الكليبتوقراطيون وبيت مال الليبيين

الكليبتوقراطيون وبيت مال الليبيين

المغرب اليوم -

الكليبتوقراطيون وبيت مال الليبيين

جبريل العبيدي
بقلم : د جبريل العبيدي

الصراع على منصب حاكم أو محافظ البنك المركزي في ليبيا هو بمثابة السيطرة على بيت مال الليبيين وتجويعهم من فئة الكليبتوقراطيين، والمقصود بهم الفاسدون الذي أفسدوا الحياة السياسية ونهبوا المال العام، وهم من المفترض حراس عليه.

يستمر صراع الشرعيات حول من يملك حق إقالة محافظ المصرف المركزي بين الرئاسات الثلاث: البرلمان ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي، رغم أن الإعلان الدستوري واضح وضوح الشمس في كبد السماء نهاراً، حيث نصّ الإعلان الدستوري على أنه اختصاص أصيل لمجلس النواب بعد التشاور مع مجلس الدولة.

المصرف المركزي الليبي كان قد تجاوز الانقسام الشديد في الماضي، حيث طبعت العملة شرقاً وغرباً، وأصبح دينار الشرق المعدني لا يشترى به في الغرب، وكذلك الدينار الورقي في الغرب لا يشتري به في الشرق، وأصبح لكل مصرف إدارته، ولكن بفضل المخلصين، توحد المصرف المركزي في بضع سنين، وأصبح برأس واحدة، ومحافظ واحد، ولكن سرعان ما عاد التشظي والصراع مجدداً في تكليف المجلس الرئاسي، الذي لا يملك الصلاحية، محافظاً جديداً، فأشعل الصراع مجدداً باقتحام مبنى المصرف المركزي وكسر أبوابه من قبل ميليشيات مسلحة، توالي المجلس الرئاسي.

الصراع للسيطرة على المصرف المركزي ليس جديداً في ليبيا، فمنذ بداية الأزمة السياسية عام 2014، والصراع قائم على من يتحكم في خزانة أموال الليبيين، حيث سيطر الإسلام السياسي مبكراً على المصرف المركزي عام 2011، وكلّف المجلس الانتقالي «لثوار فبراير» (السلطة غير المنتخبة) محافظاً جلبه قادة الإسلام السياسي، وشكلوا لجنة لإدارة المصرف المركزي، جلّ أعضائها من «الإخوان المسلمين»، وهنا بدأت السيطرة على المال العام والتحكم فيه، بل إن المصرف المركزي الليبي دعم في وقت ما حكومة معروفة بملياري دولار، لا يعلم أحد مصيرها، خاصة وهم يتعاملون مع المال الليبي على أنه بيت مال «جماعة الإخوان». وبدا هذا واضحاً عندما تهاوت الليرة التركية، فسارع المصرف المركزي الليبي بتقديم 8 مليارات دولار وديعة لإنقاذ الليرة التركية.

الصراع على المصرف تبعته تطورات سريعة وقعت خلال الأشهر الأخيرة، وبلغت ذروتها على مدى اليومين الأخيرين، جعلته يأخذ منحنى خطراً، يهدد بتفاقم الانقسام السياسي، وتجدد النزاع العسكري في قلب طرابلس، والتمدد داخل أنحاء البلاد. الصراع على البنك المركزي الليبي بدأ منذ إقالة المحافظ الحالي من قبل البرلمان بقرار صحيح يحمل الشرعية القانونية والسيادية، ولكن المحافظ المقال امتنع عن الامتثال وتسليم البنك المركزي، واستمر في عمله ضارباً بقرارات البرلمان (السلطة التشريعية) عرض الحائط.

فالفرقاء السياسيون الليبيون أعجبتهم فكرة تبادل أدوار الخلاف للاستمرار في السلطة كالخلاف المصطنع بين مجلسي النواب والدولة، اللذين يمارسان الخلاف وتبادل أدوارهما للبقاء في السلطة، في ظل سوء إدارة أزمة من جانب «الأمم المتحدة» ومبعوثيها الفاشلين، ضمن إدارة الفوضى والإبقاء على حالة اللا دولة في الحالة الليبية.

في ليبيا سلطات متفرقة وأجسام أقرب إلى منظمات المجتمع المدني منها إلى هياكل الدولة المعروفة، وفي الغالب تمثل مشاريع سياسية وأطرافاً متصارعة، وتفتقر إلى الوزن السيادي الحقيقي، إنها كيانات تتداخل أدوارها، وفي الغالب لا تملك القدرة على تنفيذ قراراتها.

الأزمة في ليبيا جزء منها محلي، على خلفية سياسيين ليبيين يرفضون تسليم السلطة والبقاء في حالة خلاف دائم حتى لا تحدث الانتخابات التي من المؤكد أنها في حالة انعقادها سوف تزيح كل هؤلاء «البائسين» الذين تخمت جيوب بعضهم بنهب المال العام.

كل المبادرات الأممية فشلت، لأنها لا تزال تشرك غير الفاعلين الحقيقيين في الأزمة الليبية، سواء من الداخل المحلي أو الخارجي. وطالما أن السياسيين الليبيين في حالة تبادل أدوار الخلاف، الذي يؤججه التدخل الخارجي بمنأى عن حلّ حقيقي للأزمة في ليبيا، سيبقى الوضع على ما هو عليه.

والواقع أنَّ بيت القصيد في الأزمة في ليبيا هو عدم وجود جدية دولية لحلّ الأزمة لاستفادة كل الأطراف من هذا.

حتى الأتراك رغم تغير واضح في سياستهم، فإنهم ليسوا شركاء حقيقيين للأسف، ولا يزال الساسة الأتراك يلعبون دور الممثل البديل (الدوبلير) محل الممثل الأميركي اللاعب الحقيقي في ليبيا، والمناكف للوجود الروسي، وبالتالي لا يمكن التعويل على تركيا كحليف أو شريك في ليبيا، ما دامت مساندة بقوة لـ«الإخوان» في غرب البلاد، فهي من يحميهم ويمكّنهم من السيطرة المفصلية على مؤسسات البلاد في طرابلس وما جاورها.

سيبقى الصراع قائماً على المصرف المركزي الليبي ما دام الإسلام السياسي يعدّه بيتَ مال التنظيم، لا بيت مال الليبيين. حتى لو تبدلت كراسي البنك المركزي بأخرى جديدة سيبقى الوضع الليبي منهكاً، والمواطنون الليبيون في المعاناة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكليبتوقراطيون وبيت مال الليبيين الكليبتوقراطيون وبيت مال الليبيين



GMT 12:05 2025 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

ما هذا يا دكتور أشرف؟!

GMT 17:51 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 17:49 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

عن الصور والمصورين.. والشخصيات العامة

GMT 17:45 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 17:43 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 17:41 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 17:37 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 17:33 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:04 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

الحوثي يتوعد أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال
المغرب اليوم - الحوثي يتوعد أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 14:51 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

شادية

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

رحلة إلى العصور الوسطى في بروغ البلجيكية

GMT 20:26 2016 السبت ,15 تشرين الأول / أكتوبر

هل التقدم في السن يمنع تعلم أشياء جديدة؟

GMT 21:44 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

العطور وتفاعلها مع الزمن

GMT 12:02 2018 الخميس ,24 أيار / مايو

"سواروفسكي" تطرح مجوهرات خاصة بشهر رمضان

GMT 06:08 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

ألماس فريدة من نوعها للمرأة الاستثنائية من "ليفيف"

GMT 16:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الكشف عن تفاصيل تعاقد بنشرقي مع الهلال السعودي

GMT 02:18 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

نادين نسيب نجيم تُعلن حقيقة المشاركة في مسلسل "الهيبة"

GMT 02:37 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

الحواصلي يؤكد استعداد حسنية أغادير للبقاء في المقدمة

GMT 03:28 2017 الجمعة ,22 أيلول / سبتمبر

أمل كلوني تدعو الدول إلى ضرورة محاكمة "داعش"

GMT 09:03 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فكري سعيد بتأهل خنيفرة إلى ربع نهاية كاس العرش
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib