هل يتحدث بنكيران مع فرنسا بلغة جديدة

هل يتحدث بنكيران مع فرنسا بلغة جديدة؟

المغرب اليوم -

هل يتحدث بنكيران مع فرنسا بلغة جديدة

توفيق بوعشرين

يحل اليوم رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ضيفا على فرنسا وحكومتها. المناسبة هي انعقاد اللجنة العليا المشتركة، حيث يلتقي رئيسا الحكومتين كل سنة لتقييم واقع العلاقات بين الرباط وباريس، وإطلاق دماء جديدة في عروق علاقات تمتد إلى أكثر من قرن، فيها الحلو والمر، السلم والحرب، التعاون والصراع…

عندما يطل المراقب على جدول أعمال اللقاء يجد أن هواجسه أمنية بالدرجة الأولى: الإرهاب، الهجرة، الجريمة، ثم يأتي الاستثمار ومشاريعه ثم الثقافة واللغة… ليس عيبا أن تطالب فرنسا المغرب بمساعدتها في مكافحة الإرهاب، ومدها بالمعلومات المتوفرة لديه عن المتطرفين في فرنسا وأوروبا والعالم العربي، وليس عيبا أن تطالب فرنسا المغرب بالتعاون معها في موضوع الهجرة السرية ومراقبة الحدود والجريمة العابرة للقارة، لكن أن تصير العلاقات الاستراتيجية بين البلدين محصورة في علاقة البوليس والمخبرين والدرك، فهذا مؤشر سلبي على علاقات توصف بالتاريخية…

المغرب اليوم في أمس الحاجة إلى أصدقائه وخاصة أوروبا، وفي قلبها فرنسا التي استفادت، على مدى قرن، من المغرب (حظيت بامتيازات كبيرة في نهاية القرن الـ18، وغنمت الشيء الكثير طيلة 42 سنة من الاستعمار، وقتلت باريس مئات الآلاف من المغاربة بنيران احتلالها، ولم يطالبها أحد بالتعويض ولا بجبر الضرر، وسقط عشرات الآلاف من المغاربة للدفاع عن فرنسا في الحرب العالمية الثانية وحرب الهند الصينية، وبعد الاستقلال ظلت فرنسا حاضرة في الاقتصاد واللغة والثقافة والتجارة في المملكة الشريفة…)، لهذا يجب على بنكيران أن يتحدث مع الفرنسيين بلغة أخرى غير تلك التي اعتادوا أن يسمعوها من نخب وزارة الخارجية المغربية الفرانكفونيين، الذين يعتبر جلهم المغرب الحديث هبة فرنسية، وأن الرباط لا يمكن أن تعيش بعيدا عن مظلة باريس. هذا استلاب سياسي وثقافي ونفسي يجب أن ننتهي منه. فرنسا بلد صديق وحليف استراتيجي، لكن الأصدقاء يجب أن يتحدثوا مع بعضهم بصراحة، ويجب أن يستمعوا إلى شكاوى بعضهم بتفهم كبير، وفي الأخير عليهم أن يقبلوا بصيغة رابح رابح، لا أن يدفع الغني 10 في المائة من الفاتورة، ويترك للفقير أن يدفع 90 في المائة منها، وفي الأخير يلتقطون صورا، ويوزعون ابتسامات أمام الكاميرات، ويرجعون إلى بلدانهم…

الاستثمارات الفرنسية في المغرب في تراجع، والمساعدات المالية الأوروبية للمغرب في تناقص، وعدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة محدودة جداً، وشكاوى مغاربة فرنسا من سياساتها وعنصريتها في تزايد، واهتمام باريس بتقدم المغرب لا يكاد يرى بالعين المجردة، وانشغال فرنسا بالتحول الديمقراطي في المغرب أو شمال إفريقيا حكاية لم يعد يصدقها أحد…

إذا كانت فرنسا، ومن ورائها أوروبا، مقتنعة بأن المغرب استثناء في العالم العربي، وأن فيه مشروع تحول ديمقراطي واعد، وعلى أرضه تجرى عملية تطبيع كبيرة بين السلطة وصندوق الاقتراع، بين الإسلام والحداثة، وبين التدين والعلمانية… فما عليها إلا أن تدعم هذه التجربة كما فعلت مع إسبانيا في الثمانينات عندما خرجت من عباءة استبداد فرانكو إلى رحابة الانتقال الديمقراطي، حيث مدت أوروبا مدريد بالمال والتكنولوجيا والاستثمارات، واعتبرتها بلدا أولى بالرعاية، وربطت حزمة مساعدات لها ببرنامج صارم لإصلاح القضاء ونزاهة الانتخابات وتحديث الإعلام والشرطة والإدارة… وأدخلت هذا البلد، الذي كان منكوبا، إلى الاتحاد الأوروبي، أغنى وأقوى تجمع إقليمي في العالم.. نحن لا نطلب في المغرب سوى بـ20 في المائة مما قدمته أوروبا لإسبانيا لمساعدة الرباط على الخروج من الفقر والتهميش والهشاشة ومخاطر عودة السلطوية.. على بنكيران أن يحمل في جيبه إلى باريس دراسة لوزارة المالية المغربية صدرت حديثاً، تقول إن حصة المغرب من التجارة الدولية لا تزيد على 0.11 في المائة، وإن هذه النسبة لم تتغير على مدار 14 سنة الأخيرة، وإن المغرب لم يستفد من موجة صعود دول كثيرة، مثل البرازيل وتركيا والهند والشيلي وهنغاريا…

المغرب لا يطلب صدقة من فرنسا، بل يطلب عقد شراكة استراتيجيا ستستفيد منه أوروبا اليوم وغدا، فالمغرب أقرب بلد إفريقي وعربي وإسلامي إلى أوروبا، وكما يمكن أن يكون نقطة ارتكاز للاستقرار والتعاون وإعطاء النموذج الناجح للآخرين، يمكن أن يكون نقطة سوداء -لا قدر الله- لضرب الاستقرار والأمن في حوض البحر الأبيض المتوسط…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يتحدث بنكيران مع فرنسا بلغة جديدة هل يتحدث بنكيران مع فرنسا بلغة جديدة



GMT 14:47 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

سعيٌ للتهويد في عيد الفصح اليهودي

GMT 20:03 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

دومينو نعمت شفيق

GMT 20:01 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

معايير عمل البلدية

GMT 19:56 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 19:28 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 19:26 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 19:23 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 13:52 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
المغرب اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 20:40 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

مارسيل غانم يعود مع "صار الوقت" ويفتتح خريف MTV

GMT 10:30 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

أجمل الأفكار لديكور طاولة العروسين في حفل الزفاف

GMT 06:20 2023 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

المركزي الصيني يضخ 421 مليار يوان في النظام المصرفي

GMT 09:35 2023 الأحد ,05 شباط / فبراير

وما أدراك ما أشباه الرجال!

GMT 20:35 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

الإمارات تُطلق تحالف إعادة تدوير الألومنيوم

GMT 08:22 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

"لاند روفر ديفندر" تعود بإمكانيات مطورة عام 2020

GMT 21:06 2018 الإثنين ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الحموشي ينشر عناصر أمنية فى الأحياء الشعبية لسلا

GMT 20:37 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الإعلامية زينة يازجي تعود إلى "الشاشة" من جديد

GMT 05:28 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

حقيبة الظهر من"بولغاري" تناسب المرأة الأنيقة

GMT 10:54 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

فوزنياكي تقتنص صدارة تصنيف التنس وتتويجها بلقب أستراليا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib