صائدو السلطة

صائدو السلطة

المغرب اليوم -

صائدو السلطة

عبد الرحمن شلقم
بقلم - عبد الرحمن شلقم

البيئة الطبيعية والاجتماعية، تبدع سلوك أهلها. يأخذون منها ويهبون لها، فتكون الحياة.

في بعض أدغال القارة الأفريقية، هناك فن للصيد به قوة الجرأة المتناهية، لكنه يحتاج إلى دربة طويلة. الأسد أو النمر أو أي حيوان آخر مفترس، يتربص بطريدته منبطحا وسط الأعشاب الكثيفة، يتنفس بذكاء ويحرك كل حواسه بحذر خاص. يقفز فوق الغزال أو الثور أو حمار الوحش. بعد صراع لا يستغرق وقتا، ينشب الكائن القوي المفترس، أنيابه الرهيبة في رقبة الضحية ويطرحه أرضا. عندئذ تبدأ المعركة الثانية. معركة بين الإنسان المسلح بالسيف والسهم والدرع. يهاجم الأسد أو النمر المفترس الذي يعتلي جثة المقتول. يهاجم الرجل المسلح ملك الغابة أو وزيرها، أو سمه ما شئت. بعد عراك لا يطول، يقوم الرجل بغرس سيفه أو سهمه في جسد المفترس الذي يعترف بالهزيمة ويلوذ بالفرار، ويفوز بالغنيمة الجسور. معركة من نوع آخر بين الفائز بالفريسة، ومفترس آخر. بين الأسد وقطيع الضباع الذي لا قدرة له على افتراس الحيوانات الضخمة. يتربص قطيع الضباع في وسط الأدغال، مراقبا ما يقنصه أسد أو نمر أو غيرهما. بعد أن يسيطر المفترس على فريسته، يندفع قطيع الضباع، ويشرع في مشاغلة الكبير المفترس، الذي يصير الدفاع عن نفسه، هو الذي يتفوق على الدفاع عن طعامه، وتكون النجاة بجلده هي الغنيمة. تلك هي دائرة القوة التي تتحرك فيها الحياة في تلك البقاع.

في الدول الهشة، تكون السلطة هي الطريدة التي يلاحقها الأقوياء، وهي الغنيمة التي يحلم بها من يمتلك السلاح، وهو ما يسمى الجيش. يتربص المغامرون وهم في ثكناتهم أو مكاتبهم، كما تتربص الحيوانات الكبيرة المفترسة وسط السافانا أو الأعشاب، وتكتم أنفاسها، استعدادا للهجوم على الطريدة الغنيمة (السلطة) في الظلام. بعضهم يأخذ بتكتيك الرجل الذي يهاجم الأسد ليفتك منه ما اعتلى عليه من الحيوانات، وآخرون يكونون الضباع، (الجنرال المبدع لتكتيك معركة الاستيلاء على الغنيمة). الانقلابات التي تقوم بها جيوش لا تحارب إلا بني أوطانها، وتتحول إلى قطعان ضباع، تتعارك على الغنيمة الفريسة، وتمتد سلسلة القتال على ما تم الاستيلاء عليه. كيف تتحول السلطة إلى طريدة تلاحقها أحلام من يمتلك السلاح؟ هؤلاء هم فصيلة ناطقة من الضباع التي تدربت في أدغال مظلمة، لا يمكن أن تنتمي إلى التكوينات نفسها التي يطلق عليها اسم الجيش في الدول المتحضرة، التي يخضع كبار جنرالاتها لقوة الشريعة المترسخة في أوطانهم. حيث تكون المهمة الأساسية للجيوش، هي الذود عن أمن الأوطان وحماية أراضيها.

عندما تكون السلطة مجرد غنيمة، أو بالأحرى طريدة، يتحرك الصائدون للاستيلاء عليها في الظلام كما تفعل الضباع، تصير الأوطان، غابة مظلمة تتسيد فيها الوحوش الكاسرة. هذه حقيقة تكتبها، بل تقرأها لنا حقائق نعيشها اليوم. أينما نجح صائدو السلطة في كل القارات، يحول الناس والأوطان إلى فرائس، تتمدد جثثها على امتداد البلدان، ويتعملق القهر والفقر والجهل والعنف والتخلف. تتحول الأوطان إلى جثث لا حياة فيها ولا حراك. لقد حققت الدول الأوروبية نهضتها العظيمة، بعد أن صارت الشريعة هي الكائن الأقوى، لا يفكر من بيده البنادق والمدافع والصواريخ والطائرات المقاتلة في الاقتراب منها. ما لم تتسيد الشرعية والقانون، فالوطن يتحول إلى أدغال مظلمة يتقافز فيها صائدو السلطة بسلاحهم على الأرض والناس. أمم تمتلك أعظم المقدرات تحت تراب أوطانها تعيش تحت خطوط البؤس والفقر والمرض، في حين تتمتع شعوب ليس تحت ترابها خامات، ولا ثروات، بفضل قوة شرعيتها التي يقدسها الجميع ويدافعون عنها وفي مقدمتهم من بيده السلاح الذي هو ملك لشعوبها، بدنيا الرفاهية، وتعيش فرحة الحياة. صائدو السلطة أينما كانوا، ليسوا سوى عصابات تتآمر في الظلام مثلما تتآمر عصابات الإجرام، التي تداهم البنوك، وتخطف الأبرياء. الفساد كتيبة من صائدي السلطة، لا يتورع تجمعها عن أسوأ الأفعال من أجل المال. عقلية الغابة قد توجد حيث ترتفع العمارات وتمتد الطرق الحديثة، وتوجد الجامعات. صائدو السلطة، هم تؤام صائدي المال. بعض البلدان الأفريقية تعيش اليوم في محن مركبة، تتوالد وتتسع ولا يمكن التنبؤ بمآلاتها. شباب هذه البلدان يهرب إلى دوائر الموت عبر الصحراء الكبرى وماء البحر الأبيض المتوسط، وتحت تراب أوطانهم ثروات لا حدود لها. صائدو السلطة، يحولون أبناء أوطانهم طرائد يلاحقها الجوع والخوف واليأس. خط الفقر، كلمة لا يعرفها كثير من الشعوب، لأن هناك خطوطا أخرى ترسم طرق الحياة، يمشي فوقها الجميع نحو الازدهار. لا توجد في هذه الأوطان جماعات من الضباع، تترصد ما في أوطانهم من مقدرات يقفزون عليها عبر اصطياد السلطة.

الانقلابات العسكرية، من علامات التخلف، وهي الفيروس الأخطر الذي يخلقه دون توقف. لقد شُفيت قارة أميركا الجنوبية إلى حد كبير من هذا الوباء الرهيب، وفي القارة الآسيوية تراجع أيضا وبشكل كبير. عن أوروبا لا نتحدث، فقد بلغت شعوبها سن الرشد الخاص، بعد أن تحولت إلى منبع الفكر والإبداع والعلم والصناعة، وصارت الشرعية مقدسة لا يقترب منها مغامر أو صائد ليل، لينهب الناس والوطن، ويحولهم فريسة، يغرس في رقبتها أنيابه، وينهش لحمها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صائدو السلطة صائدو السلطة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:07 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

زيلينسكي ينفي استهداف مقر بوتين وماكرون يكذب موسكو
المغرب اليوم - زيلينسكي ينفي استهداف مقر بوتين وماكرون يكذب موسكو

GMT 22:02 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق أميركي إسرائيلي يمنح حماس مهلة شهرين لتفكيك سلاحها
المغرب اليوم - اتفاق أميركي إسرائيلي يمنح حماس مهلة شهرين لتفكيك سلاحها

GMT 22:48 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

التحالف يؤكد دخول سفينتين إلى ميناء المكلا دون تصريح رسمي
المغرب اليوم - التحالف يؤكد دخول سفينتين إلى ميناء المكلا دون تصريح رسمي

GMT 15:05 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

الاعتراف رسميًا بنوع خامس جديد من مرض السكري
المغرب اليوم - الاعتراف رسميًا بنوع خامس جديد من مرض السكري

GMT 13:59 2025 الخميس ,18 كانون الأول / ديسمبر

انستغرام يطلق تطبيق Reels مخصص للتليفزيون لأول مرة

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 15:51 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

التعليم عن بعد في مؤسسة في سطات بسبب انتشار "كورونا"

GMT 00:41 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

Ralph&Russo Coutureِ Fall/Winter 2016-2017

GMT 01:36 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

نورتون يعرض منزله المميّز المكوّن من 6 غرف نوم للبيع

GMT 15:06 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تألق كيني ومغربي في نصف ماراثون العيون

GMT 00:29 2025 الجمعة ,08 آب / أغسطس

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 08 أغسطس/آب 2025

GMT 18:23 2022 الإثنين ,24 كانون الثاني / يناير

شقيق محمد الريفي يفجرها"هذا الشخص وراء تدهور صحة أخي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib