ما ربحناه مع بنكيران

ما ربحناه مع بنكيران

المغرب اليوم -

ما ربحناه مع بنكيران

توفيق بو عشرين

كان أحد شيوخ الإسلاميين في التسعينات يقول لإخوانه في الحركة الإسلامية: «ستربحون كثيرا مع بنكيران، وستخسرون معه الكثير».. هذه الجملة/اللغز تعبر ببلاغة سياسية عن حصيلة رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، اليوم حيث بدأت ملامح حصاد التجربة التي يقودها تظهر.

للأسف الشديد، الجو السياسي غير الصحي في المغرب، والغبار الكثيف الذي يثار يمينا ويسارا يصعبان من مهمة القراءة الموضوعية لحصيلة هذه الحكومة، سواء من قبل أعداء بنكيران الذين لا يرون إلا النصف الفارغ من الكأس، وجل هؤلاء بلا مصداقية، أو من قبل أصدقاء بنكيران الذين يخشون أن يصبوا الماء في طاحونة المعارضة إن هم أنجزوا قراءة موضوعية للحصيلة، وتطلعوا إلى سيرة بنكيران في دار المخزن بعيون نقدية.

ربح المغرب مع حكومة بنكيران استقرارا نسبيا، حيث إن الطبقة الوسطى، التي كانت تؤيد حركة 20 فبراير، وضعت ثقتها في شعار «الإصلاح في ظل الاستقرار»، الذي قدمه بنكيران عرضا سياسيا بديلا عن حراك الشارع وثورات الربيع، وتوقفت التظاهرات بعد أشهر من تنصيب الحكومة، وبدأ المغرب يخرج من خانة الدول المضطربة إلى خانة دول الاستثناء العربي، حتى إن دولا غربية ومؤسسات دولية أصبحت تنظر إلى الرباط باعتبارها نموذجا لطريقة التعاطي مع حراك الشباب بطرق ذكية، ونموذجا لإذابة الإسلاميين في الكوب الدافئ للمشاركة السياسية غير المكلفة.

ربحت التجربة الديمقراطية الفتية في المغرب مؤسسة رئاسة الحكومة التي لم تكن موجودة في السابق، وهذا بفضل الدستور الذي أعطى وجودا ماديا وقانونيا لرئاسة الحكومة، وبفضل شخصية بنكيران التي أعطت مضمونا سياسيا وتواصليا ورمزيا لهذه المؤسسة. صار بنكيران شخصية كاريزمية مشهورة يعرفها الصغير والكبير، ويتابع أخبارها الناس في البوادي والمدن، بغض النظر عمن يتفق معه ومن يختلف معه، هذا لم يكن من حظ الفاسي ولا جطو ولا حتى عبد الرحمان اليوسفي، دعك من الفيلالي وكريم العمراني وعز الدين العراقي والمعطي بوعبيد، والآخرين ممن لم يصدق الناس يوما أنهم وزراء أولون. بروز البصمة السياسية لرئيس الحكومة معناه أن السياسة لها معنى، وصندوق الاقتراع له دلالة، وأصوات الناس لها قيمة.

ربح المغرب مع بنكيران وحلفائه إصلاحات هيكلية مهمة ما كان يمكن لحكومة أخرى ضعيفة أن تنجزها، والمقصود إصلاح صندوق المقاصة الذي كلف سنة 2012 حوالي 57 مليار درهم. ٪90‏ من هذه الميزانية كانت تذهب إلى جيوب الأغنياء لا إلى «دربالة الفقراء»، وإصلاح صناديق التقاعد التي كانت على شفا الانهيار، حيث لم تستطع الحكومات السابقة أن تقف في وجه النقابات، وفي وجه الموظفين الذين يشكلون خزان أصوات مهما لأحزاب المدن.

ربح المغرب العميق.. مغرب الفقراء والمهمشين والطلبة والأرامل صوتا يدافع عنهم في قلب الحكومة، حتى وإن لم يعطهم الشيء الكثير. بنكيران، ومن خلال قرارات رمزية، أعاد الاهتمام الذي خفت بمشاكل هؤلاء ومعاناتهم من خلال الزيادة في منحة الطلبة، وإقرار مساعدة للأرامل والمطلقات، ومضاعفة ميزانية القطاعات الاجتماعية، وأولها وزارة الصحة، وتخفيض أثمنة عدد مهم من الأدوية، وتوفير الاعتمادات المطلوبة لنظام المساعدة الطبية (راميد)، وبداية ملء صندوق التنمية القروية بـ55 مليار درهم على مدى ست سنوات. هذه الإجراءات، وغيرها من التدابير الاجتماعية، وإن كانت رمزية ولم تمس بنية الفقر والهشاشة في المغرب، فإنها ترسخ الطابع الاجتماعي في السياسات العمومية، وتفتح أعين الفقراء والمهمشين على حقوقهم وعلى مسؤولية الدولة تجاههم…

ربحت السياسة مع شباب الربيع المغربي، ومع هذه الحكومة، حراكا سياسيا واجتماعيا وثقافيا مهما جدا، حيث بدأت الحكومة تفاوض المواطنين، وتتنازل لهم، وتراعي غضبهم، وتأخذ ردود الفعل لديهم بعين الاعتبار. خذ، مثلا، الإجراءات التي تبعت مظاهرات الاحتجاج على البيدوفيل كالفان، ومراجعة فواتير الماء والكهرباء بعد احتجاجات السكان في طنجة، وواقعة أساتذة الطب، وكيف ألغى وزير الصحة مسودة مرسوم رفضه الأطباء ونزلوا إلى الشارع ضده، ونازلة الأساتذة المتدربين، وكيف تراجعت الداخلية عن قمعهم، والآن يفاوضهم والي الرباط باسم الحكومة دون اللجوء إلى زوار الليل أو إلى ضغوط السلطة… كل هذه الأمثلة، وغيرها، تعطي مؤشرات على اتساع رقعة المواطنة، وقوة الرأي العام، وتبلور قواعد جديدة للمعادلة السياسية فيها أكثر من فاعل وأكثر من مؤثر. لقد انتهت مقولة: «المخزن في المغرب يفعل ما يريد وكيفما يريد ووقت ما يريد».. صارت اللعبة مفتوحة أكثر، ومعقدة أكثر من السابق. نعم، تواجه احتمال النكوص إلى الخلف، لكن ليس بلا ثمن وبلا رد فعل.

ربح المغرب مع هذه التجربة بكل مكوناتها (الحكومية والشعبية) تجربتين انتخابيتين مميزتين، بمشاركة أوسع، وتنافسية أكبر، ونظافة أكثر من سابقاتها. نعم، مازالت انتخاباتنا تعاني أعطابا عدة، ومازال التحكم يرسم جزءا من ملامحها، لكن الاقتراع صار له رهان سياسي، والوسائل البدائية في التزوير اندثر جلها، ولم يبق منها إلا استعمال المال ونمط الاقتراع وبعض الاختلالات في اللوائح، لكن الرهان السياسي خلف الانتخابات بدأ يظهر بقوة أكبر، وصارت الانتخابات تولد بعض المفاجأة، ولم تعد مسرحية ممجوجة يعرف الجميع نهايتها قبل بدايتها. ربح المغاربة مع بنكيران لغة غير خشبية وخطابا صريحا يخرج عن المألوف ويوازن بين إكراهات السلطة وضرورات المصالحة مع المجتمع وأخرج بنكيران السياسة والعلاقات مع القصر من حيز السر إلى فضاءات العلن وكل هذا يساهم في وضوح الرؤية لدى الناس.

هذه، في المجمل، هي قائمة المكاسب التي أراها تحققت مع هذه التجربة، بشقيها الحكومي والشعبي، فلم يكن من المتصور وصول بنكيران إلى دار الحكم إلا على ظهور الشبان الذين خرجوا إلى الشارع في 20 فبراير، منهيا عقدا كاملا من السلطوية الناعمة التي حلت محل السلطوية الخشنة. بعض هذه المكاسب غير محصنة، وبعضها معلق في الهواء مادام حراسها قليلين، لكنها مكاسب يمكن البناء فوقها وتطويرها. يوم الاثنين أستعرض قائمة ما خسرناه مع بنكيران في هذه الحكومة، وأترك لكم في النهاية تقدير حجم الخسائر والأرباح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما ربحناه مع بنكيران ما ربحناه مع بنكيران



GMT 07:02 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لمن سيصوت شباب أميركا في 2024؟

GMT 06:58 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

أرض نستردّها... وأرض نبكي عليها!

GMT 06:47 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

يعقوب يكتب مذكراته

GMT 06:24 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

عصام الشماع موهبة قهرها الزمن!!

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

ماذا يقرأ المتظاهرون؟!

GMT 05:56 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

البلدية جاية

GMT 05:46 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

«ساق البامبو» في سوق التحف

نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 13:52 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
المغرب اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 20:40 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

مارسيل غانم يعود مع "صار الوقت" ويفتتح خريف MTV

GMT 10:30 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

أجمل الأفكار لديكور طاولة العروسين في حفل الزفاف

GMT 06:20 2023 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

المركزي الصيني يضخ 421 مليار يوان في النظام المصرفي

GMT 09:35 2023 الأحد ,05 شباط / فبراير

وما أدراك ما أشباه الرجال!

GMT 20:35 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

الإمارات تُطلق تحالف إعادة تدوير الألومنيوم

GMT 08:22 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

"لاند روفر ديفندر" تعود بإمكانيات مطورة عام 2020

GMT 21:06 2018 الإثنين ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الحموشي ينشر عناصر أمنية فى الأحياء الشعبية لسلا

GMT 20:37 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الإعلامية زينة يازجي تعود إلى "الشاشة" من جديد

GMT 05:28 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

حقيبة الظهر من"بولغاري" تناسب المرأة الأنيقة

GMT 10:54 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

فوزنياكي تقتنص صدارة تصنيف التنس وتتويجها بلقب أستراليا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib