البلد الملعون

البلد الملعون!

المغرب اليوم -

البلد الملعون

سوسن الأبطح
بقلم - سوسن الأبطح

ما أشبه اليوم بـ14 أغسطس (آب) 2006. المشهد هو نفسه، الجنوبيون ينتظرون على مفرق صيدا، حلول وقف إطلاق النار غير آبهين بالطائرات الحربية التي تقصف لبنان من شماله إلى جنوبه بهستيريا محمومة.

الرابعة فجراً، بدأت الجحافل تزحف عائدة إلى قراها التي خرجت منها تحت وابل النيران. لم يعبأ أحد بتحذيرات أفيخاي أدرعي، ولا بنداءات لانتظار خطاب رئيس مجلس النواب نبيه بري. سبق الأهالي الجميع، وهرعوا لتفقّد بيوتهم، حتى أولئك الذين كانوا يعلمون أن منازلهم لم تعد موجودة، لم يترددوا. أحد سكان «الخيام» من الذين دمرت بيوتهم قال إنه عائد «لأن كل بيت متبقٍّ في البلدة، هو بيتي».

التشابه بين الحربين قائم، لكن هذه المرة الدمار أكبر، الموت أكثر بما لا يقاس، والهدنة أكثر هشاشة. قد تكون شروط وقف إطلاق النار، هي نفسها، لكن كل بند يحمل في طياته سبباً لتفخيخه، والظروف بعد 18 عاماً تغيرت، العالم كله تبدّل. «حزب الله» لم يعد عينه، واللبنانيون لهم مطالب أخرى. حتى صخور الجبال تنحتها الرياح وتشكلها الأمطار والثلوج بمرور الوقت.

إسرائيل هي أيضاً، فقدت كثيراً، بعد 14 شهراً من القتال. ما لا يهتز عندهم هو شهوة القتل وجشع الاستحواذ، وتكرار عبارات: «نهاجم» و«نضرب» و«نسحق» و«نطرد» و«ندمّر» و«نقصف» و«نغتال» و«نفكك» و«نقضي على».

ثمة في إسرائيل من يريد أن يبقى يقتل جيرانه حتى الإجهاز على الطفل الأخير، منهم الوزير إيتمار بن غفير الذي اعتبر توقيع الاتفاق مع لبنان «خطأ تاريخياً». في المقابل، متطرف آخر في الحكومة هو بتسلئيل سموتريتش، للمرة الأولى يقول كلاماً مفيداً: «إذا التزمنا بالاتفاق فسوف نضمن أمن إسرائيل إلى الأبد. وأعتقد أننا سنلتزم به».

الضمانة الحقيقية للقرار الأممي هي أن تكبح إسرائيل روحها الإجرامية، واستعراضها المزمن لفائض قوتها، وهجومها اليومي لسرقة الأراضي، أن تشعر مَن حولها بأنها تقبل أن تكون كياناً يعيش ضمن حدوده الدولية، كما حال جيرانها، من دون اعتداءات همجية، بحجة أن الجميع يكرهها.

ما فعلته إسرائيل بعد 2006 أنها استفادت من خرقها للاتفاق أكثر من 30 ألف مرة، لتصور وترصد، وتتجسس، وتخطط، وتحضّر لحربها التالية. في المقابل غضت الطرف عن استعدادات «حزب الله» التي كانت تجري تحت أعينها. فالمطالبة بتطبيق القرار تعني أن تخضع هي لترسيم الحدود البرية، وتتوقف عن انتهاكاتها الجوية، وتتعفف عن إرسال من يغتال هنا، ويخرّب هناك.

جرّبت إسرائيل هذه المرة حربها الثالثة مع لبنان. النتائج ليست كاسحة. سبق وأن وصلت دباباتها إلى بيروت عام 1982. استقبل آريل شارون، وزير الدفاع في المجالس، وشرب القهوة، واختار رئيساً للجمهورية. لكن إسرائيل اضطرت للانكفاء، مع أن المقاومة كانت أشبه بخلايا معزولة. بعدها احتفظت إسرائيل بالجنوب، واضطرت للخروج عام 2000 من دون شروط ولا تنسيق، وبقيت تعض أصابع الندم. الحرب الثانية عام 2006 لم تكن نزهة لإسرائيل، وخرجت كما حصل اليوم.

شكّل لبنان باستمرار عقدة محيّرة لإسرائيل. حروبه أسقطت حكومات، وغيّرت معادلات. وهو ما يجعل الدبلوماسي والضابط الإسرائيلي السابق فريدي ياتان، الذي كان قائداً للمنطقة الشمالية، مع لبنان يقول قبل أيام: «لا نريد منطقة عازلة مع هؤلاء. ولا نريد أن نحتلهم ونبتلى بهم. نريد أن نبعدهم عنا وكفى! نريد أن ننتهي من هذا البلد الملعون الذي اسمه لبنان». حتى الأسرى والجثث التي سرقتها إسرائيل يراهن نبيه بري على أن إسرائيل ستعيدهم، كي تغلق كل ثغرة، يتسلل منها صداع.

يستذكر ياتان المحاولات العسكرية لتغيير النظام السياسي اللبناني بالقوة، منذ عام 1958، وباءت كلها بالفشل. لذلك لا حلّ مع «البلد الملعون» غير الاتفاق السياسي.

هذا واحد من عناصر كثيرة لعبت دوراً في إيقاف الحرب، منها ما نشرته وسائل إعلام إسرائيلية أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يريد دخول البيت الأبيض وتكون الحرب قد انتهت، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أراد أن يقدم هدية لصديقه. هذا غير إنهاك جنود الاحتياط بعد 14 شهراً من القتال، ودخول فصل الشتاء القارس، وتساقط الثلوج، وضبابية الرؤية لطائرات التجسس.

حسناً هذا من حسن حظنا، فمن الجهة اللبنانية، لا يوجد سبب واحد للتمسك بالحرب. كل لحظة إضافية تعني هدم بيوت، وقتل أبرياء، وإنهاك الاقتصاد، وتدمير مقومات. رغم هشاشة الاتفاق، وإصرار نتنياهو لفظاً على استكمال قتاله، وهذا بات من تقليدياته، غير أن وقف إطلاق النار، انتزع منه عنوة، وللطرفين، أسبابهما الوجيهة، للحفاظ عليه.

الجانبان بعد الحرب المقيتة، سيجدان أنهما أمام تحديات داخلية جمة. على نتنياهو أن يتدبّر أمر الخروج من غزة التي دخلها طامعاً في محوها، وطلب ترمب يشملها أيضاً، كما يواجه إلى جانب المحكمة الجنائية التي حولته إلى مجرم حرب عالمي، محاكمات داخلية تتراكم تهمها، بحيث باتت أصعب من أن يفلت منها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البلد الملعون البلد الملعون



GMT 08:09 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

جرأة نواف سلام ... في استقبال هنيبعل !

GMT 08:08 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 08:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 08:06 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 08:01 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

جيش السودان... لا جيش «الكيزان»!

GMT 08:00 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 08:00 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 07:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت - المغرب اليوم
المغرب اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 02:31 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

دراسة جديدة تكشف العلاقة بين الحب والسمنة
المغرب اليوم - دراسة جديدة تكشف العلاقة بين الحب والسمنة

GMT 02:15 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين عبدالعزيز تفكر بالزواج مجددًا بعد طلاقها
المغرب اليوم - ياسمين عبدالعزيز تفكر بالزواج مجددًا بعد طلاقها

GMT 06:16 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الذهب في المغرب اليوم الإثنين 03 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

GMT 21:44 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات في حياتك خلال هذا الشهر

GMT 16:06 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 18:33 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 20:18 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

وفاة خالة الشقيقتين المغربيتين صفاء وهناء

GMT 14:36 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

الرئيس اللبناني ميشال عون يلتقي وفدًا أميركيًا

GMT 12:29 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

مجلس الحكومة يعيد تنظيم مسرح محمد الخامس

GMT 05:01 2019 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

دافنشي كان يكتب بيديه الاثنتين بكفاءة

GMT 23:51 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

رامز جلال يسخر من غادة عبد الرازق والأخيرة تتوعد له

GMT 12:50 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

22لاعبًا في لائحة فارس النخيل استعدادًا إلى مواجهة الوداد

GMT 07:54 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

ملك إسبانيا يخفض راتبه بنسبة 7.1%

GMT 04:51 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

مصر تتصدر العرب فى الحرب على الفتنة.. المصنعة!

GMT 15:08 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هيمنة المتشددين على المجتمع الطلابي في جامعة وستمنستر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib