كرم رمضان وظلم الإنسان

كرم رمضان... وظلم الإنسان

المغرب اليوم -

كرم رمضان وظلم الإنسان

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

جرى اللسان بعبارة «رمضان كريم» التي يتبادلها المسلمون في مختلف أنحاء الأرض، فكلما أطل شهر الصيام، يتواصل ترديدها طوال أيام الشهر الكريم. العبارة في حد ذاتها تحمل معاني عدة، من بينها نوع من الاعتذار عن أداء واجب الضيافة من طعام، أو شراب، للضيف إذا زار البيت، أو مقر العمل، أثناء النهار. عادةً، يرد المرء على لطف تلك التحية بالقول: «علينا وعليكم»، وهذا صحيح، أو «الله أكرم»، والأخيرة أصح، بل أصدق. يفرح لقدوم شهر رمضان كل المسلمين، باختلاف ثقافاتهم، وتنوع مناهجهم، في المشارق والمغارب، ومن الجائز الافتراض أن الفرح يشمل الذين لا يطيقون الصوم، لأن شرع الرحمن الرحيم أتاح لهم، وأجاز لهن، الكفارة لتعويض عدم استطاعة الامتناع عن تناول القليل من الأكل، وأقداح الماء، لأسباب تتعلق بالمرض، أو ضعف الشيخوخة، أو حمل النساء، أو الإرضاع. ذلك كله، تتجلى فيه آية من آيات كرم الخالق بالناس «يُريدُ اللهُ بِكم اليُسْرَ وَلا يُريدُ بِكم العُسْرَ»، فهل للمخلوق أن يبخل بشكر مَنْ أكرمه، والإكثار من التسبيح بحمده؟ كلا، على الإطلاق.
ضمن السياق ذاته، يمكن القول إن أسباب الابتهاج بحلول شهر رمضان تتعدد هي أيضاً. فإلى جانب فرح المؤمنين والمؤمنات بالإقبال على واجب أداء أحد أركان الإسلام الخمسة، وتجديد الالتزام بمنهج الطاعات المفروضة، يُضاف إليها المُستطاع تأديته من النوافل المحببة، والسُنن المؤكدة، بلا تضييق على النفس، إذ «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها». إضافة لما سبق، ثَمّ قدر من التوافق بين الموثوق من المرجعيات الدينية، على أن الأجواء الرمضانية تبعث الروح من جديد فيما أصابه شيء من جفاف، أو تكلّس، في الأحاسيس الروحانية بين مختلف شرائح الناس، فتراهم يتوادون أكثر، ويتواصلون بغرض أن يسارع كل منهم إلى وصل ما انقطع من العلائق بين ذوي الأرحام، إما بسبب الانشغال في مواجهة متطلبات الحياة، التي تزداد أعباؤها هذه الأيام، أو بفعل خصومات أوقعها بين النفوس إفساد في الأرض ينتشر بأشكال شتى، بينها، للأسف الشديد، ما يتصل بتقدم تقني تحقق للإنسان عبر تكنولوجيا ثورة الاتصالات، وما توفر عبرها من منصات «تواصل اجتماعي»، يستغلها البعض في صبّ مزيد من الوقود على إشعال نيران الخلافات، بين أفراد العائلات، فإذا بالود والتراحم يغيبان ليحل مكانهما البغض والنفور، وإذا يشرق هلال رمضان، يبادر الطيبون والطيبات إلى مراجعة النفس، وإلى طلب العفو، فتصفو نفوس أوجعها افتراق أحباء، أو أصدقاء، بعضهم عن بعض.
بيد أن ذلك الجفاء، إذا وقع فعلاً، ليس من المنطق تحميل مسؤوليته لارتقاء واقع بني البشر علمياً. الحق أن المسؤول عنه في الأساس، هو الإنسان نفسه. ذلك واحد من أشكال الظلم التي يمارسها أناس مع أنفسهم، أو ضدها، سواء قصدوا ما يفعلون، أو أنهم جهلوا توابع أفعالهم، وما هذا بالأمر المُستحدث، كما يعلم الجميع، بل تحدث به الأولون منذ قديم الأزمان، وإليه أشارت الرسالات السماوية كلها، وحذرت من وخيم عواقبه. فبقدر ما هو مطلوب، بل ضروري، للمرء أن يأخذ بكل أسباب تطور وسائل معيشه، يظل من الواجب أيضاً الحذر إزاء أي سوء استخدام للمتاح من أدوات عصرية يوفرها التقدم التكنولوجي المعاصر. لقد ضُرب المثل عبر كل العصور بشأن أهمية امتلاك الأمم جميعها أحدث وسائل الدفاع عن النفس، فهل يقع اللوم على صانع السلاح، أو الأسلحة ذاتها، مهما كان حجم خطورتها، أم أنه في كيفية توظيفها؟ الجواب المؤكد واضح لكل ذي عقل وبصيرة.
ظلم الإنسان لنفسه يحدث أيضاً في السياق الرمضاني ذاته. هل ثمة ما يوجب طرح أمثلة على وجه التحديد؟ كلا، فهمكم كافٍ، والأرجح أن أغلبكم يرى كثيراً، ويسمع أكثر مما يتردد من أحاديث تأسف لمظاهر إسراف وتبذير تتنافى أصلاً مع روح الشهر الكريم. مع ذلك، يبقى واحد من أوجه الظلم البغيض للنفس يوجب التذكير به، قد يقع فيه صائم، أو صائمة؛ إنه الإخفاق في إمساك اللسان عن إلحاق الأذى بالناس. حقاً، أليس من العجب أن بعض الصائمين والصائمات يرددون العبارة ذاتها: «رمضان كريم»، ومع ذلك تسمعهم لا يترددون في سلق غيرهم من الناس بألسنة حِداد؟ بلى. إنما، كل إناء بما فيه ينضح أيضاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كرم رمضان وظلم الإنسان كرم رمضان وظلم الإنسان



GMT 19:48 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

«متعلّمة»

GMT 19:43 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي.. آلة الزيف الانتخابي

GMT 19:39 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الأطفال والإدمان التكنولوجي المسكوت عنه

GMT 19:35 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

عقارات بني أسد... وهمسات التاريخ

GMT 19:29 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

للعبادة معنى أشمل

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 02:30 2022 الأحد ,02 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لاختيار تصميم مثالي ومميز للأريكة في غرف المعيشة

GMT 22:25 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

دليلك ليستقبل طفلك الدراسة بحب ومن دون مشاكل

GMT 11:24 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

أريكة متعدّدة الإستخدامات

GMT 09:17 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

النهج الديمقراطي يوضح موقفه من النموذج التنموي

GMT 05:36 2019 الجمعة ,15 آذار/ مارس

افتتاح مطعم " Clinton St. Baking" العالمي في دبي

GMT 18:48 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

ميسور يتعاقد مع المدرب المغربي عبد القادر يومير

GMT 01:42 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عائشة البصري تكشف معاناة النساء من خلال "الحياة من دوني"

GMT 20:37 2018 الأحد ,30 أيلول / سبتمبر

إصابة شرطي إثر إطلاق نار كثيف في الدار البيضاء

GMT 03:55 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

Altinbas تقدم أرقى التشكيلات للساعات والمجوهرات وخواتم الزفاف

GMT 20:59 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد المغربي للملاكمة يكشف عن موعد جمعيته العمومية

GMT 04:14 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمبو يفوز بلقب بطولة فريق لبنان لإناث الجمباز

GMT 23:31 2014 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

عرض الفيلم المغربي "فرونتيراس" في العاصمة الهولندية

GMT 15:10 2014 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الإعلامية هند بومشمر تقدم اعتذارها للشعب المغربي

GMT 15:08 2016 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

نانسي عجرم تتألق بأربع فساتين بيضاء وتخطف الأنظار
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib