكل مباشر: «أنت يا من تنجزين بحثا عن الأحزاب في المغرب، هل تصدقين أنه توجد أحزاب في المغرب أصلا؟»، أجبته (الباحثة) بأن تلك ليست مشكلتي، وبدأ يحكي لي قصته، هو رجل يعتبر نفسه كريما، وأن الناس يعرفونه ويحبونه في المنطقة التي يسكن بها، وأنه يساعد الناس في حل مشاكلهم اليومية، وأن منزله مفتوح للجميع، وهو يفتخر بأنه لا يقدم رشوة في الانتخابات، بل يصوت له الناخبون لأن داره مفتوحة للعموم، سواء في مرحلة الانتخابات أو بعدها أو قبلها. وحكى لي أنه قبل أن يحضر مؤتمر الحزب، سألته زوجته إلى أين سيذهب، فأجابها بأنه سيقصد مؤتمر «التراكتور»، فبدأت تعيبه لكثرة ترحاله من حزب إلى آخر بدعوى أنه سيدوخ أبناء الدرب، فتارة ينتمي إلى «الحمامة، وتارة أخرى إلى «السنبلة» والآن يذهب مع «التراكتور»، فأجابها: ذلك لا يهم، فقد أترشح غدا مع التفاحة ثم مع «البنانة» أو غيرها من الرموز، فالناس يصوتون لي أنا وليس للحزب…».
تستنتج الباحثة أن «هذه الحكاية نموذج لحالة سياسية أصبحنا نعيشها، مضمونها أن المنتمين إلى هذه الأحزاب لم تعد تحرجهم ممارسة السياسة بهذا الشكل.. لا يهمهم الانتماء، بل همهم هو حماية مصالحهم والمصالح المباشرة لأولئك الذين صوتوا لهم، ويعرفون أن أسماءهم هي التي تجلب الأصوات وليس الحزب. أعجبت بصراحة مؤتمر آخر، حين قال لي هازئا: «أصحابي يقولون لي كنقلب الفيستا كل مرة لصالح حزب جديد، وأنا أجيبهم بأني لا أحس بأدنى مشكل في ذلك، مرة الفيستا، مرة القميص، مرة اللباس الداخلي «السليب»، ويمكن أن أغير حتى جلدي إذا اقتضى الأمر ذلك».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يستطيع أن يغير جلده إذا اقتضى الأمر يستطيع أن يغير جلده إذا اقتضى الأمر



GMT 16:20 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

سنوات يوسف العجاف

GMT 16:18 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

غزة ومحكمة العدل الدولية

GMT 16:12 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

هل يفسد أتباع إيرانَ الحج؟

GMT 16:10 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

أوروبا أمام مرآتها المتحركة

GMT 16:08 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

في تونس الخضراء ضجَّةٌ!

GMT 16:06 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

كبار السن وعصرنا المتسارع !

GMT 16:04 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

الانتخابات الأميركية ولعبة الكراسي الموسيقية

استوحي إطلالاتك لسهرات عيد الأضحى من من ديانا كرزون

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:39 2024 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

فابريزيو رومانو يٌوضح رقم قميص مبابي في ريال مدريد

GMT 13:52 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

"آبل" تكشف عن سعر إصلاح شاشة هاتف "آي فون 10"

GMT 02:07 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الصورة الأولى لنجل كريم بنزيمة على "إنستغرام"

GMT 23:33 2014 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

القيادي محمد يتيم يشغل زوار صفحته بـ"جلابته الصوفية"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib