لماذا بدأت العُقوبات الأميركيّة تَفقِد قيمتها وتُعطي نتائج عكسيّةً

لماذا بدأت العُقوبات الأميركيّة تَفقِد قيمتها وتُعطي نتائج عكسيّةً

المغرب اليوم -

لماذا بدأت العُقوبات الأميركيّة تَفقِد قيمتها وتُعطي نتائج عكسيّةً

بقلم - عبد الباري عطوان

بعد فرض وزارة الخِزانة الأمريكيّة عُقوبات قبل يومين على بحارى النّاقلات الإيرانيّة الخمس التي نقلت حواليّ مِليون ونِصف المِليون برميل من البنزين ومشتقّات النّفط الأخرى الى فنزويلا، وها هِي الوزارة نفسها تفرض اليوم موجةً جديدةً من العُقوبات على ثماني شركات للحديد والصّلب والمعادن الأُخرى في إيران.

لا جديد على الإطلاق في فرض هذه العُقوبات التي باتت موضع سخرية مُعظم المُراقبين، إن لم يكن كلّهم، فلم تبق شركة أو شخصيّة في إيران إلا ما ندَر لم يتم وضعها على لائِحتها، ابتداءً من السيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى، وانتهاءً بالسيّد محمد جواد ظريف وزير الخارجيّة، ومع ذلك استطاعت السّلطات الإيرانيّة أن تُوَظِّف هذه العُقوبات لمصلحتها، من حيثُ تحقيق الاكتِفاء الذاتي في مجالات الصّناعة والأغذية والتّسليح، وتقليص الاستِيراد إلى حُدودها الدّنيا.
***
فإذا كان البعض يُحاجِج بأنّ هذه العُقوبات خلقت أزمات معيشيّة في إيران، وخفّضت من قيمة العُملة الإيرانيّة إلى حُدودٍ دنيا، وهذا صحيحٌ ولا جِدال فيه، فإنّ مُعظم خُصوم إيران يعيشون أزمات أيضًا ربّما تتفاقم وتتطوّر في المُستقبل المنظور إلى أزماتٍ أكثر خُطورةً، في ظِل تدهور أسعار النّفط والغاز، وتورّطهم في حُروبٍ لم يتعوّدوا على خوضها، وشُعوب لم يُطلِق بعضها رصاصةً واحدةً، وباتت خزائنهم وودائعهم تُستَنزف، ولن تكون قادرةً على الاستِمرار في تمويلها، مثلما هو الحال في سورية وليبيا واليمن، علاوةً على الحَرب على الإرهاب التي باتت على وشك الانفِجار مُجدَّدًا في ظِل المُؤامرات واتّساع دوائر الفوضى والدّول الفاشِلَة.

عندما شدَدنا الرّحال إلى أفغانستان أواخِر عام 1996 للقاء زعيم تنظيم القاعدة الرّاحل أسامة بن لادن، كانت البِلاد تعيش حالةً من الفوضى في بداية حُكم حركة طالبان، وتخضع لحِصارٍ أمريكيٍّ أوروبيٍّ خانقٍ أدّى إلى انهِيار العُملة المحليّة وفُقدانها لقيمتها، وكنت تحتاج إلى عربة من اللّيرات مُقابل الدولار حتى أنّه جرى وقف التّعامل بها، واللّجوء إلى نظام المُبادلة والمُقايضة، أيّ دجاجة مُقابل كيلو من السكّر على سبيل المِثال في الأسواق والبقالات، وها هي حركة طالبان تتعافى من آثار الغزو الأمريكي، وتُسيطِر على ثُلثيّ الأراضي الأفغانيّة، وترفض الاستِجداءات الأمريكيّة للانسِحاب الآمِن مِن البِلاد، وتقديم بعض التّنازلات الشكليّة في المُقابل، بعد أن زادت الخسائر الأمريكيّة عن تِرليونيّ دولار، وأكثر مِن أربعة آلاف قتيل والحسّابة تحسب.

ما هو الضّرر الذي يُمكِن أن تُلحِقه العُقوبات الأمريكيّة بالسيّد خامنئي الذي لم يُغادر طِهران مُنذ ثلاثين عامًا؟ ولا يُوجد له دولارًا واحِدًا في أيّ حِساب آلي داخِل إيران أو خارجها؟ وما هي الخسائر التي يُمكِن أن يتكَبّدها السيّد محمد جواد ظريف الذي زادت العُقوبات مِن ابتِسامته اتّساعًا؟ وألَم تزداد قوّة “حزب الله” وتتضاعف وباتت قوّةً تُرعِب دولة الاحتِلال؟

العُقوبات الأمريكيّة جعلت من إيران قوّةً عسكريّةً إقليميّةً عُظمى، تملك ترسانةً من الأسلحة ذاتيّة الصّنع تزدحم بالصّواريخ الدّقيقة، والغوّاصات الحديثة، وإرادة الرّدع الانتقامي، الأمر الذي جعل مِن الإدارة الأمريكيّة “تَجْبُن” عن اعتِراض سُفنها التي حملت البنزين إلى فنزويلا، ولعلّ ما كشَفته دراسة منسوبة إلى مركز بيغن للسّلام في تل أبيب تُؤكّد أنّ الرّد الانتقامي الإيراني لاغتِيال اللواء قاسم سليماني على قاعدة عين الأسد غرب العراق فاجَأ الأمريكيين لدقّته، وتدمير مركز عصب القاعِدة الإلكتروني ممّا جعل طائرات مُسيّرة تُحَلِّق لساعاتٍ في الأجواء العِراقيّة دون هدى لعدم قُدرتها على التحكّم فيها، ثمّ ما هو حال الشّعوب والحُكومات العربيّة التي سارت في الرّكب الأمريكيّ والإسرائيليّ تَجنُّبًا للحِصار والعُقوبات؟

ولماذا نذهب بعيدًا، فها هو قِطاع غزّة المُحاصر مُنذ أكثر مِن 10 سنوات تُبدِع عُقوله في تطوير ترسانة من الصّواريخ جعلت من دولة الاحتِلال تتردّد ألف مرّة قبل شنّ أيّ عُدوان عليه لأنّها تُدرِك جيّدًا أنّ مُعظم مُستوطناتها ومُستوطنيها سيعيشون في الملاجِئ تحت الأرض لعدّة أيّام وربّما أسابيع.
***
العُقوبات الأمريكيّة باتت تفقد قيمتها ومفعولها، وتتحوّل إلى نقمةٍ على أصحابها، وتُعطِي نتائج عكسيّةً تمامًا، ولا نَستبعِد أن يأتي اليوم الذي يتمنّاها الكثيرون بل  ويسعون إليها، إذا كانت ستُحوّلهم إلى قوّةٍ عُظمى تُطلِق أقمارًا صناعيّةً، وعلى وشك امتِلاك القُدرة على إنتاج أسلحة نوويّة، ويترحّمون في المُستقبل على أيّامها،التي تعني الكرامة وعزة النفس والصمود، بعد أن تُصبِح تاريخًا بعد انهِيار امبراطوريّة الشّر الأمريكيّة، وهي ستنهار حتمًا وقريبًا بإذن الله.. والأيّام بيننا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا بدأت العُقوبات الأميركيّة تَفقِد قيمتها وتُعطي نتائج عكسيّةً لماذا بدأت العُقوبات الأميركيّة تَفقِد قيمتها وتُعطي نتائج عكسيّةً



GMT 19:48 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

«متعلّمة»

GMT 19:43 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي.. آلة الزيف الانتخابي

GMT 19:39 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الأطفال والإدمان التكنولوجي المسكوت عنه

GMT 19:35 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

عقارات بني أسد... وهمسات التاريخ

GMT 19:29 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

للعبادة معنى أشمل

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 02:30 2022 الأحد ,02 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لاختيار تصميم مثالي ومميز للأريكة في غرف المعيشة

GMT 22:25 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

دليلك ليستقبل طفلك الدراسة بحب ومن دون مشاكل

GMT 11:24 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

أريكة متعدّدة الإستخدامات

GMT 09:17 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

النهج الديمقراطي يوضح موقفه من النموذج التنموي

GMT 05:36 2019 الجمعة ,15 آذار/ مارس

افتتاح مطعم " Clinton St. Baking" العالمي في دبي

GMT 18:48 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

ميسور يتعاقد مع المدرب المغربي عبد القادر يومير

GMT 01:42 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عائشة البصري تكشف معاناة النساء من خلال "الحياة من دوني"

GMT 20:37 2018 الأحد ,30 أيلول / سبتمبر

إصابة شرطي إثر إطلاق نار كثيف في الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib