من مواجهات تفاوضية إلى صراع وجودي

من مواجهات تفاوضية إلى صراع وجودي

المغرب اليوم -

من مواجهات تفاوضية إلى صراع وجودي

مصطفى فحص
بقلم - مصطفى فحص

فرضت معركة «طوفان الأقصى» مواجهة مختلفة عن سابقاتها، فمن المستحيل أن تنتهي على غرار المواجهات السابقة باتفاق لوقف إطلاق النار ورعاية إقليمية لهدنة مؤقتة، بعدما كسرت قواعد الاشتباك السابقة كافة، وحطّمت معادلة الردع الإسرائيلي الذي تحتاج تل أبيب إلى معركة مفتوحة من دون قيود أو سقف زمني، ودعم دولي غير محدود من أجل استعادته، أي إلى إبادة كاملة لقطاع غزة تحت ذريعة تصفية حركة «حماس» وباقي الفصائل الفلسطينية المسلحة، وهذا مستحيل. بالنسبة إلى «حماس» وباقي الفصائل التي تعمل كتنظيمات مسلحة خارج السلطة الرسمية البقاء على قيد الحياة يمكن عدّه انتصاراً مهما كانت الخسائر بالبشر والحجر، أما بالنسبة إلى إسرائيل، فإن ما جرى وبعيداً عما سينتهي عليه سيحتاج إلى عقود لإعادة ترميم مبدأ التفوق في الوعي الجماعي لسكان إسرائيل، وإعادة الثقة بمؤسسة الجيش التي فشلت في تحقيق الأمن الجماعي لهم، فهي للمرة الأولى منذ تأسيسها مهددة بهجرة معاكسة، خصوصاً من قِبل الطبقة المتوسطة المعارضة للتيارات والأحزاب اليمينية الدينية الحاكمة التي قد تجد لها ملاذاً آمناً في أوروبا، كما أن هناك تهديداً ديمغرافياً داخلياً؛ إذ من الصعب إقناع سكان مستوطنات غلاف غزة بالعودة السريعة إليها.

فعلياً بعد «طوفان الأقصى»، لم تعد المواجهة ما بين حركة «حماس» وبين الاحتلال الإسرائيلي، بل عادت إلى نقطة البداية ما بين القضية الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، أي إعادة المنطقة والعالم إلى صراع وجودي مبني في العقل الإسرائيلي في القضاء على ما تبقى من الطرف الآخر، أي تصفية نهائية للقضية الفلسطينية، هذا الهدف ليس فقط من أجل تحقيق انتصار عسكري فقط، بل الأهم بالنسبة للنخب الإسرائيلية الحاكمة التخلص من أي التزامات مستقبلية تجاه الفلسطينيين كشعب، وذلك واضح من خلال التهميش الممنهج للسلطة الوطنية الفلسطينية وإضعافها لتبرير أن لا شريك سلام فلسطينياً من جهة، ومن جهة ثانية سياسات قضم الأراضي في الضفة الغربية منذ عقود باتت تعيق جغرافياً قيام دولة فلسطينية، والآن محاولة الضغط من أجل تهجير سكان غزة نحو سيناء؛ الأمر الذي يهدد الأمن القومي المصري بشكل خاص والأمن الجماعي العربي بشكل عام، ويأخذ الأزمة إلى مستويات أشد خطورة، وهذا ما أشار إليه الكاتب السعودي طارق الحميد في مقاله الأخير في صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان «الحذر من تغيير الخرائط»، حيث قال: «ما يحدث خطر ومن شأنه تغيير الخرائط والواقع على الأرض وقد يعيدنا للتفاوض على كل ما كان لدينا جغرافياً».

عملياً، من المستحيل تقبل الأطراف الأساسية المعنية بالقضية الفلسطينية بمخططات تل أبيب، وفي مقدمتهم الرياض وأغلب أشقائها العرب، التي قدمت رؤيتها للسلام العادل والشامل المبني على مبدأ حل الدولتين وعدّ منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية شريكاً أساسياً في الحل، وهذا ما كان يحرج «حماس» ويقلّص من نفوذ داعميها الإقليميين من جهة، ومن جهة ثانية فإن التمسك بحل الدولتين يُشكل كابوساً حقيقياً لليمين الإسرائيلي الحاكم الذي كان قبل الأزمة يواجه أزمة بنيوية، ورفضاً من قِبل ما يسمى بالمجتمع الإسرائيلي الذي يميل أكثر نحو التطرف، وهذا واضح من خلال خيارات ناخبيه.

في البيان المبكر الذي صدر عن وزارة الخارجية السعودية وما نقله الإعلام الرسمي السعودي عن لسان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بأن «موقف المملكة الثابت تجاه مناصرة القضية الفلسطينية، ودعم الجهود الرامية لتحقيق السلام الشامل والعادل الذي يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة»، تسلك الرياض مسلكاً مختلفاً عن الجميع بعيداً عن مزايدات «الممانعة» تجاه فلسطين وانحياز الغرب غير العقلاني لصالح إسرائيل، حيث تؤكد الرياض أن القضية الفلسطينية ثابتة على الرغم من قسوة المتحولات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من مواجهات تفاوضية إلى صراع وجودي من مواجهات تفاوضية إلى صراع وجودي



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 15:05 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
المغرب اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 15:03 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 12:05 2023 الخميس ,20 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الخميس 20 أبريل/ نيسان 2023

GMT 07:56 2018 الجمعة ,02 آذار/ مارس

أبي حقًا

GMT 21:30 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات كبيرة في حياتك خلال هذا الشهر

GMT 11:15 2023 الأحد ,02 إبريل / نيسان

موديلات ساعات فاخّرة لهذا العام

GMT 15:40 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

الإعلامية المغربية مريم العوفير تطل على القناة الأولى

GMT 09:54 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أفريقيا تلهم إيلي صعب ELIE SAAB تصاميم أنيقة

GMT 19:46 2022 الأحد ,28 آب / أغسطس

ديكورات مميّزة للكوشة في حفلات الزفاف

GMT 20:29 2016 الثلاثاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

"أرض الإله" في المرتبة الثانية لمبيعات "ديوان"

GMT 08:07 2020 الأربعاء ,27 أيار / مايو

وفاة أشهر كومبارس كوميدي في السينما المصرية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib