دوران على الذات في اليمن

دوران على الذات في اليمن

المغرب اليوم -

دوران على الذات في اليمن

بقلم : خيرالله خيرالله

كشفت اللقاءات التي يعقدها مارتن غريفيث مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن أن هناك عودة إلى نقطة البداية مع ما يعنيه ذلك من استمرار للدوران في حلقة مقفلة.

من المفيد تبادل الآراء مع شخصيات يمنية من مشارب مختلفة في مكان قريب من لندن وذلك طوال يومين كاملين كما حصل أخيرا. تكمن أهميّة غريفيث في امتلاكه خبرة طويلة في مجال المفاوضات السياسية واستعداده في ما يبدو لممارسة الصبر. ولكن هل يتحمّل الوضع اليمني كلّ هذا الصبر، مع ما يعنيه ذلك من مزيد من المآسي، أم لا بدّ من الانتقال إلى مرحلة ممارسة الدبلوماسية بطريقة مختلفة تأخذ في الاعتبار أمرا في غاية الأهمّية؟ يتمثل هذا الأمر في أنّ موازين القوى الراهنة لا يمكن أن تنتج حلا أو تسوية معقولة تعيد لليمنيين الأمل بعودة الحياة إلى بلدهم تمهيدا للتوصل إلى صيغة جديدة للبلد. مثل هذه الصيغة لا تعني في أيّ حال المحافظة على الوحدة. هذه الوحدة انتهت منذ فترة لا بأس بها بعد سقوط المركز الذي اسمه صنعاء. سقطت الوحدة عندما اندلع القتال في شوارع العاصمة. حلّ الصراع على صنعاء وشوارعها مكان الصيغة التي تحكمت باليمن، خصوصا منذ العام 1990، تاريخ إعلان الوحدة. ولكن ما سقط أيضا مع الوحدة لم يكن المركز وحده، أي صنعاء.

سقط أيضا أي حلم بعودة اليمن يمنين مستقلين، الشمال والجنوب. إذا كان من درس لا بدّ من تعلّمه من تجارب الماضي القريب، فهذا الدرس هو أن الجنوب كان دولة فاشلة منذ اليوم الذي استقلّ فيه في العام 1967. تاريخ الجنوب منذ 1967 وحتّى تحقيق الوحدة كان سلسلة من الحروب الأهلية والتصفيات والانقلابات.

يضاف إلى ذلك طبيعة التغييرات التي طرأت على المجتمع منذ الوحدة في 1990 وحرب الانفصال صيف 1994، وصولا إلى الوضع الراهن الذي شهد ظهور كلّ الأمراض التي تعاني منها المجتمعات المتخلفة لدى سقوط الدولة المركزية بما تمثله من سلطة قادرة على ضبط كلّ أنواع الغرائز.

أمّا الشمال، فلا شيء يمكن أن يعيده إلى ما كان عليه قبل الوحدة في ظلّ الشرخ المذهبي الذي عملت إيران على توسيعه بمؤازرة من الإخوان المسلمين الذين يمتلكون أجندة خاصة بهم تقوم على فكرة أنّهم الحزب الوحيد المنظّم القادر يوما على أن يحكم اليمن بكلّ مناطقه. هذه الأجندة كانت وراء خطفهم الثورة الشعبية في 2011 من أجل أن يتمكنوا من خلافة علي عبدالله صالح. كانت كلّ نتيجة ما قاموا به الوصول إلى المرحلة الراهنة المستمرّة منذ الحادي والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014 عندما استولى الحوثيون (أنصار الله) على صنعاء. باختصار شديد لعب الإخوان الدور المطلوب منهم إيرانيا!

لم يعد في الإمكان البناء على الوحدة، مثلما لم يعد في الإمكان البناء على الانفصال. ثمّة حاجة إلى حلول مبتكرة تحفظ لليمني العادي الحق في العيش بأمان. لكن مثل هذه الحلول المبتكرة التي قد تكون اقرب إلى نوع من الفيدرالية بين كيانات عدّة، لا يصنعها تجاهل موازين القوى القائم الذي لا بدّ من كسره، تمهيدا للخروج إلى آفاق البحث عن حلول سياسية وتسويات تشمل بين ما تشمله الانتهاء من كلّ الميليشيات المسلّحة التي يتحدث عنها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة.

لن يتغيّر شيء في اليمن من دون حصول تغيير على الأرض. ما دام الوضع في الحديدة على حاله، سيظل مبعوث الأمم المتحدة يدور على نفسه

بكلام أوضح، لا يمكن ولوج باب المفاوضات الجدّية دون الانتهاء من الهيمنة الحوثية على جزء من الأراضي اليمنية بدءا بميناء الحديدة والمدينة. أي حوار في الظروف الراهنة يعني حوارا من أجل الحوار. لا يمكن للحوار أن يؤدي إلى أي نتيجة ما دام المشروع الحوثي الذي تقف خلفه إيران جزءا من المعادلة اليمنية. مثل هذا المشروع يستفيد من صبر غريفيث، خصوصا أنّه يراهن أيضا على الوقت قبل أيّ شيء آخر. لو لم تكن “عاصفة الحزم”، لكان الحوثيون ما زالوا إلى اليوم في عدن ولكانوا في باب المندب ولما كانوا محاصرين في الحديدة.

إذا كان هدف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تحقيق تقدّم ما، ثمّة حاجة إلى البحث عن طريقة للخروج من موازين القوى القائمة حاليا من جهة، والتخلي عن وهم التفاوض مع الحوثيين والعمل على استرضائهم من جهة أخرى. لا يمكن في أيّ شكل تجاهل أن الحوثيين يمثلون جزءا من الشعب اليمني. لا يمكن إلغاؤهم بأي شكل. لكنّ ما لا يمكن تجاهله أيضا أنّهم ليسوا سوى أداة إيرانية ترفض الاعتراف بحجمها الحقيقي، فضلا عن أن ليس لديهم أيّ مشروع سياسي أو اقتصادي قابل للحياة. إذا كان النظام في إيران نفسها لا يمتلك ما يقدّمه للإيرانيين، فكيف يمكن لميليشيا متخلفة تستخدم أولادا دون سنّ المراهقة في حروبها وترفع شعار “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام” أن تقدّم شيئا لليمنيين؟

ستبقى الحديدة كمدينة ذات ميناء استراتيجي مطل على البحر الأحمر امتحانا لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة. ستظل امتحانا لمدى جدّيته التي لا مفرّ من أن تأخذ في الاعتبار أن الحوثيين لم يلتزموا في يوم من الأيّام بأي اتفاق توصلوا إليه مع أي طرف من الأطراف. كذلك، تعني الجدّية أن القرار 2166 الصادر عن مجلس الأمن يحتاج إلى تعديل، خصوصا أنّه يقيّد شخصيات يمنية تستطيع لعب دور في التوصل إلى تسوية والمساعدة في البحث عن حلول.

إذا كان المطلوب تبادل الآراء في جنيف يوم السادس من أيلول – سبتمبر المقبل بين “الشرعية” والحوثيين، فيمكن القول من الآن إن مثل هذا اللقاء المرتقب مضيعة للوقت وسقوط في لعبة الحوثيين التي تقوم على كسب الوقت.

لعلّ أفضل ما يمكن لمارتن غريفيث عمله هو الاستفادة من تجارب المبعوثيْن اللذين سبقاه، وهما جمال بنعمر وإسماعيل ولد الشيخ أحمد. فشل بنعمر في اليوم الذي رعى فيه اتفاق السلم والشراكة مع “الشرعية” مباشرة بعد دخول الحوثيين صنعاء واستيلائهم عليها. وفشل ولد الشيخ أحمد بعدما اكتشف أن ليس لديه ما يفعله في ظل تمسّك الحوثيين بمواقفهم ورهانهم على استمرار موازين القوى القائم إلى ما لا نهاية.

لن يتغيّر شيء في اليمن من دون حصول تغيير على الأرض. ما دام الوضع في الحديدة على حاله، سيظل مبعوث الأمم المتحدة يدور على نفسه. في النهاية، يعرف الحوثيون ماذا يريدون. يريدون السلطة على جزء من الأرض اليمنية وموارد تموّل هذه السلطة خدمة للمشروع الإيراني. تكمن أهمّية ميناء الحديدة بالنسبة إليهم أنّه مورد مالي كبير، إضافة بالطبع إلى موقعه الاستراتيجي. متى يتغيّر الوضع في الحديدة يمكن المراهنة على بداية التغيير في اليمن. كلّ ما تبقّى إضاعة للوقت وكلام من أجل الكلام.

من غدر بعلي عبدالله صالح، بحسناته وسيئاته وأخطائه، بالطريقة التي غُدر بها بالرجل، لا يمكن الاعتماد عليه في تحقيق أي تسوية من أيّ نوع. متى كان الغدر سياسة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دوران على الذات في اليمن دوران على الذات في اليمن



GMT 13:59 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

مهرجان كان الـ77 يرسم ملامحنا ونرسم ملامحه

GMT 13:44 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

الصديق الثرثار

GMT 13:42 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

«فيتنام بايدن» في الجامعات الأميركية؟

GMT 13:40 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

أين الزلازل يا شيخ فرنك؟

GMT 13:36 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

كوندورسيه يلتحف الكوفية

النجمة درة بإطلالة جذّابة وأنيقة تبهر جمهورها في مدينة العلا السعودية

أبوظبي ـ المغرب اليوم

GMT 19:55 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مولود برج الحمل كثير العطاء وفائق الذكاء

GMT 23:13 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

الوداد الرياضي يٌعلن فتح باب الانخراط بالنادي

GMT 07:57 2021 الإثنين ,27 كانون الأول / ديسمبر

الطاقة الشمسية تجمع المغرب ونيجيريا

GMT 17:42 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:29 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

منفذة هجوم كاليفورنيا تعلمت في مدرسة دينية باكستانية

GMT 09:31 2023 الجمعة ,14 إبريل / نيسان

حليب جوز الهند يعالج البشرة الجافة

GMT 21:26 2016 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة جديدة عن فوائد المخدرات للمرتبطين

GMT 11:19 2014 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

اخطاء وخطايا النخبة

GMT 06:39 2016 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

Ralph&Russo Couture Spring/Summer 2016

GMT 01:57 2021 الخميس ,01 إبريل / نيسان

مجوهرات لؤلؤية فاخرة موضة صيف 2021

GMT 16:02 2019 الأربعاء ,24 تموز / يوليو

استقالة هشام الدميعي من تدريب أولمبيك آسفي

GMT 19:47 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

الفنان حاتم إيدار يخضع للعلاج بعد نجاته من حادث مروّع

GMT 10:25 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

الروبوت "فورفيوس" يتمكن من ممارسة لعبة تنس الطاولة

GMT 11:09 2014 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ظاهرة تسوّس أسنان الأطفال تنشر بسرعة في بريطانيا

GMT 20:37 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تأجيل زفاف ابنة أميرة موناكو والمغربي جاد المالح
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib