شامبليون البداية والنهاية

شامبليون: البداية والنهاية

المغرب اليوم -

شامبليون البداية والنهاية

زاهي حواس
بقلم : زاهي حواس

بالطبع كانت البداية للعالم العظيم شامبليون هي كشف أسرار الكتابة المصرية القديمة، ذلك الكشف الذي جعله مؤسس علم المصريات دون منازع، ولولاه لظلت النقوش الهيروغليفية على جدران المعابد والمقابر مجرد رموز وطلاسم. ولذلك احتفل العالم كله في العام الماضى بذكرى مرور ٢٠٠ عام على كشف أسرار اللغة المصرية القديمة. ويعتبر شامبليون أول عالم يقوم بتدريس اللغة والحضارة المصرية القديمة في كوليدج دو فرانس.

أما عن نهاية القصة فيمثلها ذلك التمثال الذي يصور شامبليون واقفا يطأ بقدمه وجه تمثال فرعونى يعتقد البعض أنه للملك تحتمس الثالث، بينما آخرون يقولون إنه للملك رمسيس الثانى. وقد تم نصب هذا التمثال أمام الكوليدج دو فرانس تخليًا لذكرى شامليون!، والتمثال في رأى كل المصريين يسىء إلى مصر والمصريين والحضارة المصرية القديمة. ولذلك يطالب الشعب المصرى بضرورة إزالته أو على الأقل نقله من أمام الكلية إلى داخل الكلية.

سافرت إلى باريس في بداية شهر إبريل الماضى لحضور افتتاح معرض الملك رمسيس الثانى وذهب الفراعنة المعروض داخل دار عرض لافيليت الشهيرة في قلب باريس. وقد حضر الافتتاح أحمد عيسى، وزير السياحة والآثار، والسفير علاء يوسف، سفير مصر في فرنسا، والدكتور مصطفى وزیری، أمين عام المجلس الأعلى للآثار، والدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذى لمتحف الحضارة، وعمرو العزبى، رئيس هيئة تنشيط السياحة، وأحمد عبيد، مساعد الوزير. وقد تلقيت دعوة خاصة لحضور المعرض، ومعى الدكتور خالد العنانى، وزير السياحة والآثار الأسبق، المرشح حاليا لمنصب مدير عام اليونسكو. ومن المعروف أن الشعب الفرنسى يعشق الملك رمسيس الثانى ويعتبرونه فرعون موسى، لذلك فقد طلب الرئيس الفرنسى فاليرى جیسکار ديستان من الرئيس السادات السماح بسفر مومياء الملك رمسيس الثانى بحجة العلاج. وسافر الملك وتم استقباله رسميا بوصفه ملكا في مطار أورلى. وبعد ستة أشهر عاد الملك إلى مصر. وتمر السنون حتى توليت مسؤولية الآثار، وعرفت أن شابا فرنسيا يبيع خصلات من شعر الملك رمسيس على الإنترنت!، واتصلت على الفور بالسفير ناصر كامل، سفير مصر في فرنسا في ذلك الوقت، وتم التنسيق معه لإعادة ما سرق من مومياء الملك وهو بباريس. وأرسلت الأثری أحمد صالح إلى باريس وحضر ومعه خصلات الشعر المسروقة، وعقدنا مؤتمرا صحفيا عالميا بالمتحف. وكان السؤال هو: كيف تمت سرقة شعر الملك رمسيس الثانى وهو في باريس؟، وذلك رغم وجود أثرى مصرى مرافق ومعه مرمم؟!، وكذلك كيف تمت سرقة شعر الملك مرنبتاح رغم أنه لم يسافر إلى فرنسا؟، وإجابة هذا السؤال واضحة وهو أن بعض مسؤولى الآثار في الماضى لم يكن عندهم ضمير، وتركوا آثارنا للنهب في مقابل دعوة غداء في فندق كبير! ولا داعى لذكر الأسماء!، فهذا ماض ولى بغير رجعة إن شاء الله.

نعود إلى افتتاح معرض الملك رمسيس الثانى منذ أسابيع قليلة في العاصمة الفرنسية، حيث عقد مؤتمر صحفى حضره حوالى ٥٠٠ مراسل وصحفى من وسائل الإعلام المختلفة. وتحدث الوزير أحمد عيسى عن أن مصر تقدر الشعب الفرنسى، لذلك تم إرسال تابوت الملك رمسيس الثانى إلى باريس لكى يعرض مع آثار الملك رمسيس، وتحدث عن اهتمام مصر شعبا وحكومة بالآثار المصرية والحفاظ عليها، وأنه في القريب سوف يتم الإعلان عن موعد افتتاح المتحف المصرى الكبير. وأعلن أيضا أن الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، قد أعلن أن مصر رشحت الدكتور خالد العنانى لمنصب مدير عام اليونسكو.

وألقى الدكتور مصطفى وزيرى كلمة عن الاكتشافات الأثرية التي قام بها في منطقة آثار سقارة. وتحدث بعض المسؤولين عن المعرض أمام الصحافة، وبعد ذلك كنت آخر المتحدثين، وكشفت عن أعمال الحفائر والترميم التي تتم حاليا داخل مقبرة الملك رمسيس الثانى، والتى أظهرت أن هذه المقبرة هي أكبر مقبرة بوادى الملوك، وأن المقبرة بنيت في العام الأول من حكم الملك رمسيس، وذلك لوجود الخرطوش الذي يحمل الاسم المختصر للملك، والذى تخلى عنه بعد العام الثانى من حكمه. وتحدثت عن أهمية المناظر الموجودة داخل المقبرة ووجود اسم الملكة نفرتارى داخل المقبرة، وأننا نبحث الآن عن السرداب الذي قد يكون موجودا بين مقبرة الملك رمسيس ومقبرة أبنائه. وأشرت كذلك إلى الاكتشاف الجديد داخل هرم الملك خوفو، وهو الممر الذي يبلغ طوله تسعة أمتار. وقدمت شرحا مبسطا عن المدينة الذهبية التي كشفنا عنها بالأقصر.

وفى نهاية كلمتى قلت إن مصر وشعب مصر يقدر الدور العظيم الذي قام به العالم الفرنسى شامبليون في فك رموز الكتابة الهيروغليفية، خاصة أنه مؤسس علم المصريات، ولذلك قامت الحكومة بتسمية شارع في قلب القاهرة باسمه، وأيضا نُحت تمثال له ووضع في أهم ميادين مصر. بينما على الجانب الآخر قام الفرنسيون بوضع تمثال له يصوره وهو يطأ بقدمه على وجه ملك مصر!، وهذا التمثال قام بنحته فريديريك أوغست بارتولدى من الرخام عام ١٨٧٥، وكان من المفترض في الأصل نقل هذا التمثال إلى فيجاك مسقط رأس شامبليون، لكن المشروع لم يجد الدعم الكافى وبقى في باريس. وقلت أمام جميع الصحفيين إن هذا التمثال يمثل إهانة للشعب المصرى، ولذلك نطلب نقله من مكانه إلى داخل الكلية.

وتحدثت أيضا عن سرقة حجر القبة السماوية المعروف باسم «زودياك معبددندرة» والموجود حاليا بمتحف اللوفر في مكان مظلم، بعد أن قام فرنسى في القرن التاسع عشر بنشرها بالمناشير وسرقتها من سقف معبددندرة الخاص بالآلهة حتحور. وقام هذا اللص ببيع الزودياك إلى اللوفر. هل يجوز أن يظل حجر الذودياك في فرنسا، بينما العالم كله يشاهد نموذجا مقلدا له بسقف معبدحتحور؟!، لذلك نطالب بأن يتم تسليم زودياك دندرة إلى مصر لكى يعرض في المتحف المصرى الكبير. وتحدثت عن الوثيقة التي قمت بنشرها وأن هناك العديد من الفرنسيين قاموا بالتوقيع عليها لحث الحكومة الفرنسية على إعادة الزودياك إلى مصر. وبعد ذلك تحدثت عن اختيار الدكتور خالد العنانى للترشيح لمنصب مدير عام اليونسكو، وقلت إنه الشخص المناسب جدا للمنصب، خاصةً أنه يتحدث الفرنسية بطلاقة، ويتمتع بخبرة طويلة في مجال التعليم والتربية والحفاظ على الآثار، وهو أنسب العلماء لشغل هذا المنصب المهم.

أحدثت تصريحاتى دوى كبيرا في الإعلام الفرنسى. وبعد ذلك عقد الإعلامى عبدالرحيم على ندوة مهمة للحوار بين الجانب المصرى الممثل في الوزير أحمد عيسى والسفير علاء يوسف، وبحضورى، ومن الجانب الفرنسى بيير لولوش، وزير الشؤون الأوروبية السابق، ومعه نائب رئيس تحرير لوفيجارو، وجان يبيستيان فرجيو، رئيس تحرير أفلانتيكو، والعديد من رؤساء التحرير، وحفيد نابليون وزوجته، وسناتور عضو مجلس الشيوخ، وأدار الندوة عبدالرحيم على وتحدثت أيضا عن ضرورة إزالة تمثال شامبليون من مكانه. وقد تحدثت مع السفير علاء يوسف عن جهود السفارة المصرية بخصوص موضوع التمثال وعقد العديد من الاجتماعات مع المسؤولين عن كولدج دو فرانس لإمكان وجود حل لهذا الموضوع، وقال لى السفير علاء يوسف إنه على مدار السنوات الماضية، قامت سفارة مصر في باريس بمساعٍ دبلوماسية عديدة لحث السلطات الفرنسية على إزالة التمثال الموجود في مدخل College de France، أو على أقل تقدير نقله إلى مكان آخر حفاظا على شعور الرأى العام المصرى، إلا أن كل هذه المساعى لم تكلل بالنجاح لأسباب متعددة، أبرزها تأكيد المسؤولين الفرنسيين في كل مناسبة أن هذا التمثال لا يمثل أي إهانة لمصر، وأن هناك سوء فهم للمعنى الحقيقى للتمثال، لاسيما أن النحات الفرنسى Auguste Bartholdi الذي قام بتصميمه يُعد من أشد المعجبين بمصر وبشعبها وبحضارتها العريقة وفقا لمذكراته الشخصية.

لقد بذل سفيرنا في فرنسا جهودا مضنية لتوضيح وجهة النظر المصرية، ودائما ما كان رد المسؤولين الفرنسيين أنهم يكنون كل الاحترام والتقدير للحضارة المصرية العريقة والمصريين، ومعروف عشق الفرنسيين للفراعنة، لاسيما أن شامبليون هو أول من قام بتدريس علم المصريات بكوليدج دو فرانس كما ذكرنا من قبل، وأنه لهذا السبب حرصت إدارة الكوليدج دو فرانس على انتهاز مناسبة الاحتفال بمرور مائتى عام على اكتشافه لرموز اللغة المصرية القديمة لتنظيم محاضرة في معرض كبير يحظى بإقبال غفير، حيث يزوره ما يقرب من سبعة آلاف شخص يوميا، وداخل الكلية نفسها التي بها التمثال، لتوضيح سوء الفهم العميق إزاء هذا التمثال وفى ظل تأكيد المسؤولين بالمؤسسة الفرنسية على عدم إمكانية إزالة التمثال أو نقله إلى مكان آخر، وشرحهم للمعنى المقصود من التمثال استنادا إلى ما ذكره النحات بارتولودى نفسه في الوثائق الخاصة به والتى تنفى أي ادعاءات حول وجود نية سيئة لدى النحات الفرنسى لإهانة الحضارة المصرية، اقترح السفير المصرى على مسؤولى المؤسسة أن يتم وضع وصف كتابى على التمثال نفسه يفسر المعنى الصحيح له ويعكس التقدير والاحترام للحضارة المصرية، مع إبراز اقتباسات من الوثائق الخاصة بالنحات الفرنسى شخصيا، مشيرا إلى أن ذلك قد يساهم في تهدئة غضب واستياء الشارع المصرى من التمثال. وقد رحب المسؤولون بذلك، حيث قامت المؤسسة الفرنسية بصياغة النص الذي سيتم وضعه على التمثال. هل هذا الحل يرضى المصريين؟.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شامبليون البداية والنهاية شامبليون البداية والنهاية



GMT 19:48 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

«متعلّمة»

GMT 19:43 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي.. آلة الزيف الانتخابي

GMT 19:39 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الأطفال والإدمان التكنولوجي المسكوت عنه

GMT 19:35 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

عقارات بني أسد... وهمسات التاريخ

GMT 19:29 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

للعبادة معنى أشمل

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 08:24 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
المغرب اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 00:24 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

دينا فؤاد تُعلن شرطها للعودة إلى السينما
المغرب اليوم - دينا فؤاد تُعلن شرطها للعودة إلى السينما

GMT 14:38 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

إطلالات المشاهير بالتنورة القصيرة لإطلالة راقية

GMT 22:45 2022 الثلاثاء ,10 أيار / مايو

نصائح للتعامل مع الزوج الذي لا يريد الإنجاب

GMT 01:36 2024 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

مانشستر يونايتد يٌخطط لحسم 4 صفقات كبرى في الصيف

GMT 15:02 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

برشلونة يتراجع عن ضم موهبة البرازيل

GMT 02:29 2024 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

قرار حاسّم بشان مستقبل سيرجي روبيرتو مع برشلونة

GMT 11:01 2024 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أبرز عيوب مولودة برج العذراء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib