مع شيء من «الحبوط»

مع شيء من.. «الحبوط» !

المغرب اليوم -

مع شيء من «الحبوط»

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

«ألف لا شيء عليها. باء واحدة من تحتا. تاء تنتين من فوقا..». كنّا نردّد مطلع أُهزوجة النقاط هذه، أطفالاً في «الخوجاية»، قبل سبعين حولاً. كنّا نلفظ كلمة «لا شيء» هكذا «لا شنّ»..، ربما لأن الهمزة مشكِلة باقية.. في الإملاء والنحو «الفيسبوكي» بخاصة.

كم سنة بعيدة تفصلنا عن فضل أبو الأسود الدؤلي الفارسي في تنقيط حروف لغة الضاد، وكم سنة قريبة مرت على بلاد الرافدين، حتى يرفع عراقي لافتة تقول: «نريد عراقاً مهاباً. لا نريد عراقاً مهاناً».. أكثر من مجرد تحريك نقطة على حرف النون، فهي عنوان مرحلة من سقوط بغداد في العام 2003، وتظاهرات احتجاج أمام جدارية النحّات جواد سليم في ساحة التحرير.
بدأ صدام حسين صعوده رافعاً شعاراً: «سنبني في العراق تجربة غير اعتيادية في العالم الثالث»، وفي مطلع الألفية الثالثة طُويت مرحلة كان فيها جيش العراق يُعدّ رابع جيوش العالم.
من المهابة 2003 إلى المهانة 2020 أكثر من تحريك نقطة على الحرف، ومن سقوط عاصمة الرشيد إلى زمن الخراب العربي سنوات قليلة عاشها جيلي وجيل صديقي أحمد عبد الرحمن، الذي كتب «عِشتُ في زمن عرفات» وناصر، ونهرو، وسوكارنو، وكاسترو ومانديلا. كان هذا زمن قادة محترمين ومهابين. بعضهم يملأ العين، وآخرون يملؤون القلب أو العقل.
شاعرنا قال: قادتني السنونو لعيون القتلة، حتى قبل غياب عرفات، اي ما يشبه انهيار أحجار الدومينو، من انهيار الأيديولوجيا، إلى انهيار أحزابها، وانهيار سيادات الدول.
في كتابه: «الأمير الصغير» سخر الأديب ـ الطيار ـ الفيلسوف، من الرجال «العارفين» والرجال «الثقات» كأنه يتنبأ بزمن ترامب، نتنياهو، ماكرون.. وجونسون. لا أحد منهم يملأ العين والقلب.. والعقل.
هذا زمن أكتب فيه تحت وطأة محصلة العمر، والخيبة.. والحبوط. الإحباط عابر، وأما الحبوط فهو مثل غيمة سوداء تملأ أفق السماء.
كم بلداً عربياً أو عاصمة تحت أشكال مختلفة من الاحتلال. من زمن ما بعد حرب أكتوبر 1973، حيث قيل إن العالم العربي يُعد القوة العالمية السادسة، إلى زمن ما بعد «الربيع العربي» حيث يُقال إن إسرائيل صارت تُعد القوة الثامنة في العالم.
من زمن كانت فيه (م.ت.ف) تحلم بمؤتمر دولي تشارك فيه «على قدم المساواة» إلى زمن مؤتمر برلين حول ليبيا، بحضور 11 رئيس دولة وحكومة، تمهيداً لمؤتمرات دولية حول العراق وسورية واليمن. لا يحضر الرئيس السوري مؤتمرات قمة ثلاثية: روسية، تركية، ايرانية، ولم يحضر مؤتمر برلين الدولي زعيمان ليبيان متنازعان، بل التقطوا صورة موجعة للسراج وحفتر، واحد عقد ذراعيه على بطنه، والآخر عقد ذراعيه وراء ظهره.. دون كلام ودون مصافحة بروتوكولية.
تحالف حلف «الناتو» أنهى حكم «الرجل القوي» القذافي، وتحالف دولي أنهى حكم حلم «الرجل القوي» صدام حسين، ويفكر «الناتو» بقوات سلام تفصل الحرب الأهلية الليبية، ولا تفكر أميركا ترامب بالانسحاب من العراق، كما لا تفكر إيران بذلك، ولا يفكر أحد في كيفية إنهاء حروب اليمن العربية ـ الإقليمية.
من مؤتمر برلين الدولي إلى مناسبة دولية في القدس حين يحضر 42 من رؤساء وقادة وأمراء لإحياء ذكرى المحرقة النازية، قلّة منهم ستؤدي زيارة مجاملة إلى بيت لحم للقاء رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية.
القيصر بوتين اقترح على مؤتمر برلين أن تُحال توصياته إلى مجلس الأمن بحضور (5+1) بما يذكّرنا باتفاق فيينا النووي الايراني 2015، الذي انسحب منه الرئيس ترامب عام 2018، وتفكر ايران بالانسحاب منه، بعد انحياز ثلاثة من معادلة (5+1) إلى الموقف الأميركي.
يهمنا من إدارة ترامب أنها تفكر بهدية ثالثة أو رابعة لرئيس الحكومة نتنياهو، بإعلان بنود «الصفقة» قبل الانتخابات الإسرائيلية الثالثة خلال عام. على الأرجح ستكون ضوءاً أخضر آخر لضم الأغوار إلى السيادة الإسرائيلية. حزب الجنرالات يعترض على التوقيت فقط، وسيبادر إلى استباقها بتضمينها في برنامجه الانتخابي.
هذا حلم ييغال آلون القديم، المعلن بعد احتلال الضفة، ومن وحيه وضع الإسرائيلي الجغرافي فاختمان فكرة بناء عمود فقري ثان لدولة إسرائيل، حتى قبل موضوعة «الحل بدولتين». كل كائن حي له عمود فقري واحد، لكن إسرائيل هي كائن فريد بعمودين فقاريين.
في زمن مضى، وضع واحد كتاباً معنوناً: «هؤلاء المرضى الذين يحكمون العالم»، ثم جاء زمن صار فيه قادة دول لا يملؤون العين  والقلب والعقل يحكمون العالم، وتحقق بذلك ما قاله الشاعر الكفيف اليمني، عبد الله البردوني: «فظيع جهل ما يجري، وأفظع منه أن تدري».
ثمة رهان ضعيف على تصويت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مجلس النواب، ومن ثم قرار بعزل ترامب. ثمة رهان آخر على فشل نتنياهو في تشكيل حكومة يمينية بغالبية صوت واحد أو أكثر. ماذا عن رهانات السلطة الفلسطينية، غير قول لا لهدية ترامب الثالثة أو الرابعة لإسرائيل.
هناك من يُراهن على أن مرسوم إجراء الانتخابات الفلسطينية الثالثة مؤجل إلى موعد آخر.
على ماذا أُراهن؟ هل أن الإحباطات المتوالية ستصيبني بالحبوط، والعزوف عن تناول سخافات قادة لا يملؤون لا العين، ولا القلب.. ولا العقل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مع شيء من «الحبوط» مع شيء من «الحبوط»



GMT 19:29 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

ما يملكه الضعفاء

GMT 19:27 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

في الحنين إلى صدّام

GMT 19:22 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

حرب أوكرانيا... واحتمال انتصار الصين!

GMT 19:11 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

إيران أكبر عدو لنفسها

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 08:24 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
المغرب اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 12:26 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية
المغرب اليوم -

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 02:27 2024 الأحد ,07 إبريل / نيسان

أول تعليق من داني ألفيس بعد خروجه من السجن

GMT 08:02 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

إجلاء نحو 117 ألف شخص بسبب الفيضانات في كازاخستان

GMT 04:59 2024 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

نصائح لاستعادة التوازن الغذائي عقب شهر رمضان

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 12:38 2020 الجمعة ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تركز الأضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 10:14 2023 الإثنين ,06 آذار/ مارس

مجوهرات أساسية يجب أن تمتلكها كل امرأة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib