مبدأ أثير لدى ساكن البيت الأبيض

مبدأ أثير لدى ساكن البيت الأبيض

المغرب اليوم -

مبدأ أثير لدى ساكن البيت الأبيض

سليمان جودة
بقلم : سليمان جودة

تفهم من التجاوب الروسي - الصيني مع فنزويلا في معركتها مع الرئيس ترمب، أنه يخوض المعركة هناك لسبب آخر بخلاف السبب المعلن.

فهو يتحدث عن مخدرات تتسلل من الأراضي الفنزويلية إلى بلاده، ويقول إن هدفه وقف هذا التسلل، ويتشدد كل يوم في دعوته الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى التنازل عن السلطة. وفي هذا السبيل لا يجد حرجاً في مصادرة ناقلات النفط الفنزويلي واختطافها، وقد بلغ عدد الناقلات التي اختطفها الجيش الأميركي وصادرها ثلاث ناقلات!

ولكن الواضح أنَّ الرئيس الأميركي داس على موطئ قدم روسية وصينية وهو يتقدم في هذا الاتجاه، وهذا المعنى تجده في البيانات الرسمية الصادرة عن بكين مرة، ثم عن موسكو مرةً ثانية، وقد وصل التأييد الروسي لفنزويلا إلى حد أن سيرغي لافروف، وزير خارجية روسيا، أعلن أن دعم بلاده لفنزويلا «كامل»، وقد قصد أن يضع كلمة كامل بين أقواس.

ولم تكن الصين أقل تشدداً في دعمها المبذول للرئيس مادورو، وهذا المعنى تجده أيضاً في البيان الصادر بعد اتصال بين وزير الخارجية الصيني ونظيره في العاصمة الفنزويلية كاراكاس.

وإذا افترضنا أن الصين وروسيا تعنيان ما تقولان، وهما تتكلمان عن دعم كامل للحكومة في فنزويلا، فإن السؤال هنا لا يكون عن وجود الدعم من عدمه، ولكن عن الحدود التي يمكن أن يذهب إليها البلدان في وقوفهما بجوار مادورو؟ فالرئيس ترمب يتحرك في الملعب الفنزويلي مدفوعاً بإيمانه بمبدأ مونرو الشهير، وهو مبدأ كان الرئيس الأميركي جيمس مونرو قد أسس له في عام 1823، ثم بقي من بعده مبدأً في انتظار الإدارات الأميركية التي تستطيع أن تبعثه إلى الحياة، أو أن تعتمده في حركتها على خريطة العالم.

المبدأ معروف ومشهور ويحمل اسم صاحبه، وهو يرسم مجالاً حيوياً للولايات المتحدة، ثم يدعوها إلى أن تتحرك في حدوده، وأن تطرد منه كل طرف آخر يمكن أن يزاحم الأميركيين في النفوذ، أو في التأثير، أو في السطوة والهيمنة.

ولم يكن حديث ترمب عن جزيرة غرينلاند الدنماركية حلماً رآه في منامه، ثم استيقظ يرويه للدنماركيين أو سواهم، ولكن المجال المرسوم على أساس مبدأ مونرو يضم غرينلاند فيما يضم. وعندما بدأ الرئيس الأميركي حديثه عن هذه الجزيرة الدنماركية المتمتعة بحكم ذاتي بدا الأمر غريباً، فلما سكت لفترة عن الحديث في الموضوع، تخيل المتابعون أنه قد أقلع عن التفكير فيه تحت ضغط الرفض الدنماركي والأوروبي. ولكن المفاجأة لم تكن فقط أنه جدد الكلام في شأن غرينلاند، وإنما عيّن مبعوثاً أميركياً يروح إليها ويجيء منها، فكأنه قد انضم إلى بقية المبعوثين الأميركيين الذين يتجولون في أنحاء الأرض!

ومن خلال نظرة على الخريطة سوف ترى أن المجال الحيوي المرسوم يضم غرينلاند في أقصى الشمال، بمثل ما يضم فنزويلا في أقصى الجنوب، ومن هناك في غرينلاند إلى هنا في فنزويلا ترتسم حدود المجال الحيوي في النصف الغربي من الكوكب، ويتحرك ترمب مع أركان إدارته في أفق المجال المرسوم، ولا يهمه كرئيس أو يهمها كإدارة أن يصادفه أو يصادفها بشر يعيشون في داخل المجال، ولا أن يكون لهؤلاء البشر رأي فيما يقال أو يذاع!

فالرئيس مادورو الذي يدعوه الرئيس ترمب للتنازل عن السلطة رئيس منتخب، والمفارقة أن الولايات المتحدة التي تتكلم مع العالم عن الديمقراطية التي هي حُكم الشعوب، لا تبالي وهي توجه هذه الدعوة العجيبة إلى رئيس منتخب. من الممكن طبعاً أن يقال إن الانتخابات شابها ما شابها، قد يقال هذا، وقد يكون صحيحاً، ولكن صاحب الحق في مدى دقته أو صحته هو الشعب الفنزويلي وحده، وما عدا ذلك اعتداء على حق أصيل لشعب على أرضه.

المفارقة الأخرى، أن الشعب الفنزويلي يبدو في عمومه صامتاً، ولكن حتى لو صحَّ هذا المدخل في تفسير الصمت الشعبي الفنزويلي، فالأمر يخص الناس في فنزويلا ولا يتجاوز حدود بلدهم.

وفي غياب الفنزويليين كطرف فاعل يبقى الرهان على الطرفين الروسي والصيني؛ لأن حديثهما عن دعم «كامل» سوف يوضع في اختبار كلما تفاقمت الأزمة.

وليس من المستبعد أن تتحول فنزويلا صفقة ثلاثية، فيقايض بها ترمب الروس في ملف أوكرانيا، ثم يقايض الصينيين في ملفات لا حصر لها بين الصينيين والأميركيين، ويكتشف الرئيس مادورو أنَّ الدعم الكامل ليس هكذا بالضبط، وأنه دعم لا يصمد إذا تعرض لاختبار المقايضة.

لقد جاء يوم على ترمب قايض فيه الحكومة في بكين شيئاً بشيء، فحصل منها على المعادن النادرة، وسمح في المقابل للطلبة الصينيين بأن يتلقوا تعليمهم في الجامعات الأميركية. ولأنَّ ما بينه منذ ولايته الأولى وبين حكومة الرئيس شي جينبينغ كثير، فإن استدعاء مبدأ المقايضة الأثير لديه، من المربع الذي انعقدت فيه صفقة الطلبة والمعادن، إلى الخانة التي تقع فيها الأزمة مع فنزويلا، هو استدعاء قائم، وربما غالب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مبدأ أثير لدى ساكن البيت الأبيض مبدأ أثير لدى ساكن البيت الأبيض



GMT 06:32 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

التعليم وإرادة الإصلاح (1)

GMT 06:29 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عرش ترامب!

GMT 06:27 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

تكليفات الرئيس!

GMT 06:26 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

سمعة البرلمان!

GMT 06:23 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الداعية «قفة» وأبناؤه

GMT 06:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ماذا تبقى من ذكرى الاستقلال في ليبيا؟

GMT 06:09 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مُقرئ الفلوس

GMT 06:01 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

كعب لا تقبله أمريكا

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 13:59 2025 الخميس ,18 كانون الأول / ديسمبر

انستغرام يطلق تطبيق Reels مخصص للتليفزيون لأول مرة

GMT 14:33 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية العام فرصاً جديدة لشراكة محتملة

GMT 18:37 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتعد عن النقاش والجدال لتخطي الأمور وتجنب الأخطار

GMT 21:04 2022 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

"طائرة الزمالك" يهزم المنيا 0/3 في دوري المرتبط

GMT 11:54 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

أخر صيحات الموضة لموسمي خريف وشتاء 2024-2025

GMT 01:34 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

بلقيس فتحي تطرح أحدث أغانيها "أحاول أغير"

GMT 06:31 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مدرب ليستر سيتي يدخل دائرة اهتمامات إدارة مانشستر يونايتد

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib