مباراة في الشطرنج تجري أمامنا

مباراة في الشطرنج تجري أمامنا

المغرب اليوم -

مباراة في الشطرنج تجري أمامنا

بقلم - سليمان جودة

تشعر وأنت تتابع موضوع إلحاق السويد عضواً في حلف شمال الأطلنطي، أنك أمام جولة في مباراة للشطرنج يلعبها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع أوروبا مرة، ومع الولايات المتحدة الأميركية مرة ثانية.

فكلما حركت دول الحلف حجراً على طاولة اللعبة، حرك إردوغان حجراً في المقابل، وكذلك يفعل مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وهي تطالبه بالموافقة على إلحاق السويد هذه الأيام، كما كان قد وافق على إلحاق فنلندا في الرابع من أبريل (نيسان) من هذه السنة.

وعندما التقى قادة «الناتو» في ليتوانيا في 11 و12 من هذا الشهر، كانت عضوية السويد قضية مطروحة بقوة، وكانت تخيم بظلالها على القاعة التي جمعت قادة الحلف في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، وكان الرئيس التركي يعرف مقدماً أنه سيصادف القضية في طريقه هناك، وأن عليه أن يكون مستعداً للتعامل معها.

ويكاد يكون هو الوحيد من بين قادة «الناتو» الذي عارض عضوية فنلندا والسويد منذ البداية، فلا أحد يشاركه موقفه إلا العاصمة المجرية بودابست بالكاد، وحتى هذه الأخيرة لم تجد حرجاً في أن تقول إنها سوف تتبع موقف أنقرة في النهاية.

وما كادت قمة فيلنيوس تنعقد، حتى كانت عضوية السويد ترفرف في فضاء القاعة، ومن فضائها حطت على الطاولة، ولم يكن أمام إردوغان غير أن يشتبك معها. وقد بادر يقول إنه قرر إحالة الأمر إلى برلمان بلاده، ليرى فيه ما يحب، وأن ذلك لن يكون قبل أكتوبر (تشرين الأول) المقبل؛ لأن البرلمان لن ينعقد قبل هذا الموعد، حين يعود من إجازته البرلمانية.

وهكذا بدا أن الرجل يحرك حجراً على طاولة الشطرنج، وأنه في انتظار أن يحرك الطرف الآخر حجراً في المقابل، ولم يكن الحجر الذي يمسكه الطرف الآخر سوى عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. فلقد طال وقوف الأتراك على باب الاتحاد، وفي كل مرة ذهبوا يدقون فيها الباب، كان الأوروبيون يطلبون منهم أن ينتظروا. من قبل، كان إردوغان يبرر موقفه ضد عضوية السويد، بأنها تسمح لعناصر من حزب «العمال الكردستاني» بالإقامة على أرضها، وكان يقول إن هذه العناصر تناوئه وتناوئ بلاده، وكان يدعو الحكومة السويدية إلى اتخاذ موقف ضد هذه العناصر. ولكنه عندما أعلن إحالة أمر العضوية إلى البرلمان لم يتحدث عن عناصر الحزب، وإنما لمَّح إلى عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وكأنه يقول: عضوية للسويد في الحلف في مقابل عضوية لتركيا في الاتحاد.

ومن قرار الإحالة إلى البرلمان نفهم أن حكاية عناصر حزب «العمال» لم تكن هي الأساس في موقفه، وأنها كانت مجرد ستار لشيء خلفها، وأن هذا الشيء ليس سوى عضوية الاتحاد التي سوف يشعر إردوغان بشيء كبير ينقصه، إذا غادر القصر ذات يوم ولم تتحقق له هذه العضوية التي تراوده كأنها حلم في اليقظة وفي المنام. وليس معروفاً إلى أي مدى يمكن أن تكون الاستجابة له من جانب دول الاتحاد، ولكن ما يعرفه ونراه أنه حرك قطعة أخرى فوق طاولة اللعبة، وأن هذه القطعة تقربه من باب العضوية، إذا لم تفتح له الباب كما يرجو ويراهن.

ولأن الضغط الأكبر عليه كان من إدارة بايدن، فإنه راح يحرك قطعة أخرى من قطع اللعبة نفسها معها، متمنياً لو أنها بادلته تحريك قطعة بقطعة. فهو يريد طائرات «إف 16» من واشنطن، وهو يقاتل في سبيل هذا الطلب من زمان، ولكن الإدارة الأميركية ترد عليه في كل مرة بما معناه: «خير إن شاء الله». وهو يجد في قضية العضوية السويدية فرصة يعيد فيها تذكير الأميركيين بمطلبه القديم، ويدعوهم إلى أن يضعوا ذلك في الاعتبار، وأن يكونوا جادين معه بقدر جديته في موضوع السويد.

والأميركيون لا مانع عندهم من أن يعطوه ما يتشوق إليه، ولكنهم لا يمنحون ما في أيديهم من طائرات أو غير طائرات لوجه الله، وإنما ينتظرون أن يجدوا منه ما يستحق في المقابل، فهل من الوارد أن يجدوا في موافقة البرلمان على العضوية السويدية هذا الذي يستحق في نظرهم؟

هذا هو السؤال الذي ينتظر الرئيس التركي إجابة عنه، ويخشى أن يبذل تقدماً في عضوية السويد من ناحيته، ثم تتلكأ العاصمة الأميركية في قضية الطائرات كالعادة، وتختلق الأعذار.

وهو لهذا السبب شديد الحذر في تحريك القطع على الطاولة، ولا يضع يده على قطعة إلا بعد طول تفكير، وإلا بعد أن يكون قد حسبها في دماغه، وإلا بعد أن يكون قد توقع ردة فعل الطرف الثاني الذي يشاركه اللعبة.

كانت السويد قد راحت تطرق باب «الناتو» بعد نشوب الحرب الروسية- الأوكرانية بأشهر معدودة على أصابع اليد الواحدة، وكانت فنلندا تشاركها طرق الباب، وقد مضى على بدء الحرب ما يقرب من عام ونصف عام، وعلى مدى هذه الفترة كانت مهارة إردوغان في اللعب بادية للعين، فكان يوافق على عضوية فنلندا، ثم يستبقي السويد ليواصل إبداء المهارة.

كلما تخيل أحد الطرفين أنه يحاصر الآخر في مرحلة من مراحل اللعبة السياسية التي نتابعها، اكتشف أن الطرف الثاني هو الذي يحاصره.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مباراة في الشطرنج تجري أمامنا مباراة في الشطرنج تجري أمامنا



GMT 10:54 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

«مسار إجبارى».. داش وعصام قادمان!!

GMT 10:52 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

الفوازير و«أستيكة» التوك توك

GMT 10:49 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

الأخلاقى والفنى أمامنا

GMT 10:47 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

ذكرى عودة طابا!

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 19:55 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مولود برج الحمل كثير العطاء وفائق الذكاء

GMT 09:13 2023 الأحد ,12 شباط / فبراير

ملابس شتوية مناسبة للعمل

GMT 18:07 2022 الإثنين ,19 كانون الأول / ديسمبر

سيارة جديدة تتحدى أحدث مركبات كيا وهيونداي

GMT 14:40 2024 الخميس ,11 إبريل / نيسان

نيمار يفلت من غرامة قدرها 3 ملايين دولار

GMT 15:31 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 16:20 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وليد الكرتي يعرب عن طموح "الوداد" في التتويج باللقب

GMT 12:39 2024 الخميس ,04 إبريل / نيسان

الأسهم الأوروبية ترتفع قبيل بيانات عن التضخم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib