بانتظار الانتخابات التركية

بانتظار الانتخابات التركية

المغرب اليوم -

بانتظار الانتخابات التركية

عريب الرنتاوي


ما من شك في أن حزب العدالة والتنمية سيتصدر قائمة الفائزين في انتخابات حزيران القادم، لكن الأسئلة التي تشغل بال المراقبين والمهتمين بالشأن التركي إنما تتركز في مكان آخر: هل سيتمكن الحزب من تشكيل الحكومة القادمة منفرداً، أم أنه سيضطر لولوج عتبة التحالفات والائتلافات الحكومية؟ ... هل سيتمكن الحزب من الوصول إلى حاجز الـ “330” مقعداً الذي يؤهله لعرض التعديل الدستوري القاضي باعتماد النظام الرئاسي بدل البرلماني على استفتاء شعبي، أم أنه سيتعين عليه البحث عن حلفاء للوصول إلى هذه العتبة، وهي المهمة المتعذرة على أي حال؟ ... أغلب الظن أن الحزب لن يصل إلى حاجز الـ “367” مقعداً الذي يمكنه من تعديل الدستور دون استفتاء. المسألة هنا لا تتعلق بـ “رياضيات انتخابية” ... الحزب الحاكم يتمتع بقاعدة شعبية صلبة، تراوح حول نسبة الأربعين بالمائة من الرأي العام التركي، مكنته من الفوز في الانتخابات السابقة جميعها، وتؤهله للفوز في الانتخابات القادمة ... بيد أن النظام الانتخابي المعمول به في تركيا (عتبة الحسم 10 بالمائة)، والذي يرفض حزب العدالة والتنمية و”المؤسسة العسكرية” وبعض الأحزاب القومية تغييره خشية “تسرب حزب العمال الكردستاني إلى البرلمان” تحت عباءات مختلفة، يجعل من الصعب على بعض الأحزاب الوصول إلى قبة البرلمان، ومن ضمنها “حزب الشعوب التركية” المعبر عن تطلعات الأكراد وبعض اليساريين والحركات النسائية التركية، و”حزب الأناضول” الذي أعطته استطلاعات الرأي نسبة من التأييد قد تؤهله لدخول البرلمان. إن تمكن الأكراد من الوصول إلى البرلمان، فإن الحزب الحاكم سيخسر تلقائياً ما يقرب من 40 إلى 50 مقعداً، وهي نتيجة يخشاها الحزب و”الرئيس” على وجه الخصوص، لأنها ستقطع الطريق على طموحاته الرئاسية، وستلزمه بالتحالف مع أحزاب أخرى لتشكيل حكومة جديدة، طاوياً بذلك صفحة الحزب المتفرد في الحكم والتي طالت واستطالت بأكثر مما ينبغي. وأحسب من مصلحة تركيا أولاً، ألا يحظى الحزب الحاكم بتأييد الأغلبية الكاسحة في الانتخابات القادمة ... مثل هذا السيناريو سيعزز الطموحات “الزعاماتية” للرئيس رجب طيب أردوغان، وسيكرس “غطرسة” النخبة الحزبية الحاكمة، التي ألحقت خلال سنوات الانعطافة الأربع الأخير، أفدح الضرر بالمسار الديمقراطي الانتقالي الذي تعيشه تركيا، وفرض على البلاد سياسة إقليمية اتسمت بالخفة والرعونة، وألحقت أفدح الضرر كذلك، بصورة تركيا ومكانتها في الإقليم. من مصلحة المسار الديمقراطي في تركيا، أن تحمل صناديق الاقتراع أكثر من حزب سياسي إلى الحكم في البلاد، وألا يترك الأمر والنهي لحزب واحد، “مُختطف” عملياً من قبل رجل واحد ... سيما وإن السلوك السياسي لهذا “الزعيم” يتسم بالعصبية والانفعال والغضب والميل الدائم لشخصنة خلافاته مع زعماء الدول، ونبرته غير الدبلوماسية ومعاركه التي لا تنتهي مع قادة المنطقة والمجتمع الدولي، وصولاً للفاتيكان؟! الانتخابات المقبلة، حاسمة الأهمية بالنسبة لتركيا والمنطقة، فيها سيتقرر مصير “الزعيم”، وما إذا كان سيعزز سطوته وأسطورته، أم من عندها سيبدأ مشوار التواضع والانكماش ... وهي ستقرر شكل النظام السياسي التركي في المرحلة المقبلة، برلمانياً، كما ظل عليه الحال منذ العهد الكمالي أم رئاسياً كما يطمح لذلك أردوغان؟ ... وهي ستحدد لمن الغلبة واليد العليا في السنوات الأربع المقبلة، فلا انتخابات مقررة في تركيا خلال هذه السنوات، لا رئاسية ولا برلمانية ولا بلدية. المؤشرات تقول إن الحزب الحاكم يواجه لأول مرة منذ صعوده، حملة انتخابية قاسية، على خلفية استنفار بقية الأحزاب في وجه هيمنة الحزب الواحد واعتمادها تحالفات وتكتيكات وبرامج انتخابية جديدة، فضلاً عن التخبط في السياسة الخارجية خصوصاً في سنوات الربيع العربي، وتراجع مسار الحريات والتحول الديمقراطي وارتفاع منسوب القلق من تفشي الخطاب الديني والمذهبي للنخبة الحاكمة، فيما استطلاعات الرأي العام ترجح وصول حزب أو حزبين صغيرين إلى البرلمان، بما يملي إعادة توزيع مقاعده الـ “550” على عدد أكبر من الأحزاب، وبصورة تحول دون حصول الأحزاب الكبيرة، وفي صدارتها العدالة والتنمية، على مقاعد إضافية لا تعبر عن حجمها الحقيقي في الشارع التركي ... لكن تجربة الانتخابات السابقة، أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك، بأن هناك فجوة بين الاستطلاعات ونتائج الصناديق الحقيقية، لذلك من السابق لأوانه التكهن بما ستؤول إليه تركيا صبيحة اليوم التالي لانتخابات السابع من حزيران المقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بانتظار الانتخابات التركية بانتظار الانتخابات التركية



GMT 13:59 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

مهرجان كان الـ77 يرسم ملامحنا ونرسم ملامحه

GMT 13:44 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

الصديق الثرثار

GMT 13:42 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

«فيتنام بايدن» في الجامعات الأميركية؟

GMT 13:40 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

أين الزلازل يا شيخ فرنك؟

GMT 13:36 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

كوندورسيه يلتحف الكوفية

GMT 09:52 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

«لا تشكُ من جرح أنت صاحبه»!

GMT 09:48 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

أصغر من أميركا

النجمة درة بإطلالة جذّابة وأنيقة تبهر جمهورها في مدينة العلا السعودية

أبوظبي ـ المغرب اليوم

GMT 18:55 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

إنزاغي سعيد بعد تحقيق الدوري الإيطالي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib